في ورقة بحثية سياسية، ، قدّم د.أحمد عبدربه، استاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، مستقبليات العلاقة بين القوى المدنية والجيش، في الوقت الذي يكثر فيه الجدل السياسي الآن حول مستقبل ودور المؤسسة العسكرية المصرية فيما بعد المرحلة الانتقالية، وهو جدل مبنى على تاريخ ودور هذه المؤسسة فى مصر فى مرحلة ماقبل ثورة يناير، وكذلك على دورها فى قيادة المرحلة الانتقالية منذ تنحية الرئيس السابق مبارك وحتى الأن. أكد عبد ربه، في درساته، التي حصلت "أموال الغد" على نسخة منها، على أن أولى ملامح هذا الجدل ظهرت مع ماسُمى بوثيقة د. علي السلمى، وهى الوثيقة التى خرجت بمجموعة من المبادئ "فوق الدستورية" والتى كان من ضمن بنودها إعطاء حصانة خاصة للعسكر فى مصر تقديراً لدورهم فى حماية الثورة.. وحُسبت هذه الوثيقة على التيار الليبرالى فى مصر الذى اُتهم حينها من الإسلامين بموالسة الجيش على حساب الثورة، وبعدما فشلت الوثيقة بعد تحرك إسلامى قوى ضدها وماتبعها من احداث دامية بين المتظاهرين وقوات الأمن عُرفت لاحقاً باسم "احداث محمد محمود". أشارت الدراسة إلى أن الجدل عاد وبقوة مرة أخرى حول دور المؤسسة العسكرية بعدما خرجت تسريبات من داخل جماعة الإخوان المسلمين والتى يسيطر حزبها السياسى على اغلبية نسبية داخل البرلمان لتتحدث عن "الخروج الأمن" للمجلس العسكرى وهو ما أدى لتراشق عكسى اتهم فيه الليبراليون التيارات الإسلامية بعقد صفقات مع المجلس العسكرى على حساب الثورة! وهكذا وُصم كل تيار بمحاولة عقد صفقة مع المؤسسة العسكرية على حساب الدولة المدنية التى قامت من أجلها الثورة. ولأن الدولة المدنية لاتعنى فقط ألا تكون "دينية" ولكنها تعنى أيضاً ألا تكون "عسكرية" فإن مستقبل دور المؤسسة العسكرية فى مصر بعد المرحلة الانتقالية يعد من الأهمية بما كان لمناقشته وتحليل محدداته ومستقبله. أوضحت الورقة البحثية أن الصراع يدور عادة بين الفاعلين المدنى والعسكرى على 5 دوائر اساسية تجنيد النخبة، وصنع السياسات العامة، والأمن الداخلي، والدفاع، ومؤسسات القوات المسلحة، ويكون الهدف الأسمى فى الديموقراطيات الخالصة هو سيطرة المدنيين على الدوائر الخمس جميعاً، بينما يسعى العسكر إلى السيطرة على أكبر عدد ممكن من هذه الدوائر، وتشير التجارب المعاصرة لدول مرت بتحولات سياسية كبرى أن الحد الأدنى المتصور لسيطرة المدنين فى الدول الديموقراطية يكون على الدوائر الثلاث الأول.. ولابد للمدنيين فى هذه الحالة "مأسسة" أنفسهم لمواجهة نفوذ العسكر، والذي عادة مايكون مرتفعًا فى فترات التحول الكبرى –كالثورات والتحرر من الاستعمار.. ومن هذا المنطلق يكون أمام الفواعل المدنية عدة استراتيجيات لاتباعها في مواجهة المؤسسة العسكرية عن طريق وضع وضع حوافز للعسكر للانسحاب من دوائر السياسة والأمن الداخلى والوقوف عند حدود الدفاع (كالخروج الأمن والعفو والإبقاء على الأنشطة الاقتصادية حال وجودها)، ووضع رقابة على أداء مؤسسة الجيش (برلمانية- قضائية)، والتدخل فى تعيينات قادة الجيش، والتدخل فى مأسسة الجيش وتغيير ثقافته (برامج تدريبية فى الديموقراطية وحقوق الإنسان)، والتدخل والموازنة بين أجنحة الجيش فى حالة وجودها، وثواب وعقاب مدنى للجيش. وفي المقابل، أكدت الدراسة أن هناك عناصر داخل مؤسسة الجيش وخارجها تتحكم فى استراتيجيات المدنيين تجاه العسكر، وتنقسم إلى نوعين عناصر داخلية وخارجية، أما العناصر الداخلية، تتمثل في ثقافة الجيش وعقيدته (التماسك الداخلي، والموارد المتاحة للجيش)، أما العناصر الخارجية فتتمثل في (مدى تأييد الشعب للجيش-مدى التعقيد المدنى- مدى التوافق بين القوى المدنية والسياسية- مدى وجود تهديدات خارجية- مدى وجود تهديدات داخلية- مدى المساحة المتاحة للأطراف الخارجية). العلاقة الحالية بين العسكر والمدنيين وعن محددات الموقف الحالى فى العلاقات المدنية-العسكرية فى مصر، أشار عبدربه إلى أنه بمراجعة الموقف الحالى وعناصر القوة والضعف لدى كل طرف (مدنى-عسكرى)، فالجيش يتمتع بتأييد شعبى واسع نظراً لترسخ فكرة وقوف الجيش بجانب الثورة وحمايتها وهو مايعزز موقف الجيش فى أى صراع أو تنافس قادم مع الأطراف المدنية، و تعانى القوة السياسية- المدنية فى مصر من صراعات وانشققاقات عديدة بشكل يجعل الحديث عن فاعل مدنى واحد أمر غير واقعى وغير حقيقى فى الحالة المصرية وهو مايصب ايضاً فى صالح المؤسسة العسكرية، كما أنه لا يختلف الحال كثيرا فيما يتعلق بالتوافق المدنى – السياسى، فإذا كان هذا التوافق من شأنه أن يقود قوة وقدرة العسكر على السيطرة على مراكز صنع القرار، فإنه يغيب على مستويين فى الحالة المصرية، الأولى هى غياب هذا التوافق بين التيارات السياسية والمدنية فى الحالة المصرية والتى تعانى من استقطاب شديد غابت معه أى أجندة أو تنسيق مؤسسى أو شبه مؤسسى أو حتى حركى بين التيارات السياسية المختلفة ولاسيما التيار الدينى- الإسلامى فى الأغلب- والتيارات العلمانية- المدنية فى اللفظ المصرى للموائمة- وهو مااستغله الفاعل العسكرى على النحو الأمثل. ومن ناحية أخرى فلا تعانى هذه التيارات المدنية السياسية من التعقيد والقدرة على الفصل بين ماهو مدنى وماهو سياسى- ولاسيما بعد غارات الحكومة على المجتمع المدنى مدعومة من بعض التيارات السياسية- وهو شرط أساسى لمواجهة رغبة الفاعل العسكرى فى السيطرة على النحو سالف الذكر. فكرة التدخل الأجنبي نوّه أن تدعيم فكرة "التدخل الخارجى فى شؤن مصر" قد سمح بما لايدع مجالا للشك للفاعل العسكرى للتقدم وبقوة فى مساحة السيطرة على حساب الأطراف المدنية- السياسة وخاصة بعد استقطاب بعض القوة السياسية – ولا سيما الدينية- فى دعم الفكرة والتخويف من التدخل الخارجى والتأكيد على فكرة "السيادة" وهو – قول حق يراد به باطل- حيث تم استخدام هذه الفزاعة لتحقيق هدفين، أولهما دعم فكرة بقاء أو أهمية وجود الجيش فى السياق العام- لدى المواطنين من أجل الدفاع عن "السيادة"، وثانيهما تجفيف واستبعاد التيارات المدنية من السياق العام كفواعل مقبولة فى اللعبة السياسية، وأخيراً: فقد تم استخدام هذه الفزاعة أيضاً لتاليب القوى السياسية وزيادة الاستقطاب العلمانى-الدينى بين هذه التيارات، وهى كلها لتصب فى صالح المؤسسة العسكرية فى مواجهة التيارات المدنية-السياسية حتى تلك التى دعمت الجيش والحكومة المؤقتة- حكومة الدكتور الجنزورى- .. كما كذلك فإن استمرار التهديدات الداخلية متمثلة فى سلسلة الأزمات الاقتصادية ونقص المؤن والوقود واستمرار ارتفاع الأسعار وعدم تحسن الدخل وتحميل مسؤلية كل ذلك لبرلمان منتخب – ومنزوع أو ملتبس الصلاحيات- يؤدى فى النهاية إلى تدعيم موقف المؤسسة العسكرية فى الصراع والسيطرة على حساب الفواعل المدنية والسياسية. التوصيات أكد عبدربه أن أي صدام بين القوى السياسية على الساحة في مصر، فيما بينها، أو كان المجلس العسكري طرفًا فيها، فإنها تصب في الأخير لصالح الجيش، بما يمتلك من أدوات تؤهله لذلك.. متوقعًا إمكانية حدوث إنقلاب عسكري ناعم من قبل القوات المسلحة على السلطة في مصر. قال أن الجيش المصري يتمتع بتأييد شعبى واسع، نظراً لترسخ فكرة وقوف الجيش بجانب الثورة وحمايتها، وهو مايعزز موقف الجيش فى أى صراع أو تنافس قادم مع الأطراف المدنية، يأتي هذا في الوقت الذي تعاني فيه القوى السياسية المدنية من صراعات وانشققاقات عديدة، وهو مايصب ايضاً فى صالح المؤسسة العسكرية. أكد عبدربه أن فكرة "التدخل الخارجى فى شئون مصر" تسمح للعسكر للتقدم بقوة فى مساحة السيطرة على حساب الأطراف المدنية السياسة، خاصة بعد استقطاب بعض القوة السياسية – ولا سيما الدينية- فى دعم الفكرة والتخويف من التدخل الخارجى والتأكيد على فكرة "السيادة". أشار إلى أن استمرار التهديدات الداخلية متمثلة فى سلسلة الأزمات الاقتصادية ونقص المؤن والوقود واستمرار ارتفاع الأسعار وعدم تحسن الدخل وتحميل مسؤلية كل ذلك لبرلمان منتخب – ومنزوع أو ملتبس الصلاحيات- يؤدى فى النهاية إلى تدعيم موقف المؤسسة العسكرية فى الصراع والسيطرة على حساب الفواعل المدنية والسياسية. أكد أن القوات المسلحة هي أكثر الأطراف جاهزية الآن، خاصة لما تتمتع به من عقيدة راسخة، "عقيدة القوات المسلحة القائمة على الانضباط"، فضلا عن تماسكها الداخلي، والموارد المتاحة لها، بما يجعل المحددات الداخلية والخارجية تلعب جميعا عاملاً مدعماً بل للمؤسسة العسكرية فى لعب دور أكبر فى الحياة السياسية فى مواجهة الفواعل المدنية والسياسية- وخاصة فى ظل تشرذم معظمها واستقطابها اقصى اليمين وأقصى اليسار. أوضحت الورقة البحثية، التي قدمها عبدربه، أن مصر على شفا تحولين كبيرين لايصبان ابداً فى مصلحتها، الأول تلوح فى الأفق وبشدة بوادر انقلاب عسكرى ناعم على السلطة قد يأخذ شكلاً صريحاً أو مستتراً بقناع مدنى بعد حل المؤسسات المنخبة، أما الثانى فهو الدخول فى صراع أهلى قد يتحول إلى عودة العنف السياسى وبشدة من جانب التيار الدينى تحديداً وهو ماقد يدخل البلاد فى حالة شديدة من الارتباك. أوصت الدراسة لتجنب هذا الوضع المزرى بضرورة وضع حدود فاصلة بين المجتمع المدنى وبين القوى السياسية، بحيث تظل قوى المجتمع المدنى بعيدة عن اللعبة السياسية الحالية الخطرة، فى مقابل دعم القوى السياسية للمجتمع المدنى فى مواجهة أى محاولات التشويه من قبل الحكومة والمجلس العسكرى، فضلا عن ضرورة وضع حد أدنى من التوافق بين القوى السياسية، ولعل موضوع تشكيل اللجنة التاسيسية لوضع الدستور يشكل مناسبة ملائمة لتأكيد هذا التوافق. وعلى القوى السياسية وأحزاب الأغلبية أن تعطل بداية عمل اللجنة التأسيسية لفترة زمنية معينة للبحث عن صيغة أخرى للتوافق بين التيارات السياسية والمدنية والأكادمين والمتخصصين ولانبالغ إذ قلنا أن هذه الخطوة هى السبيل الوحيد لتجنب السيناريو السابق. طالب التيارات الإسلامية بالمزيد من التقارب مع القوى الليبرالية والمدنية وليس بمزيد من التفاهمات مع العسكرى، فالأخير لديه تخوفات وتحفظات حقيقية على طبيعة الجمهورية ويخشى عليها من مفهوم "الإمارة"، وتقاربه مع "الإسلامى" هو تكتيك مؤقت لا حل دائم، كما طالبها بضرورة دعم مرشح محسوب على "الوسط" وليس على أقصى اليمين- كما فى حالة المرشح حازم أبو اسماعيل- فمصر ليست جاهزة بعد لرئيس ملتحى، قد يتسبب فى تغير عقيدة مؤسسات سيادية كالجيش والشرطة وسيعجل بانقلاب عسكرى هادئ على السلطة، وهو أمر يجب أن يفطن إليه الإسلاميون دون أن تغبطهم غمرة سعادة "التمكين" فيخسر الجميع فى اللعبة. والأمر نفسه ينطبق على جماعة الإخوان المسلمين والتى عليها أن تتوقف عن اجراءات الدفع بمرشح من داخلها كما وعدت لإعطاء فرصة حقيقية لتمثيل سياسى لجميع التيارات حتى يحرص الجميع على نجاح الدولة المدنية ويتوحدوا فى مواجهة الفاعل العسكرى بدلاً من التشرذم الراهن والاستقطاب الحاد والذى يصب فى نهاية المطاف لصالح الفاعل العسكرى