بعد عقد كامل من فاجعة11 سبتمبر اعتاد كثير من الناس القول بأن كل شىء قد تغير غير ان صدمة ذلك اليوم الذى قتل فيه نحو ثلاثة الاف شخص مازالت تتردد اصداؤها بين جنبات الولاياتالمتحدة والعالم فيما تستمر تداعياتها فى عالم السياسة والقانون والكثير من اوجه الحياة ومجالاتها الأخرى وهنا يحق التساؤل ماالذى تغير حقا وماالذى لم يتغير وخاصة فى القانون والحريات والأمن وهل انتهى ذلك التناقض المصطنع فى ظل هذه الفاجعة بين حكم القانون و ضرورات الأمن؟. الكثير تغير بالفعل فى العالم منذ 11 سبتمبر 2001 والهجمات على نيويورك وواشنطن فالولاياتالمتحدة غزت دولتين هما افغانستان والعراق ومضت قدما فى اهتمام غير مسبوق بأجهزة الأمنية فى سياق حمى الشعور بعدم الآمان كما صدرت للعالم ازمة مالية واقتصادية حادة وخصصت 80 مليار دولار سنويا لما تسميه بمحاربة الارهاب بعيدا عن التكاليف الهائلة لقواتها فى افغانستان والعراق حسب تقديرات الأدميرال دينيس بلير المدير السابق لجهاز المخابرات الوطنية. وانتهى عقد مابعد فاجعة 11 سبتمبر 2001 و المنطقة العربية تشهد ثورات شعبية متوالية للاطاحة بأنظمة استبدادية خاصمت فكرة العدالة وسيادة القانون ووجدت فى الحالة الأمريكية التى ضاقت ذرعا بالضوابط القانونية مايتفق مع مصالحها فى انتهاك القانون وتغول اجهزتها الأمنية. ولعل احد اهم دروس العقد الأخير ان سيادة القانون بدت عرضة لهجمات وطعنات فى الفترة التى تلت مباشرة هجمات 11 سبتمبر على وجه الخصوص وتبين انها اخطر مما كان يعتقده الكثيرون فى هذا العالم فيما وقعت ادارة الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش فى خطأ التناقض المصطنع بين ضوابط القانون وضرورات الأمن معتبرة ان التقيد بالقوانين يحول دون ان تنعم الولاياتالمتحدة بالأمن . وستبقى السجون السرية وعمليات القتل والاعتقال خارج نطاق القانون والابتعاد عن القضاء الطبيعى واستشراء التعذيب والتنكيل بالمعتقلين صفحة سوداء فى عقد مابعد فاجعة 11 سبتمبر . فقد توالت فضائح التعذيب وتحول معتقل جوانتنامو الامريكى فى كوبا الى رمز لزمن التعذيب وثقافة القهر وبرزت اسماء فى حقبة مابعد 11 سبتمبر مثل دافيد ادينجتون الذى اتهم بأنه انه الرجل الذى يقف وراء التعذيب فى ادارة الرئيس جورج بوش كما اكد جاك جولد سميث فى كتابه "رئاسة الارهاب: القانون والقضاء فى ادارة بوش". و دافيد ادينجتون الذى كان مستشارا قانونيا لنائب الرئيس الأمريكى السابق ديك تشينى خلال الفترة بين عامى 2001 و2005 ثم انتقل للعمل كرئيس لهيئة العاملين مع نائب الرئيس هو ذاته صاحب الصوت القوى والمؤثر بشدة فى الاجتماعات التى عقدت وراء الأبواب المغلقة حيث قام بمساندة تشينى بصياغة استراتيجية الادارة حيال ماسمى بالحرب على الارهاب وخاصة فيما يتعلق بأكثر مفاهيمها عدوانية وتوسعا فى استخدام الصلاحيات التنفيذية. وهذا الرجل الذى وصف " برجل تشينى" لديه خبرات تراكمت على مدى 20 عاما فى مجال الأمن القومى وعمل كمحام ومستشار قانونى لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية "سى آى ايه" ووزير الدفاع فضلا عن لجنتين بالكونجرس معنيتين بقضايا المخابرات والشؤون الخارجية. ولم يكن من قبيل المبالغة وصف دافيد ادينجتون بأنه رجل خارق للعادة فى مجال عمله ثم انه لايكل ولايمل مع عقل نابه والمعية لاتخطئها العين فى عالم السياسة الأمريكية بل ان ريتشارد شيفرين وكيل ادارة الشؤون القانونية للاستخبارات بوزارة الدفاع "البنتاجون" حتى عام 2003 وصف ادينجتون بأنه "قوة لاتقاوم ولاسبيل لردها".. ومع ذلك فان اغلب الأمريكيين لم يسمعوه ابدا وهو يتحدث او ينبس ببنت شفة!. هذا المزيج من الصمت والابتعاد عن الأضواء والقوة المخيفة وراء الكواليس جعل من ادينجتون رمزا مناسبا لادارة بوش فيما يتعلق بتوجهها العام حيال مايعرف بالأمن القومى..فالعديد من اكثر السياسات المثيرة للجدل تبنتها هذه الادارة سرا بتوجيهات دافيد ادينجتون. وكثيرا ماحدث ذلك دون تدخل من مكونات اخرى للسلطة التنفيذية ناهيك عن مكونات الافرع الاخرى لنظام الحكم فى الولاياتالمتحدة بسلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية فضلا عن السلطة الرابعة ممثلة فى الصحافة ووسائل الاعلام وتلك مسألة خطيرة فى دولة كالولاياتالمتحدة يعتمد نظامها الدستورى على توازن السلطات . وهذه السياسات المثيرة للجدل تضمنت مسائل مخيفة مثل اختفاء المعتقلين فى السجون السرية لوكالة المخابرات المركزية الامريكية "سى آى ايه" واستخدام التعذيب لانتزاع المعلومات وتسليم المشتبه فيهم لدول عرفت بانتهاج ممارسات التعذيب والتنصت على المكالمات الهاتفية للمواطنين الأمريكيين دون الحصول على اذن قانونى من القاضى المختص. وعندما بدأ الشعب الأمريكى يعرف طرفا من هذه السياسات بفضل تسريبات من جانب مجهولين داخل ادارة بوش للصحافة واصلت هذه الادارة التذرع بعوامل السرية للحيلولة دون محاسبة هؤلاء الذين انتهكوا القانون...تلك قضية خطيرة وتشكل هما للانسانية كلها وفى كثير من الدول ستجد الشهادت والكتب تتوالى حتى الأن عن التعذيب فى مراحل مختلفة وافلات مرتكبى جرائم التعذيب من العقاب فى أغلب الأحوال ورغم وجود نصوص قانونية تقضى بمعاقبة مرتكبى هذه الجرائم التى لاتسقط بالتقادم!. وواقع الحال ان الاستبداد وان بدا متعدد المراحل والرؤوس فالجوهر واحد فى اى مكان بين اربعة اركان المعمورة واذا كان المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادى القضاه السابق قد ندد بغياب سيادة القانون فى ظل نظام الحكم السابق فان هذا القانونى المصرى الكبير تؤرقه ظاهرة "ترزية القوانين" وهى الظاهرة التى تؤرق رجال العدالة فى امريكا ايضا حتى ان قانونيا امريكيا بارزا مثل جاك جولد سميث تناولها باسهاب فى كتابه "رئاسة الارهاب". وقال المستشار زكريا عبد العزيز فى مؤتمر عقد بالقاهرة تحت عنوان :"سيادة القانون واستقلال القضاء" :عندما تصدر القوانين كلما صادفت المسؤول مشكلة يضيع المبدأ القانونى القائم على ان "القاعدة القانونية عامة ومجردة" معتبرا انه :"فى هذه الحالة فان من يقومون بصياغة نصوص القوانين هم مجرد "ترزية"!. وخطورة ظاهرة "ترزية القوانين" كما تناولها جاك جولد سميث فى كتابه انها "تقنن التعذيب" لخدمة اغراض حكومة او ادارة لاتعنيها الشرعية كثيرا لكن الغريب حقا ان يستمر التعذيب فى القرن الواحد والعشرين وفى بلد مثل الولاياتالمتحدة يوصف بأنه نموذج الديمقراطية ومابعد الحداثة!. وفى كتابه "لله والوطن..الدين والوطنية تحت النار" تحدث المؤلف جيمس يى عن التجربة المريرة لمعتقلى جوانتنامو. والكابتن جيمس يى خريج اكاديمية وست بوينت العسكرية الأمريكية عام 1990 وهو ضابط امريكى مسلم وشاهد على عذابات معتقلى جوانتنامو بعد ان اختير بحكم ديانته كواعظ فى معتقل "كامب دلتا" الذى خصص لمن وصفوا بأنهم من الارهابيين المنتمين لتنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية المتشددة.