"الصناعة" هي كلمة السر في تقدم مختلف الاقتصاديات فهي التي تولد الYنتاج للسوق وتوفر فرص العمل للأفراد، وتصنع "الماركات" العالمية التي تنهض بأسماء دول كاملة. عانت الصناعة في مصر من تجاهل ومشاكل عديدة علي مدار الفترة الماضية ولكنها تعافت بعض الشيء بعد التغلب علي بعض مشاكلها، وعلي الرغم من ذلك إلا أنها ما تزال بحاجة إلي محفزات جديدة تأتي في صورة تيسيرات في المنظومة الإدارية ذات العناية بالنشاط الصناعي وتسهيلات في عملية التمويل، وكذا دعم فني علي مستوي العمالة والدراسات المالية والتسويقية. هذا الأمر دفع الحكومة الى إطلاق عدد من المبادرات من ضمنها مبادرة البنك المركزي لإعادة تشغيل المصانع المتعثرة وما لبثت هذه المبادرة إلا أن أطلقت مبادرة جديدة تحت أسم "مبادرة الألف مصنع" والتي تستهدف إنشاء ألف مصنع جديد في منطقة القاهرة الجديدة. الخبراء وأصحاب التخصص وضعوا تسأل مباشر حول كيفية إطلاق الحكومة للمبادرة الثانية والمبادرة الأولي التي أطلقها المركزي لم تفعل بعد، وهل ستستطيع الحكومة السير في الاتجاهين معا أم سيصبح المبادرتان عضو في فريق "المبادرات الإعلامية" التي أطلقتها الحكومات السابقة علي مدار عقود مضت؟؟ المشروع في أرقام 1000 مصنع بمنطقة التجمع الثالث في القاهرة 100 مليار جنيه إستثمارات جديدة مستهدفة 250 الف إجمالي عدد المستفيدين من المشروعات 50 ألف فرصة عمل جديدة 4% نسبة القروض المتاحة عبر البنك الأهلي والصندوق الإجتماعي للمشروعات الصناعية الألف مصنع ..مشروع قومي : أكدت الدكتورة عبلة عبد اللطيف رئيس المجلس الإستشاري للتنمية الإقتصادية ، أن مشروع إنشاء الألف مصنع بمنطقة التجمع الثالث بالقاهرة يعد أحد المشروعات القومية التي أطلقتها الدولة وسيساهم في خلق تجمعات صناعية جديدة بصورة مجمعة بما يسهل عمليات نقل بعض السلع التكميلية بين تلك المصانع. وأشارت إلى أن دراسات المشروع أفادت بأنه سيتيح نحو 50 ألف فرصة عمل جديدة ، موضحة أن المشروع يتسق مع خطط الدولة لإعادة تشغيل المصانع المتعثرة وأن هناك إتفاق مع البنك الأهلي المصري والصندوق الاجتماعى للتنمية لتدبير التمويلات التي ستحتاجها المشروعات الصناعية التي سيتم إقامتها بالمنطقة . وأضافت أن هذه التمويلات مفتوحة للبنك والصندوق ، مشيرة الى أن الفائدة 4% علي قروض المشروعات الصناعية و5.5 % فائدة علي المشروعات الغير صناعية، موضحة أنه سيتم ايضًا تقديم قروض للمؤسسات الغير رسمية بنسبة فائدة 7% وإعطاءهم فترة سماح 3 سنوات لتوفيق أوضاعهم والإنتقال الي مؤسسات رسمية . إستراتيجية إستثمارية : ومن ناحيته أكد اللواء فتحي غنيم رئيس جمعية مصنعي مصر الجديدة ، أن إجمالي الإستثمارات المستهدف إستقطابها ضمن مشروع إنشاء وتشغيل نحو ألف مصنع تقدر بنحو 100 مليار جنيه ، لافتا إلى أن هناك نحو 200 مصنع جاهزين للتشغيل والعمل باستثمارات تصل إلى 20 مليار جنيه. وأوضح أن منطقة القاهرة الجديدة المقام عليها المشروع تتضمن أكثر من 1600 مصنع وليس 1000 مصنع فقط ، منوها أن أنشطة المصانع المتواجدة بالمنطقة ترتكز في العديد من القطاعات مثل مواد البناء والمنتجات الكهربية والأخشاب وصناعات أساسية مثل عدادات المياه، ورخام، وخرسانة، وغيرها من الأنشطة المختلفة. وأشار إلى أن أبرز التحديات التي تواجه إستكمال المشروع حاليا تتضمن مشكلات البنية التحتية وعدم إمداد المصانع بالكهرباء والمرافق والصرف الصحي ، مطالبا الحكومة بضرورة التدخل لإيجاد حلول حاسمة لتنفيذ المشروع بإعتبار كونه أحد المشروعات القومية التي تتبناها الدولة في الفترة الراهنة. إنتقادات للمشروع : إنتقد المهندس حسين صبور توجه الحكومة لإنشاء مصانع جديدة بدلا من أن تتخذ أية خطوات حاسمة لإنقاذ المصانع المتعثرة والتي تجاوز أعدادها نحو 4000 مصنع وفقا للإحصائيات غير الرسمية . وأشار إلى مناطق القاهرة الجديدة غير مناسبة لإنشاء أية تجمعات صناعية بها نظرا لطيعتها ككونها منطقة سكنية راقية ، مضيفا ان تكلفة إنشاء المصانع الجديدة ستكون باهظة مقارنة بالسيولة المالية التي تحتاجها المصانع المتعثرة حتى تتمكن من تجاوز عثراتها خلال الفترة المقبلة . واتفق معه المهندس فؤاد ثابت رئيس اتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية ، مؤكدا أن مشروع الألف مصنع مشروع وهمي ولن يتجاوز كونه إستهلاك سياسي للحكومة دون أية آليات تنفيذية على أرض الواقع . وأضاف أن توقيت تنفيذ المشروع غير مناسب خاصة في ظل المعوقات التي تنتشر قي بيئة الاستثمار في مصر وتجعلها غير مناسبة للمستثمرين المحليين والأجانب ، موضحا أنه كان من الأجدر على الدولة بأن تتوجه بدراسة الأسباب الحقيقية لتعثر المصانع والتي يتزايد أعدادها بشكل يومي . فيما أكد خالد أبو المكارم رئيس شعبة البلاستيك بغرفة الصناعات الكيماوية باتحاد الصناعات ، أن هناك صعوبة لإتمام مشروع الألف مصنع خلال الفترة الوجيزة المقبلة ، متوقعا أن تستحوذ المشروعات الصغيرة والمتوسطة على النصيب الأكبر من المشروعات المزمع إقامتها بالمنطقة . وأشار إلي أن المشروع لم يتم الترويج له بشكل كبير خاصة في ظل الطلب المتنامي علي الأراضي الصناعية الموجودة لدي هيئة التنمية الصناعية ،مطالبا بضرورة إستغلال التزايد المستمر في معدلات الطلب على الأراضي الصناعية . وطالب أبو المكارم الحكومة بضرورة ربط خطوات تنفيذ المشروع بالمبادرة الأخيرة للبنك المركزي لتشغيل المصانع المتعثرة ، مشيرا إلى أن المشروع من الممكن أن يتحول لمشروع قومي للقضاء على البطالة والنهوض بالصناعة المصرية . المصانع المتعثرة : ومن ناحيته أكد د. وليد هلال رئيس المجلس التصديري للكيماويات والأسمدة أن مشروع الألف مصنع يعد نواة لإعادة تشغيل المصانع المتعثرة ، حيث يشجع البنوك على مساعدة المصانع المتعثرة للخروج من أزماتها ، خاصة وأن 99% من أسباب تعثر المصانع والمؤسسات أسباب تمويلية . وأشار إلى أن مشروع إنشاء الألف مصنع يعد نموذجا للتعاون الجيد بين الحكومة والقطاع الخاص والقطاع المصرفي لتنمية الصناعة الوطنية خلال الفترة المقبلة ، لافتا إلى أن الحكومة جادة لتنفيذ المشروع خلال الفترة المقبلة . ورحب هلال بتزامن إطلاق المشروع مع مبادرة البنك المركزي لإنقاذ المصانع المتعثرة ، مشيرا إلى أنه في حالة الإلتزام بتنفيذ المبادرة ، وكذلك تنفيذ مشروع الألف مصنع ، ستتمكن الحكومة من تحقيق المعادلة الصعبة في تشغيل المصانع المتعثرة وإنشاء عدد من المشروعات الإستثمارية الجديد. وشدد هلال على ضرورة تدعيم العلاقة بين المجتمع الصناعي مع الجهاز المصرفي لتوفير عنصر التمويل لضمان إستمرار المشروعات الإستثمارية التي تنفذها الدولة . 3 شروط لنجاح مبادرة "المركزي" في إنقاذ المصانع المتعثرة حددت مبادرة البنك المركزي 3 عوامل رئيسية لضمان تفعيل ونجاح المبادرة وهي ضرورة ضمان جدية المصانع المتعثرة ، وكذلك أهمية معالجة المشاكل التى أدت إلى التعثر ، فضلا عن ضرورة ألا تكون هناك مشاكل بين المتعثرين وجهات أخرى من ضرائب وتأمينات وغيرها. القوائم السلبية للبنوك : المهندس محمد السويدى رئيس اتحاد الصناعات المصرية ، أكد أن أهمية مبادرة البنك المركزي تكمن في قدرتها على دعم المصانع المتعثرة للخروج من أزماتها شريطة تقديم المصانع لدراسات جدوى واضحة، وتقديم بيانات واضحة لطريقة تنميتها . وأشار إلى أن أبرز الإيجابيات التي تضمنتها المبادرة هو رفعها المصانع المتعثرة من القوائم السلبية للبنوك وإتاحتها الفرصة لفتح مصانع جديدة ، لافتا إلى أن المبادرة جاءت نتيجة للاجتماعات المستمرة بين اتحاد الصناعات والبنك المركزى لمساندة تلك المصانع والتى عانت خلال فترة الثورة من الضغوط. وأوضح السويدي أنه لا توجد أية تعارض في توجه الدولة لإنشاء ألف مصنع جديد ، وكذلك إطلاق مبادرة البنك المركزي لحل مشكلات المصانع المتعثرة ، معتبرا كلا المشروعين بالخطوات الرئيسية للنهوض بالصناعة الوطنية خلال الفترة المقبلة . وشدد السويدي على وجود تنسيق تام بين اتحاد الصناعات ومجلس التنمية الإقتصادية لإستكمال ترفيق مشروع الألف مصنع وتوفير برامج التدريب والتعليم الفني للمشروعات والمصانع المقرر تواجدها بالمشروع خلال الفترة المقبلة . المشروعات القومية : ومن ناحيته أكد جمال الجارحي رئيس غرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات ، أن مبادرات البنك المركزي ومشروع الألف مصنع سيساهمان في حل مشكلات تعثر لما يقرب من 1700 مصنع خلال الفترة المقبلة ، لافتا إلى أن توقيت تلك المبادرات مناسب في ظل حزمة المشروعات العملاقة التي تنفذها الدولة حالياً . وأشار إلى أن كلا المبادرتين ستتيح نحو 500 ألف فرصة عمل جديدة خلال الفترة المقبلة ، مشددا على أن نجاح مبادرة البنوك يتوقف على مدى مرونتها في التعامل مع عملائها من المصانع المتعثرة . وأوضح أن 80% من المصانع كثيفة الإستهلاك للطاقة تعاني من مخاطر التعثر باستمرار خلال الفترة الحالية نتيجة الإنقطاعات المستمرة في إمدادات الغاز لها . إلتزام البنوك بتعليمات المركزي : قال محمد البهي رئيس لجنة الضرائب باتحاد الصناعات ان مبادرة البنك المركزي تعد بمثابة إعادة إحياء للمصانع المتعثرة شريطة إلتزام البنوك بتنفيذ التعليمات المباشرة التي اطلقها محافظ البنك المركزي بحل مشاكل تلك المصانع والتي تعد من أكبر المشاكل التي تؤثر علي الاقتصاد المصري . وأضاف أن مبادرة البنك المركزى المصري تعد الأولى من نوعها فى القطاع المالي حيث ستساهم في تفعيل الإقراض وفقا لآليات تعتمد بشكل كبير على التدفقات النقدية المستقبلية لتغطية خدمة الدين لتلك الشركات والمصانع المتعثرة دون اللجوء إلى إتباع نفس الطرق السابقة التى كانت تعتمد على ضمانات والحجز على العقارات والودائع لدى المقترضين خاصة وأنه في حالة النظام القديم كان يمكن لتلك المصانع تسييل الممتلكات وليس الاعتماد علي البنوك . ولفت إلي ان المبادرة تتيح آليه لمتابعة التطبيق علي أرض الواقع بشكل دوري وذلك عقب دراسة الحالات القابلة للتعويم ، مضيفا أنه سيتم دراسة موقف كل شركة أومصنع على حدة دون تعميم تطبيقها على الجميع، موضحا أن تطبيق المبادرة عودة للطريق الصحيح مرة ثانية طبقا للنظم والأطر العالمية المتبعة فى الدول المتقدمة بقطاع الصناعة. وطالب البهي بإلغاء القوائم السلبية للشركات ودراسة الحلات بشكل فردي خاصة وأنه بشكل إجمالي لم يهرب أي صاحب مصنع متعثر بأموال البنوك للخارج ، خاصة وأنه الأكثر تضررا لتوقف مشروعه مع وضعه السيولة التي لديه في شراء الأراضي والبنية التحتية . وأشار إلي أن إعادة تلك المصانع إلي منظومة العمل والإنتاج تعني عودة نحو 2 مليون عامل الي القطاع الصناعي بما يقضي علي ثلث حجم البطالة ، موضحا أن التعثر حدث خارجا عن إرادة أصحاب المصانع بعد الثورة بما حدث من إنفلات أمني وتوقف حركة البضائع مما ادي الي تراجع المبيعات بما أضطرهم الي بيع أملاكهم الخاصة . ونوه البهي إلي أن مبادرات الحكومة سابقا لحل مشاكل المصانع المتعثرة كانت غير قابلة للتن فيذ علي أرض الواقع خاصة مبادرة تخصيص 500 مليون جنيه ، التي كانت تعتبر مبادرات بدون آليات التفعيل في ظل استمرار القوائم السلبية ورفض البنوك اقراض المصانع لسابق تعثرها بالاضافة الي أن الوزارة ليست جهة مانحة للقروض وكأننا نسير في دائرة مغلقة بدون تحقيق نتائج . ولفت إلي أن لجنة التعاون العربي باتحاد الصناعات قامت بالاتفاق مع أحد مكاتب الاستشارات الدولية لتقييم أصول المصانع ودراسة كل الحالات من أجل الترويج لها في اللقاءات الثنائية التي تتم بين اتحاد الصناعات ونظيره في الدول العربية أو مجتمع الأعمال بتلك الدول مثلما حدث مع الوفد العراقي الذي زار مصر مؤخرا وتم توقيع بروتوكول تعاون نسعي الي تفعيله لاحداث شراكات بين رجال الأعمال العراقيين والمصانع المصرية المتعثرة. غياب الرؤية : فيما يرى محمد المرشدي رئيس جمعية مستثمري العبور ، عدم وجود أية جدوى لمبادرة البنك المركزي الأخيرة ، مشيرا إلى أن كافة المبادرات الأخيرة التي أطلقتها الدولة تفتقد للرؤى التنفيذية الواضحة . وأوضح أن مشكلات الصناعة واضحة لاتحتاج لمزيد من الأبحاث والدراسات ولكنها بحاجة إلى وزراء أصحاب قرار يخدمون الصالح العام ، لافتا إلى أن ذلك لن يتأتى إلا بوجود إرادة سياسية قوية واتخاذ إجراءات سليمة وصارمة تحل مشاكل المصانع المتعثرة. كما إنتقد عدم إشراك المجتمع الصناعي في المشروعات الجديدة التي تعتزم الدولة تنفيذها خاصة مشروع إنشاء الألف مصنع ، مشيرا إلى ضرورة أن تلتزم الدولة بوضع وتنفيذ خريطة صناعية وإستثمارية واحدة في كافة محافظات الجمهورية وليس التوجه للإعلان عن مشروعات ضخمة دون التأكد من جدواها الإقتصادية من عدمه .