في تعليق ساخر لإعلان منشور على إحدى المواقع العراقية لنشر الإعلانات والتعيينات جاء فيه : ( نسى ناشر الإعلان أن يقول وأن تكون كلتا رجليه يمنى ، ويجيد خمسة لغات ، ويمتلك ثلاث شهادات دكتوراه ) .. من هذه المقدمة أود التذكير بكثير من الشروط المطلوبة من أصحاب المحلات والمكاتب والشركات لغرض التعيين ومنها على سبيل المثال : أن يكون المتقدم للتعيين حاصلاً على شهادة بكلوريوس وبخبرة لا تقل عن ثلاث سنوات ، ويجيد اللغة الانكليزية ، ويمتلك سيارة شخصية ، ومن سكنة المنطقة حصراً ، ولا يزيد العمر عن 25 سنة ، والدوام من الساعة التاسعة لغاية الرابعة عصراً ، والراتب يحدد بعد المقابلة ( للعلم لاتزيد الرواتب عن 300 ألف دينار ) ! كلنا نعرف أن خريج الكلية لا يقلّ عمره عن ثلاث وعشرين سنة ؛ إن لم يكن أكثر بالنسبة لمن تأخر سنوات في دراسته ؛ فكيف يمتلك خبرة ثلاث سنوات في مجال عمله ؟ وأن اغلب جماعتنا الخريجين لا يجيدون اللغة الانكليزية رغم دراستهم الممتدة لعشرين سنة ؛ كيف ولماذا ، ومن هو السبب ؛ لا أعلم ، ولكن ربما بسبب كراهية الكثيرين لهذه اللغة ولزميلتها الرياضيات حيث نجد أغلب طلبتنا الأعزاء لا يغادر أحدٌ منهم دراسته الاّ وقد رسب مرة أو مرتين ، أو اكثر في حياته بإحدى المادتين ، وقد يكون هذا أحد عوامل عدم ازدهار تجارة البلد ؛ لان التاجر بحاجة ماسة لاستخدام الرياضيات ، وفرص العمل تنعدم ربما لعدم المعرفة البسيطة باللغة الأنكليزية .. اقول ربما … وقد يكون السبب هو مدرس المادة الذي تم تعيينه وفق المحاصصة الحزبية والمنسوبية ، أو الدفع الدولاري !! وماذا نسمع ايضاً من بعض أصحاب الاعلانات بصدد الشروط المطلوبة من البنات : نفس الشروط أعلاه بزيادة طفيفة منها أن تكون مقبولة ، حسنة المظهر ، والعمل بنظام التناوب .. بين قوسين ( حلوة مچكنمة ) ولا يشترط أن تكون من سكنة المنطقة ! بالنسبة لشرط السيارة نقول : أنه كان بإمكان صاحبها تشغيلها على احد خطوط الجامعات ويكفيه ما يأتي من مردود مع استنشاق عطر صباحي لطيف مضافاً اليه ما يتحصّله لو شغّلها تاكسي بعض الوقت وكفاه الله شروط المعلنين ، والرزق على رب العباد أولاً ، وأخيراً . السؤال هنا : ان الكل يطلبون الخبرة ، ومن حقهم هذا لزيادة انتاجيتهم ، وثروتهم بلا تعب نفسي ومادي ، ولكن متى تأتي الخبرة ، ومن أين ، والجميع ينهني دراسته ويجلس يندب حظه مع أمه التي كانت تنتظر فرحة أملها عندما ترى إبنها ، أو ابنتها وقد انهوا دراستهم بعد صبر طويل وجهد أليم ، ونفقات يعلم الله كم كانت كثيرة وصعبة على أغلب الأسر المتعبة ؟ من أين تأتي الخبرة ولا أمل أو مجال مفتوح للشباب أن يجربوا حظهم ولو مرة حتى وإن تعاطف معهم اصحاب الشركات وأعطوهم مهلة زمنية ؛ ولنقل لا تتجاوز الشهر ودعمهم لإظهار طاقاتهم الخلاقة وأبداعاتهم المضمرة وليَعُدّوه أحد الشروط وهو ( العمل ) لمدة شهر تحت التجربة بنصف راتب علماً ان نصف وجبة غداء لبعض اصحاب الشركات أحياناً تكلف اكثر من الراتب الشهري لنصف عمال معمل ؛ وليجعلها ربُّ العمل هذه المرة ( ثواباً ) عن موتاه ، أو صدقة جارية طالما هناك من يؤمن بحب الخير ويعترف بوجود أجر وثواب في الآخرة !! قد يضحك البعض من هذا الكلام و يعده من مثاليات الأحلام ، فكم من أشخاص نعرفهم ؛ دخلوا واشتغلوا بدون سابق خبرة ؛ فقط أعتمدوا على خبرتهم النظرية وهم اليوم من الشخصيات المرموقة ، ومن حقنا ان نتساءل في ظل ديمقراطيتنا الجديدة : كم من مسؤول اليوم كان لا يملك خبرة ، وبدون سابق انذار دخل مجال عمله ولم يكن قد طُلب منه شرط الخبرة ، أو حتى امتلاكه السيارة الشخصية ، وكم من مقاول أصبح مليارديراً بلا شرط الخبرة ، أو الشهادة ، أو اللغة الأجنبية ! في سابق الزمان كان العمل تحت يد صاحب الخبرة ( الأسطى ) وهو الذي يتولّى تعليم عماله وصنّاعه ، وهو الذي يذهب الى الأهل ويطلب منهم ترك أبنهم معه ليعلمه ( صنعة ) اية صنعة كانت ؛ سواء في البناء ، او الحدادة ، او الخبازة ، او الخياطة ، وهي نفس المهن التي ما زالت الى الآن ؛ فيبدأ تحت يد المعلم الخياط بخياطة الأزرار ( الدگم ) تدرجاً الى الحافة ( الكفة ) الى ( الكوي ) الى تصليح و خياطة الملابس القديمة الى خياطة جزئية وكلية ، ومن ثم يتحول لتفصيل الموديلات ، الى ان يصبح خياطاً ماهراً لتتكرر دورة التعليم والخبرة على يديه الى آخرين ، وهكذا بقية المهن والحرف . نعم سابقاً كانت هناك قلّة أيدي عاملة ، أو كان عدد البشر أقل ، أو لم تدخل التكنلوجيا بعد ، لكننا الى الآن مازلنا نستورد الفلبينيين ، والبنغلاديشيين ، وغيرهم من شرق اسيا ، ونحن من نقوم بإكسابهم الخبرة ليذهبوا لاحقاً الى دول الخليج وغيرها محمّلين بخبرة وإن كانت خبرة الخدمة الفندقية أو ( التكة والكباب مثلاً ) لكنها خبرتنا التي أعطيناها ، فلماذا لا نسمح ونتنازل ولو قليلاً ، وتشغيل شبابنا بخبرتهم الفطرية لحين نضوج خبرة عملية حقيقية والعراقي معروف بطاقاته الخلاقة وابداعه اللا متناهي ؟ انه سؤال ورجاء وأمل من اصحاب البحث عن عمال ، وموظفين ، وموظفات أن يرحموا الشباب المتعب بتخفيف آلآمهم بدلاً من إضافة ألم جديد لهم وتقليل شروط التشغيل فلعل الله يُحدِثُ بعد ذلك يسراً …