لقد حثت كل الشرائع السماوية على إعلاء الإنسانية عبر التاريخ الإنساني ،وتلك قاعدة إسلامية انطلقت منها قيمة الإنسان وتعظيمه ، قال تعالى "ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" ومن قاعدة التكريم هذه تندرج معان لا تنفد أبدا ،وإذا كان المولى تبارك وتعالى قد كرم الإنسان بمعانٍ شتى ؛فيدخل فى ذلك التكريم احترام رأيه ، والاستماع إليه ومناقشته على أسس ومبادئ لا تخرج عن دائرة الحق والعدل ،فلا حيف ولا ظلم فى الاعتداء على الرأي بل لا مصادرة على رأى كل ذي عقل وفكر ، ويتأتى ذلك بالمناقشة والموضوعية لأن الإسلام يدعو إلى قبول الرأي الآخر واحترام الحق فى الاختلاف بأسلوب سلمى راق، وذلك يؤدى إلى الابتعاد عن كل أسباب العنف ،والفتنة والاختلاف. واجبنا تجاه الآخرين الله تعالى يقول "ولقد كرمنا بنى آدم"ولم يخص جنساً بعينه أو أمة بعينها ، أو أفراداً بعينهم ،فالتكريم يشمل الخلق جميعاً وواجبنا أن نستمع للآخر بكل عقل واتزان ، لا نهاجم ،ولا نصادر ،ولا نطغى ، لا جدال مفرط ، ولا نقاش مخل ،ولا هجوم بخلق العداوة والبغضاء ،ولا تجنٍ لمجرد إثبات الذات ، ولا إفراط لسحق الرأى الآخر لمجرد أنه يخالفنا ؛لننطلق من قاعدة أرختها القرون عندما قام عمر بن الخطاب خليفة رسول الله صلى خطيباً فقال : (لا تغالوا فى صدقات النساء )فما بلغني أن أحداً ساق أكثر مما ساقه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جعلت الفضل فى بيت المال ؛فاعترضنه امرأة من قريش ،قائلة: (ليس هذا لك يا أمير المؤمنين يعطينا الله وتمنعنا ،كتاب الله أحق أن يتبع )فقال الفاروق بكل تواضع وهو الذى أرسى قواعد العدل :"أصابت امرأة وأخطأ عمر"..لم يهاجم تلك المرأة ، ولم يصرخ فيها ،ولم يقل لها اسكتى "أنا عمر"لم يسفه رأيها ..لم يسحق فكرها لكونها امرأة :يا لعظمة فكر الفاروق وتواضعه وعدله ..امرأة تصيب ويخطئ خليفة المسلمين .ليكن ما أرساه الفاروق مبدأ نسير عليه فى الحوار مع الآخرين ،نأخذ به بعد مضى أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان .إن هذا لهو أدب احترام الرأى الآخر .بٌنى على التواضع من المتلقى ،وبنى على المساواة مع رجل أو امرأة ،وبنى على الفكر الصائب والرأى السديد حتى مع الاختلاف فلا إفراط ولا تفريط فى المناقشة مادام الهدف هو الوصول إلى ما يفيد ويصلح. **كاتب المقال عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالمنصورة وعضو الرابطة العالمية لخريجى الأزهر