يدور في أسرة الاستخبارات الاسرائيلية جدال شديد حول الحرب في قطاع غزة، بعد أكثر من أسبوع من وقف النار. في مركز الخلاف بين شعبة الاستخبارات العسكرية «أمان» و جهاز الامن العام «الشاباك» يوجد التفسير للأحداث التي أدت الى اندلاع الحرب. فهم ينقسمون في مسألة ما الذي خططت له حماس قبل أن تبدأ المواجهة العسكرية وهل نبع الاشتعال من خطوة محسوبة من جانبها أم كانت هذه نتيجة شبه صدفة. ف»الشاباك» يصف خطوات حماس كهجوم مخطط جداً قاده الذراع العسكري، بينما تؤمن «أمان» بأنه كانت هنا «آلية تصعيد»، كانت القيادة الغزية تفضل وقفها وبالتأكيد لم تتوقع نتائجها الشديدة. على سؤال واحد يتعلق بالحرب لا يوجد خلاف: فالجهازان مقتنعان بأن معلومات عملياتية بجودة عالية تم نقلها الى القوات المقاتلة في ظل الحرب هي التي سهلت ضرب العدو وأنقذت حياة الجنود. فالتعاون بين «أمان» و»الشاباك» وغيرهما من محافل الاستخبارات تم بشكل جيد وسريع، حيث أزيلت الحواجز البيروقراطية بين الأذرع المختلفة وتمتع كل المشاركين بقدرة وصول كاملة الى «الحمام» المشترك للمعلومات. الخلافات الاستخبارية التي طرحت بعضها أيضاً أمام اعضاء الكابنيت وأدت الى توترات شخصية بين كبار رجالات «أمان» و «الشاباك»، تتعلق بثلاثة مجالات مركزية: جودة المعلومات الاستخبارية التي كانت تحت تصرف اسرائيل عن المشروع الضخم لحماس في مجال الانفاق الهجومية، تحليل نوايا المنظمة في الخروج الى الحرب والتقديرات بشأن مدى تصميمها على مواصلة القتال على مدى خمسين يوما من المواجهة. في المجال الاول يبدو أن «امان» مغطاة وسيكون من الصعب طرح شكاوى مسنودة ضدها. اما في المسألتين الاخريين فالوضع اكثر تعقيدا ويطرح انتقاد من كبار الوزراء على سلوك الاستخبارات. الأنفاق في الأسبوع الأول من الحرب، لم يذكر خطر الانفاق الهجومية تقريباً في اسرائيل. وركز البحث الاعلامي كله على نار الصواريخ من القطاع. في 15 تموز/يوليو الماضي وافقت اسرائيل على قبول وقف النار الذي اقترحته مصر، رغم علمها بوجود أكثر من 30 نفق هجومي، بين الثلث والنصف منها (هنا ايضا يوجد فجوة بين تقديرات «امان» و «الشاباك») حُفرت تحت الجدار واجتازت نحو الاراضي الاسرائيلية. أما حماس فرفضت الاقتراح المصري وبعد يومين اطلقت 13 مقاتلاً من قوتها المختارة «النخبة» عبر نفق هجومي قرب كيبوتس صوفا. وقد لوحظوا لدى خروجهم من الفوهة وقصفوا من الجو. وهكذا فقط تسلل الى الوعي كامل الخطر الكامن في الانفاق. وفي ذات الليلة صادق الكابنيت على العملية البرية في القطاع والتي ركزت على تدمير 32 نفقا هجوميا في مدى حتى 3كم عن الحدود. واصطدم القتال نفسه بمقاومة فلسطينية شديدة وقتل فيه 65 ضابطاً وجندياً. وفي عدة حالات تسلل رجال حماس في الأنفاق الى أراضي اسرائيل في الوقت الذي كان الجيش الاسرائيلي يبحث عن الفوهات في الجانب الغزي من الجدار. وفي ثلاثة اشتباكات معهم قتل 11 جندي. كان ل»امان» و»الشاباك» معلومات كثيرة ومفصلة عن الانفاق، فمنذ بداية 2013، وزع على رئيس الوزراء، وزير الدفاع ورؤساء أذرع الامن تقرير شهري موسع وفيه استعراض عن كل الانفاق الهجومية المعروفة ومسار كل واحد منها. وعندما بدأت الحرب كان الجيش يعرف بتفصيل نسبي عن الانفاق التي كان يوشك على معالجتها. وقد طرح خطر الانفاق للنقاش عدة مرات لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي عين فريقا برئاسة مستشار الامن القومي في حينه يعقوب عميدرور لمعالجة ذلك. ولكن يبدو أن ما فعله هذا الفريق لم يكن كثيرا وإن لم يبلغ عنه. ولكن توجد نقطتا ضعف في قضية الانفاق. الاولى تتعلق بترجمة المعلومات الى خطط عملية. وكان وزير الدفاع يعلون، رئيس الأركان غانتس، قائد المنطقة الجنوبية ترجمان وكبار رجالات «أمان» حذروا من خطر الانفاق بل والتقط لبعضهم صور وهم يزورون نفقا كشفت فتحته في الاراضي الاسرائيلية. ولكنه لم تكن خطة عملياتية شاملة وجدية لتدمير الانفاق. وعندما دخلت القوات اخيرا الى القطاع، اكتشفت فجوات في العتاد، في التدريب وفي عقيدة القتال لمعالجة الانفاق. واضطر الجيش الاسرائيلي الى الاستعانة بشركات مدنية ودمر الانفاق باعمال ارتجالية مجردة. ومن هنا، مثلا، نبع توقع يعلون المتسرع في انه مطلوب فقط يومان – ثلاثة لتدميرها (عملياً استغرق هذا نحو اسبوعين ونصف). ولما كان هذا خطراً واضحاً وفورياً، فقد كان للاستخبارات ايضا واجب للحرص على الاستعداد المناسب له. فلا يكفي نشر كل المعلومات وذكر الانفاق، الى جانب عشرة مخاطر اخرى، في الخطاب السنوي في مؤتمر هرتسيليا. نقطة الضعف الثانية تتعلق بالصلة بين الاستخبارات والقيادة السياسية. فلا شك أن نتنياهو ويعلون كانا يعرفان بكل التفاصيل، ولكن وزراء الكابنيت بقوا في الظلام. وقبل بضعة ايام من اندلاع الحرب فقط جرى نقاش جدي أول في مسألة الانفاق واكتشف بعض الوزراء بان حماس حفرت أكثر من 30 نفقا على مقربة من الجدار. وفي الجيش يعترفون بانه «يحتمل الا تكون المعلومات اجتازت حافة وعي الكابنيت في ضوء جملة المسائل الامنية التي يعنى بها اعضاؤه. **هآرتس – 5/9/2014