خلف الألوان تكمن الحكاية. المجموعة القصصية التي سنتناولها في هذا المقال بعنوان ألوان باهتة للقاصة فاتحة أحمد يشّو, و الباهت على خلاف الشّفاف , لا يُظهر الأشياء واضحة . ألوان باهتة عنوان مميز,ذلك لأن القصص التي وضعتها القاصة بين أيدينا تحكي عماّ يحدث خلف جدران البيوت , لا يعرفه سوى أصحابه . نزلت بعدستها الفنية إلى قلب مجتمعها المحلّي .لتقوم بتعرية الواقع . تقترب من عوالم المرأة المغربية , لتكشف عن معاناة المرأة من التهميش و الظلم , ومن سلطة المجتمع الذكوري الذي ينتصر للرجل في أغلب الأحوال . أغلب بطلاتها فتيات جميلات عصفت بهن رياح الأقدار ليجدن أنفسهن بين أحضان الرذيلة , بسبب القهر الذي يمارس ضدهن سواء من طرف الأهل أومن قبل المجتمع ككل . القارئ لهذه المجموعة القصصية يجد نفسه أمام رحلة سردية متنوعة الأحداث , تتقاطع في الهدف و المضمون .تتحرك القاصة في فضاءات باهتة , و تفتح الأبواب مشرعة أمام القارئ ليستخلص العبر من هذا الواقع الأليم . ميلودة إحدى بطلات القاصة يبيعها والدها في سوق العذارى . الزيجة التي اختارها لها كانت مدبرة من طرف عصابة تتاجر بأعراض الفتيات , و لأن هذا الأب كان جشعا طماعا أغراه العرض المادي .لكن الصفقة لم تكتمل بسلام .يختفي الزوج بعد أسبوع من زواجه بالفتاة , و تكتشف أن عقدها لا يوجد في السجل المدني . تسير ميلودة في طريق شائك بحثا عن المجرم الذي قتل آدميتها وسرق شبابها . و لتصل إليه كان عليها أن تتجه إلى الحانات الليلية و بيوت الدعارة . الواقع الأليم يفقد الإنسان معنى الحياة . أمنية في قصة دموع حارقة قررت أن لا تزوج إلا من رجل يختاره قلبها , و تعيش معه قصة حبّ سامية . لكن أحلامها تتحطم على صخرة الواقع المزيف , و الحب الذي كانت تراه سيحقق لها السعادة في حياتها , كان سببا في تعاستها . لأن الرجل الذي اختاره قلبها كان يمثل عليها الحبّ . يدعي أنه يبادلها نفس المشاعر , و بعد الزواج تكتشف أنه عبارة عن زير نساء , و لم يعرف الحبّ في حياته .. الحرمان من الحبّ ومن الحنان يدفع ب أمي عيشة إلى الانغماس في عالم الرذيلة . كان والد عيشة يشعر بأنها هي و أخواتها يشكلن عبئا عليه . زوّجها من رجل أهملها منذ ارتباطه بها ,كان يقضي أغلب وقته في السفر إلى أوربا . فتتعلق بأخيه الذي كان يعطف عليها , وتتطور العلاقة بينهما إلى حبّ . يقعان في الخطيئة .تجد نفسها قد حملت منه , تهرب من بيت زوجها . ومن ثم تبدأ معاناة أخرى في رحلة عيشة , التي وجدت نفسها بدون مأوى و بدون دخل يكفيها شر السؤال . و المرأة إذا اتجهت إلى الشارع فلن تجد غير الذئاب البشرية التي لا ترحم .. القاصة قدمت لنا نموذجا عن ضحيات التكنولوجيا اللواتي يتعاملن معها عن جهل ولأول مرة . كريمة تعيش حياة هادئة مع زوجها , لم تر من زوجها مكروها على الإطلاق . لكن الروتين الذي تعيشه جعلها تشعر بالملل خاصة و أن زوجها يقضي كثيرا من الوقت في العمل . فقررت أن تربط صداقات عبر الفايس مع إناث من مختلف الجهات , لكن هذا الفضاء الافتراضي قد يأتي بما لا يتوقعه صاحبه . حيث تعرفت كريمة على صديقة افتراضية باسم مستعار , كانت تحكي لها تفاصيل حياتها الزوجية , و البرود العاطفي الذي أصبحت تعاني منه مع انشغالات زوجها بأمور العمل . لكن هذه الصديقة التي حملها لها الفايس في الحقيقة كانت رجلا تسلل إلى حياتها باسم مستعار .وعدها بأنها في أمان , واستمرت علاقتهما ووصل بها الأمر ان استقبلته في بيتها الزوجي في غياب زوجها . لبّت نداء نزوة عابرة , ليختفي هذا الصديق من حياتها, بعد حظره لها في مواقع التواصل الاجتماعي ,تحمل منه وتنجب بنتا و يكتشف زوجها بأن هذه الطفلة ابنة خطيئة , ويكون مصير كريمة و ابنتها الشارع الذي لا يرحم المرأة أبدا .. ألوان باهتة تنوعت موضوعاتها التي ركزت فيها يشو على المرأة بشكل كبير ومعاناتها داخل المجتمع الذكوري .استوحتها من واقعها الاجتاعي و لم توظف الخيال الا ما كان يخدم سرديتها . الطقس الاجتماعي الذي تدور في فلكه أحداث هذه القصص يفتقد أبطاله للحبّ و الحنان, و للاهتمام و الوفاء . المثالية في هذه القصص أن القاصة جعلت من بطلاتها النساء ضحيات , يقاومن بشدة و يسرن في البحث عمّن ظلمهن ,حتى يسترددن حقوقهن , وينتقمن لشرفهن و آدميتهن التي أرادت ذكورية المجتمع قتلها .. *الكاتبة