الحقيقة التي كنّا نعتقدها وما زلنا نعتقدها هي أنّ زمن الهرج والمرج سيأتي في آخر الزمان فقط، والحقيقة أنّ أكثر أحداثه هرجًا ومرجًا ستكون في زماننا هذا، وأمّا ما بعده فستكون صورته أكثر وضوحًا وأفظع أمرا،وستستمر بطرقٍ متعددةٍ لا تسعنا هذه الحلقة البسيطة لذكرها، ولقد بدأت الإنطلاقة الأولى لزمن الهرج والمرج بعد وفاة الرسول " ص" وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وكفى بكتاب الله شاهدًا ومبيّنًا . ومن ظواهر ذلك الهرج والمرج التي طالت التاريخ الاسلامي عبر العصور ظاهرة التكفير المسيسة التي تخدم مصالح أناسٍ معينين أو صاحب بلاطٍ معينٍ لخلق عملية تنفير المسلمين عن الضحية المرمي بالكفر ، ويكفينا ظاهرة تكفير أبي طالبٍ مؤمن آل هاشمٍ وبرغم كلّ الدلالات والمؤشرات التاريخية الدالة على صدق إيمانه وعظمة ثباته وعزيمته وتضحياته، فما من كافرٍ يلازم النّبيّ" ص" في الحصار المفروض عليه طيلة ثلاث سنينَ متواصلةٍ بالجوع والعذاب يصارع الويلات !، وكان باستطاعته عدم المكوث في الشُعب والنجاة بنفسه ومغادرة الشُعب لولا ثبات إيمانه وقوة عزيمته، لكنها المصالح المسيسة جعلت منه كافرًا.! = وهاهي قصيدته اللامية الشاهدة على إيمانه قولًا وموقفًا والتي كتبها في شُعب بني هاشمٍ أثناء حصار قريش للنّبيّ ولمن ناصره من بني هاشمٍ وبعد طلب قريش من أبي طالبٍ عم الرسول بتسليم النّبيّ "ص" لهم ، جاءهم ردّه الصارم وقال كلمته المشهورة : ( إمض على أمرك، فوالله لا أُسلّمك أبداً. ودعا أبو طالب أقاربه إلى نصرته فأجابه بنو هاشم وبنو المطلب، ورفض أبو لهب ذلك ، فكتب أبو طالبٍ قصيدتَه اللامية الشهيرة معلنًا إسلامه فيها، غير آبهٍ بحصار قريش الممتد لثلاث سنينَ متواصلةٍ بدءًا من السنة السادسة للبعثة إلى أوائل السنة العاشرة للبعثة الشريفة، والتي فيها توفّى أبو طالبٍ وتوفّت فيه أم المؤمنين خديجة رضوان الله عليهما، حتى أسماه رسول الله "ص" بعام الحزن ، ولكن السياسة لعبت دورها في تكفير أبي طالبٍ إبن عبدالمطلب والتاريخ يحتاج ألف مرةٍ لإعادة هيكلته وتنقيحه من شوائبه . القصيدة اللامية لأبي طالبٍ بن عبد المطلب الشاهدة على إيمانه بالله وبرسوله " ص" وهي من أشهر قصائده، والتي وصفت بأنها أَفْحَلُ مِنَ المُعَلَّقَاتُ السَّبْعَ، فقد قال عنها ابن كثير الدمشّقي في كتابه «الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة»: «هَذِهِ قَصِيدَةٌ عَظِيمَةٌ فَصِيحَةٌ بَلِيغَةٌ جِدًّا، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَهَا إِلَّا مَنْ نُسِبَتْ إِلَيْهِ، وَهِيَ أَفْحَلُ مِنَ الْمُعَلَّقَاتِ السَّبْعِ، وَأَبْلَغُ فِي تَأْدِيَةِ الْمَعْنَى مِنْهَا جَمِيعًا». كما رواها محمد بن إسماعيل البخاري في روايتين إحداها عن عبد الله بن عمر والأخرى هي لعبد الله بن دينار، وجاء في «مصنف ابن أبي شيبة» روايةٌ لعائشة بنت أبي بكر"رض" ، ونسبها رواة كثر مستشهدين ببيت الشعر، «وأَبْيَضَ يُستَسقَى الغَمامُ بوَجْهِه * ثِمالُ الْيتامى عِصمةٌ لِلأراملِ». خليلي ما أذني لأول عاذل بصغواء في حق ولا عند باطل خليلي إن الرأي ليس بشركة ولا نهنه عند الأمور البلابل ولما رأيت القوم لا ود عندهم وقد قطعوا كل العرى والوسائل وقد صارحونا بالعداوة والأذى وقد طاوعوا أمر العدو المزايل وقد حالفوا قوما علينا أظنة يعضون غيظا خلفنا بالأنامل صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة وأبيض عضب من تراث المقاول وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي وأمسكت من أثوابه بالوصائل قياما معا مستقبلين رتاجه لدى حيث يقضي نسكه كل نافل وحيث ينيخ الأشعرون ركابهم بمفضى السيول من إساف ونائل موسمة الأعضاد أو قصراتها مخيسة بين السديس وبازل ترى الودع فيها والرخام وزينة بأعناقها معقودة كالعثاكل أعوذ برب الناس من كل طاعن * علينا بسوء أو ملح بباطل ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة ومن ملحق في الدين ما لم نحاول* وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه وراق ليرقى في حراء ونازل وبالبيت ركن البيت من بطن مكة وبالله إن الله ليس بغافل * وبالحجر المسود إذ يمسحونه إذا اكتنفوه بالضحى والأصائل* وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة على قدميه حافيا غير ناعل * وأشواط بين المروتين إلى الصفا وما فيهما من صورة وتماثل* ومن حج بيت الله من كل راكب ومن كل ذي نذر ومن كل راجل* وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له إلال إلى مفضى الشراج القوابل* وتوقافهم فوق الجبال عشية يقيمون بالأيدي صدور الرواحل وليلة جمع والمنازل من منى وما فوقها من حرمة ومنازل* وجمع إذا ما المقربات أجزنه سراعا كما يخرجن من وقع وابل وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها يؤمون قذفا رأسها بالجنادل وكندة إذ هم بالحصاب عشية تجيز بهم حجاج بكر بن وائل حليفان شدا عقد ما اجتمعا له وردا عليه عاطفات الوسائل وحطمهم سمر الرماح مع الظبا وإنفاذهم ما يتقي كل نابل ومشيهم حول البسال وسرحه وشبرقه وخد النعام الجوافل فهل بعد هذا من معاذ لعائذ وهل من معيذ يتقي الله عادل يطاع بنا الأعدا وودوا لو اننا تسد بنا أبواب ترك وكابل كذبتم وبيت الله نترك مكة* ونظعن إلا أمركم في بلابل كذبتم وبيت الله نبرى محمدا* ولما نطاعن دونه ونناصل ونسلمه حتى نصرع حوله* ونذهل عن أبنائنا والحلائل وينهض قوم بالحديد إليكم* نهوض الروايا تحت ذات الصلاصل وحتى يرى ذا الضغن يركب ردعه من الطعن فعل الأنكب المتحامل وإني لعمر الله إن جد ما أرى* لتلتبسن أسيافنا بالأماثل بكف امرئ مثل الشهاب سميدع أخي ثقة حامي الحقيقة باسل شهورا وأياما وحولا مجرما علينا وتأتي حجة بعد قابل وما ترك قوم لا أبا لك سيدا يحوط الذمار غير ذرب مواكل وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل* يلوذ به الهلاك من آل هاشم فهم عنده في رحمة وفواضل ءءءءءءءءءءءءءءءءءءءءء مراجع القصيدة : 1- الكرباسي محمد صادق ( 2008م -1429) معجم أنصار الحسين -الهاشميون- دار المعارف الحسينية "ط.الأولى" لندن، المملكة المتحدة: المركز الحسيني للدراسات،ج.الجزء الأول ص29. 2- العسقلاني ابن حجر تحقيق عادل أحمد عبدالموجود وعلي محمد معوض " 1415هجري، الإصابة في تمييز الصحابة "ط.الأولى" بيروت،دار الكتب العلمية،الجزء السابع ص 196. 3-البلاذري: تحقيق سهيل زكار ورياض الزركلي" 1417هجري-1996م" ، أنساب الأشراف "ط.الأولى" بيروت: دار الفكر،ج.الجزء الثاني،ص23. 4- عام الحزن،إسلام ويب 2003-7-19مؤرشف من الأصل. 5- محمد التونجي "1414هجري-1994م " ديوان أبي طالب عم النبي"ص" ط.الأولى" دار الكتاب العربي ص11-12. 6- أبو هشام صالح بن عوّاد بن صالح المغامسي شرح المدائح النبوية، المكتبة الشاملةج.الجزء السادس ص 1 . 7- عبد الملك بن هشام تحقيق مصطفى السقا وابراهيم الأبياري وعبد الحفيظ الشلبي " 1375هجري-1955″ سيره إبن هشام "ط. الثانية "شركه مكتبة ومطبعة مصطفى الباقي الحلبي وأولاده بمصر، ج. الجزء الأول ص272. 8-أبو الفداء إ سماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي البداية والنهاية" 1407-1986م، دار الفكر ج. الجزء الثالث، ص57. 9- محمد بن صالح العثيمين 1422-1428هجري، الشرح الممتع على زاد المستنفع، " ط.الأولى" دار ابن الجوزي جين الجزء الثاني عشر ص،262. 10-أبي طالب في نصرة النبي "ص"، شرح وتعليق موقع نداء الهند مؤرشف من الأصل في 1 مارس 2021. 11- يوسف بن اليان بن موسى سركيس "1346هجري 1928" معجم المطبوعات العربية والمعرفة، مصر مطبعة،سركيس، ج. الجزء الثاني ص. 1366. ==================== الحلقة القادمة بإذن الله تعالى الاستفسارات والدلائل حول