حديد عز يسجل ارتفاعًا جديدًا.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    تفاصيل مران الزمالك استعدادًا لمواجهة دريمز الغاني    برلماني: ما يتم في سيناء من تعمير وتنمية هو رد الجميل لتضحيات أبناءها    مساعد وزير التعليم: 8236 مشروعا تعليميا ب127 ألف فصل    نائب رئيس جامعة حلوان يقابل الطالبة سارة هشام لبحث مشكلتها    ساعة زيادة لمواعيد غلق المحال التجارية بسبب التوقيت الصيفي.. لهذا السبب    مشروعات سيناء.. عبور إلى الجمهورية الجديدة    مزاد علني لبيع عدد من المحال التجارية بالمنصورة الجديدة    رئيس COP28: على جميع الدول تعزيز طموحاتها واتخاذ إجراءات فعالة لإعداد خطط العمل المناخي الوطنية    نادر غازي يكتب: الصمود الفلسطيني.. و"الصخرة" المصرية    خبير علاقات دولية: مواقف مصر قوية وواضحة تجاه القضية الفلسطينية منذ بداية العدوان    مسؤول إسرائيلي: بلينكن يزور إسرائيل الأسبوع المقبل لبحث صفقة جديدة    تعرف على أهداف الحوار الوطني بعد مرور عامين على انطلاقه    كلوب: سأكون الأكثر ثراء في العالم إذا تمكنت من حل مشكلة صلاح ونونيز    الغيابات تضرب الاتحاد قبل مواجهة الجونة    علاقة متوترة بين انريكي ومبابي.. ومستقبل غامض لمهاجم باريس سان جيرمان    النصر يتعادل مع اتحاد كلباء في الدوري الإماراتي    بسبب سوء الأحوال الجوية.. حريق 5 منازل بالكرنك    بالإنفوجراف والفيديو| التضامن الاجتماعي في أسبوع    كانت جنب أمها أثناء غسيل المواعين.. غرق طفلة داخل ترعة الباجورية في المنوفية    السينما العربية يكشف عن ترشيحات النسخة 8 من جوائز النقاد للأفلام    ملخص فعاليات ماستر كلاس بتكريم سيد رجب في «الإسكندرية للفيلم القصير» | صور    وسائل إعلام إسرائيلية: سقوط صاروخ داخل منزل بمستوطنة أفيفيم    حياتى أنت    شركة GSK تطرح لقاح «شينجريكس» للوقاية من الإصابة بالحزام الناري    صحة دمياط تطلق قافلة طبية مجانية بقرية الكاشف الجديد    الأوقاف تعلن أسماء القراء المشاركين في الختمة المرتلة بمسجد السيدة زينب    إصابة 6 أشخاص في انقلاب سرفيس على صحراوي قنا    السينما الفلسطينية و«المسافة صفر»    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    نائبة تطالب العالم بإنقاذ 1.5 مليون فلسطيني من مجزرة حال اجتياح رفح    تعرف على أعلى خمسة عشر سلعة تصديراً خلال عام 2023    وكيل وزارة الصحة بأسيوط يفاجئ المستشفيات متابعاً حالات المرضى    مجلس أمناء العربي للثقافة الرياضية يجتمع بالدوحة لمناقشة خطة 2025    ميار شريف تضرب موعدًا مع المصنفة الرابعة عالميًا في بطولة مدريد للتنس    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية    «مياه دمياط»: انقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة 8 ساعات غدًا    إقبال كثيف على انتخابات أطباء الأسنان في الشرقية (صور)    يحيى الفخراني: «لولا أشرف عبدالغفور ماكنتش هكمل في الفن» (فيديو)    استقالة متحدثة أمريكية اعتراضًا على حرب إسرائيل في قطاع غزة    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي شرقي لبنان    الأمم المتحدة للحق في الصحة: ما يحدث بغزة مأساة غير مسبوقة    مواعيد الصلاة في التوقيت الصيفي بالقاهرة والمحافظات.. وكيف يتم تغيير الساعة على الموبايل؟    بداية من الغد.. «حياة كريمة» تعلن عن أماكن تواجد القوافل الطبية في 7 محافظات جديدة    بعد حادث شبرا الخيمة.. كيف أصبح الدارك ويب السوق المفتوح لأبشع الجرائم؟    وزير التعليم العالي يهنئ الفائزين في مُسابقة أفضل مقرر إلكتروني على منصة «Thinqi»    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    سويسرا تؤيد خطة مُساعدات لأوكرانيا بقيمة 5.5 مليار دولار    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الضوابط التربوية والشرعية للاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي
نشر في الزمان المصري يوم 02 - 02 - 2020


مقدمة: –
لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي صارت من الأهمية بمكان، وهي من ضرورات التواصل المجتمعي لما فيها من تيسير وتسهيل، وسرعة ودقة، وصارت شائعة في متناول الجميع، وإيجابياتها لا تخفى في التقريب بين الناس.
ومع كثرة تفاعل الناس واستخدامهم لهذه المواقع كان لا بد من التذكير بالضوابط الشرعية، والآداب الواجب مراعاتها في استخدام هذه المواقع.
لا شَكَّ أن الإسلام دينُ التواصُل بامتياز؛ فقد قال الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾[الحجرات: 13]، ومهمة التبليغ التي تقلَّدها النبي صلى الله عليه وسلم تعتمد على التواصُل الإيجابي مع المدعُوين؛ كما قال الله تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا ﴾[الأحزاب: 45].
وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتواصل شفويًّا، فقد تواصَل أيضًا كتابيًّا؛ قال أنس رضي الله عنه: “كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى، وإلى قيصر، وإلى النجاشي، وإلى كل جبَّارٍ يدعُوهم إلى الله تعالى”؛ مسلم.
وكتب معاوية إلى المغيرة بن شُعْبة أن اكتُبْ إليَّ بشيءٍ سمِعْتَهُ من النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب إليه: سمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ اللهَ كَرِهَ لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال))؛ متفق عليه.
أولا: -أما الضوابط الشرعية لتقنين التعامُل مع هذه المواقع فكثيرةٌ، يمكن إجمالُ أهمِّها في اثني عشر ضابطًا:
1-النيَّة الحسنة التي تتقصد النفع للغير، وتحقيق مصلحته، لا التشويش عليه، وإهدار أوقاته؛ قال تعالى:﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾[النساء: 114]، و((إنما الأعمال بالنيات…))؛ متفق عليه.
وقد شاعت أخبارٌ كاذبةٌ يقصد أصحابُها تشويه صورة الإسلام، وإحداث الفِتَن بين الناس، وشغلهم عمَّا خُلِقُوا من أجله؛ مثل: قصة الشاب الذي فتحوا قبرَه بعد ثلاث ساعات، فوجدوه مُتفحِّمًا من أثر عذاب القبر، وليست صورتُه سوى صورةِ جُثَّة فتاة احترقَتْ في حادثٍ، وقصة رائد الفضاء ارمسترونغ الذي أُشِيعَ عنه أنه سمِعَ الأذان على سطح القمر فأسلَم، وقد عقد هو نفسه مؤتمرًا صحفيًّا نفى فيه هذا الخبر جملةً وتفصيلًا،
ومن ذلك نشرهم صورةً وهميَّة من داخل قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وقبر هابيل، وكل ذلك مزوَّر ملفَّق، لا أساس له من الصِّحة، ومن ذلك الأخبار حول احتراق جُثَّة الرسَّام الدانماركي المستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم في رسوماته، وقد ظهر عدة مرات في وسائل الإعلام بعد ذلك.
ومن هذا الكذب السافر انتحالُ صفات غير حقيقية، أو ادِّعاء أسماء ووظائف مكذوبة، أو تقمُّص شخصيات غير واقعية، كالمرأة تنتحل صفة الرجل، والرجل ينتحل صفة المرأة، أو التاجر ينتحل صفة أستاذ، أو الموظف ينتحل صفة رجل الأعمال، وغير ذلك من الأكاذيب التي لا يُقصَد بها سوى إيقاع الطرف الآخر في الوهم، أو التحايُل عليه؛ إما لزواج مشبوه، أو تجارة وهميَّة، أو طلب تشغيل مُزيَّف، وغير ذلك.
فلا بُدَّ أن تُصاحِبَ التواصُلَ الغايةُ النبيلةُ، والنيَّةُ الطيِّبةُ، والوسيلةُ النظيفةُ، أما أن يكون القصد مجرد الثرثرة الفارغة، وضياع الأوقات الثمينة، واستفزاز الآخرين بالألفاظ الشائنة، وتتبُّع العَورات المصونة؛ فذلك ممَّا يستقبحه شرعُنا، ويَمجُّه دينُنا:﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾[الحجرات: 10].
2-ألَّا تكون هذه المواقع سببًا في الإشغال عمَّا هو أهمُّ؛ كالعبادات، ورعاية الأبناء، وطاعة الأبوَينِ، وطلب العلم النافع، وصِلة الأرحام، وغيرها، ومن جميل ما يدلُّ على ذلك، ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتَّخذ خاتمًا فلَبِسَه؛ فقال: ((شَغَلَني هذا عَنْكُمْ منذ اليوم، إليه نَظْرةٌ، وإليكم نَظْرةٌ))، ثم ألقاه”؛ صحيح سنن النسائي.
هذا مجرد خاتم أخذ النَّظَرُ إليه من وقت الرسول صلى الله عليه وسلم ما شغله عن دعوة أصحابه، فكيف بهذه البرامج الجذَّابة التي تأخُذ بالألباب، وتدخل على المستعمل مِن كلِّ باب؟! فقد صرنا نرى بعض الأُسَرِ قد انْزَوى أفرادُها في الغُرَف، كلٌّ مُنْشَغِلٌ بهاتفه، أو بلوحته، أو بحاسوبه، لا الآباء يجدون وقتًا لتوجيه أبنائهم، ولا الأبناءُ يجدون وقتًا للاستماع لآبائهم، كلٌّ يعيش عالمه، ويُكلِّم نفسَه، ويُناجي آلتَه، وربَّما انتهى الأمرُ ببعضهم إلى القبوع في مراكز علاج الإدمان التي أُنْشِئَتْ في العديد من الدول.
3-ومن أعظم الضوابط لاستعمال هذه البرامج -التثبُّت من نَقْل الأخبار بقراءتها أولًا، ثم التأكُّد من صحَّتها، وصحة نسبتها لقائلها؛ حتى لا نُروِّج للأكاذيب، ولا ننشُر الأراجيفَ، ولا نكون سببًا في نَشْر الهَلَع والخوف بين الناس، بسبب خبرٍ زائفٍ، أو تحذيرٍ كاذبٍ؛ قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾[الحجرات: 6].
وإن إرسال الرسائل من غير تثبُّت مظنَّةٌ للكذب والزُّور، ولو مِن غير قصدٍ، وبخاصة حينما تَصْدُر الرسالةُ ممَّن يثق الناسُ به، فيعتقدون صِحَّتَها من غير سؤالٍ عن حقيقة محتواها؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كَفَى بالمرءِ كَذِبًا أن يُحدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ))؛ مسلم.
قال النووي رحمه الله: “فيه الزَّجْر عن التحديث بكُلِّ ما سمِعَ الإنسانُ، فإنه يسمع في العادة الصِّدْق والكذب، فإذا حدَّثَ بكُلِّ ما سمِعَ، فقد كذب؛ لإخباره بما لم يكُن”.
4-تجنَّب السخرية بالأشخاص، ووضع الصور الكاريكاتورية المشوِّهة لهم؛ لأنه من باب تغيير خَلْق الله، وتشويه صورة الإنسان التي خلَق الله تعالى عليها عِبادَه، وبخاصَّةٍ حينما تصحبُها التعليقات المضحكة، والألفاظ الساخرة، والألقاب النابزة، والعبارات اللامزة التي تزيد من تشويه الصورة، وتُمعن في إضحاك الناس منها؛
يقول تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [الحجرات: 11]، قال ابن كثير رحمه الله: “وهذا حرام؛ فإنه قد يكون المحتقَر أعظمَ قدرًا عند الله، وأحَبَّ إليه من الساخر منه المحتقِر له”، وهذا لا شَكَّ من البذاءة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: ((ليس المؤمِنُ بالطَّعان، ولا اللَّعَّان، ولا الفاحِش، ولا البذيء))؛ صحيح سُنَن الترمذي.
5-التحفُّظ الشديد من نَشْر الصور الشخصية، وصور أفراد الأسرة؛ ممَّا قد يفضَح الأسرار، ويَهتِك الأستار، حين تتسرَّب الصُّورُ من الصِّغار، تظهر الأُمَّهات في أوضاع بائسة، ومن الأزواج تظهر الزوجات مُتبرِّجات بزينة،
ومن الصديقات بنشر صور صديقاتهنَّ في الأماكن المشبوهة، ومن الأقارب بنشر صور الحفلات والأعراس، وفيها مِن العفيفات مَنْ يَتَحفَّظْنَ مِن نشر صورهنَّ مُتزيِّنات، وبخاصة إذا تدخَّلت يدُ الفوتوشوب، فزادت من التشويه والتمييع!
وقد يعثر أحدُهم على صورٍ لا يرتضيها أصحابُها، قد سترها الله عليهم، فيَنثُرُها على صفحات هذه المواقع، وبخاصة حين تُصحَب بعبارات كاذبة، أو نعوت مُغْرِضة.
وكم أدَّى هذا التصرُّف البئيس إلى حالات من الخصومة، ترتقي أحيانًا إلى حالات من المشاجرة والمعاركة بين الأصدقاء أو الجيران، وإلى صور من الطلاق بين الأزواج، وقد صارت هذه المواقع مسؤولةً عن 50% منها في إحدى البلاد العربية؟!
6-ترشيد الوقت، والحذر من الانغماس وراء تتبُّع الصفحات التي تُفضِي بالمستعمل إلى صفحات أخرى، وهذه تُحيلُه على موضوعات أخرى، وهذه تُبحِر به في عوالم أخرى، فيجد الساعات ذوات العدد قد انفلتَتْ منه وهو لا يدري، حتى وجدنا من الشباب من يستمرئ قضاء ست ساعات متواليات خلف شاشة الهاتف، وقد ينام وهاتفُه بين يديه، ويستيقظ وهو بين يديه، ثم مع ذلك نُلْفِيه يستثقل قراءة القرآن الكريم نصف ساعة في اليوم، وقد صرح أحد الشباب بأن أحد هذه المواقع يستحوذ على 70% من حياته.
وفي دراسة أكاديمية لنيل شهادة الماستر أُجْرِيَتْ على عيِّنة من الأزواج في بلد عربي، تبيَّنَ أن 90% منهم لهم حساب في موقع تواصُلِي مشهور (الفيس بوك)، وأن 32% منهم يقضون معه ثلاث ساعات في اليوم، في حين يقضي معه 40% أربع ساعات فما فوق، وأكثر من 32% ساءَتْ علاقاتُهم مع زوجاتهم بعد استعمال الحساب، وعبَّر 28% منهم عن استعمالهم الموقِعَ لتَتَبُّع الأخبار، و22% لملء الفراغ، و18% للتواصُل مع الأصدقاء،
ولكن الخطير أن 32 %منهم يستعملونه لإقامة علاقات مع الجنس الآخر، كما تبيَّنَ أن 21.5% يستعملونه في المقهى، و32% في العمل، و36% في البيت، وأن 43% يستعملونه ليلًا.
كما لُوحِظَ أن وقت تجاذُب الحديث مع أفراد الأسرة نقص بنسبة 50%، وأن 65% من الأزواج لم يعودوا يُقدِّمُون هدايا لزوجاتهم في المناسبات، كما صار الموقِع يتسبَّب في المشاكل الأُسريَّة بنسبة 61%. وصدق من قال: إن شبكات التواصُل قَطَعَتْ التواصُل، وكل هذا يستدعي إعادة النظر في استعمال هذه الشبكات، وتوجيهها في وجهتها الصحيحة.
7-الحذر من الآثار الصحيَّة السلبية على المستعمل؛ حيث خلَصت الدراسات في هذا الشأن إلى أن الاستخدام المفرِط لمواقع التواصُل الاجتماعي، قد يضع الشخص تحت ضغط وتوتُّر زائدين، ليُصبِح بذلك أكثرَ عُرْضةً للإصابة بنوبات الاكتئاب والقَلَق، ووجد الباحثون بجامعة بيتسبورغ الأمريكية أن الأشخاص الذين يستخدمون من 7 إلى 11 موقِعًا للتواصُل الاجتماعي، يرتفع بينهم خطرُ التعرُّض للاكتئاب والقَلَق بمعدل ثلاثة أضعاف المستخدمين الآخرين ممَّن يمتلكون حسابًا واحدًا أو حسابين.
كما أشار أحد الأطباء المختصِّين إلى أن تعدُّد منصَّات التواصُل الاجتماعي، يُؤثِّر سَلْبًا على القُدرات العقلية والصِّحَّة النفسية والمعرفية للشخص.
أما إفراط الأطفال في استعمال هذه المواقع في سِنٍّ مبكرةٍ، فيُعرِّضهم للإصابة ببعض حالات التوحُّد، والعُزْلة، والاكتئاب، والإحباط، واضطراب النوم، وضَعف الجهاز المناعي، والعادات السيئة في النظام الغذائي، فضلًا عن اكتساب عادات سيئة؛ كالكسل، والسِّمنة، وضَعف الإقبال على ممارسة الرياضة، والابتعاد عن التواصُل الحقيقي للمجتمع، وحتى عن باقي أفراد الأسرة، كما يُصيبهم بالتوتُّر والإجهاد المُفضِيينِ إلى القَلَق والغضب والغيرة، فضلًا عن ضَعْف التركيز في المذاكرة، والتشتُّت الدائم في التحصيل.
8-براءة القلب وسلامته عند التواصُل مع الآخر؛ سواء كان من الجنس نفسه، أم من الجنس الآخر، وهذا يقتضي حفظ القلب؛ حتى لا ينساق مع العبارات العاطفية، وحفظ النفس؛ حتى لا تسترسل في الحوارات غير المجدية، وحفظ اللسان؛ حتى لا ينطق بالألفاظ المخِلَّة، والله تعالى يقول:﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾[البقرة: 83]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ كان يُؤمِنُ بالله واليوم الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أو لِيَصْمُتْ))؛ متفق عليه.
وقد يتمُّ التواصُل اللفظي أو المكتوب بين رجل وامرأة، إذا اقتضتْه مصلحةٌ شرعيةٌ، كتداول أمور العمل بالنسبة للموظَّفين، أو السؤال عن أمور الدين، كما كان يجري بين الصحابة وعائشة رضي الله عنها، كما قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: “ما أشكَل علينا -أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -حديثٌ قطُّ، فسألنا عائشة -إلَّا وجدنا عندها منه عِلْمًا”؛ صحيح سنن الترمذي.
لكن لا يكون ذلك ذريعةً للاسترسال في الكلام غير النافع، واستمراء الإطالة في الحوار، وتجاذُب أطراف الحديث من غير طائل، بل يُشترَط لذلك شروطٌ، من أهمِّها تجنُّب الخضوع في الكلام، واللين في القول، واستعمال الألفاظ الموحية، والعبارات المتغنِّجة؛ لقوله تعالى:﴿ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ﴾[الأحزاب: 32].
قال القرطبي المفسِّر رحمه الله: “لا تُلِنَّ القول، أمرَهنَّ الله أن يكون قولهنَّ جَزْلًا، وكلامهنَّ فصْلًا، ولا يكون على وجهٍ يُظهرُ في القلب علاقةً بما يَظهَرُ عليه مِن اللين”.
وقال أبو العباس القرطبي: “فإنَّا نُجيز الكلام مع النساء للأجانب، ومحاورتهنَّ عند الحاجة إلى ذلك، ولا نُجيز لهن رفعَ أصواتهنَّ، ولا تَمطيطها، ولا تَليينها وتقطيعها؛ لِما في ذلك مِن استمالة الرجال إليهنَّ، وتحريك الشهوات منهم”.
مع وصاية الرجل والمرأة بتجنُّب الخلوة الإلكترونية، حين يتصيَّدان الأوقات المناسبة، ويتكلَّمان وحدَهما، مع اعتقاد أنْ لا رقيب عليهما من الناس؛ فإن الله تعالى لا تَخفى عليه خافية.
وبعض الشباب يتقصَّدون الحديث مع الفتيات، لإيقاعهنَّ في حَمأة الكلمات المعسولة، والعبارات المائلة المُميلة، والوعود الطامعة الكاذبة.
ويجب على الفتاة أن تحذَر مِن إدراج يومياتها المفصَّلة على صفحتها، ونشر صورها، وأحوال أسرتها، وأسرار بيتها؛ احتياطًا من عين حاسد، أو مُتجسِّس، أو متربِّصٍ، مع تجنُّب موضة الإعجابات التي تفعل الأفاعيل في القلوب، وبخاصة قلوب الفتيات!
9-يُشترط في الكتابة التواصلية أن تكون صادقةً لا لَبْسَ فيها ولا تزويرَ، وأن تكون كلماتُها عربيةً واضِحةً، يُراعَى فيها قواعدُ الإملاء والنحو؛ حِفاظًا على جماليتها، وسلامة التعبير بها، وليست خليطًا من اللُّغات والرموز والطلاسم غير المتجانسة التي تُفسِد الذَّوْق، وتجني على مَلَكةِ التعبير السليم، وتُعمِّق الضَّعْف اللُّغوي الذي يُعاني منه كثيرٌ من أبنائنا، مع تحرِّي الصِّدْق، والقَصْد في الكلام، وتجنُّب الهزل الثقيل، والإسهاب المليل، وقليلٌ مفيدٌ خيرٌ من كثيرٍ مُملٍّ.
وفي الحديث الشريف: ((مَنْ دعا إلى هُدًى، كان له من الأجْرِ مثل أجُورِ مَنْ تَبِعَهُ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ومَنْ دَعا إلى ضلالةٍ، كان عليه من الإثم مثل آثام مَنْ تَبِعَهُ، لا ينقُص ذلك من آثامِهم شيئًا))؛ مسلم.
10-حفظ العبادات والأعمال الصالحة من الرياء والسُّمْعة، كالذي ينشر صوره وهو في الحجِّ أو العُمْرة من غير سببٍ إلَّا الإعجاب بالنفس، وحب الظُّهور، أو يُصوِّر نفسه وهو يُوزِّع الصَّدَقات في رمضان، أو يتحدَّث عن صيامه وصلاته وزكاته ممَّا يجب أن يبقى سِرًّا بين العبد وربِّه.
11-احترام الجليس بترك الانشغال عنه بالهاتف، وبخاصة إذا كان هذا الجليس أبًا أو أُمًّا، ففي ذلك من قلة الاهتمام، وعدم الاحترام ما لا يليق بالضيف أو الزائر؛ قال سعيد بن العاص: “لجليسي على ثلاثٌ: إذا أقبل وسَّعْتُ له، وإذا جلَس أقبلْتُ إليه، وإذا حدَّثَ سمِعْتُ منه”.
12-التعامُل مع المخالف باللِّين، ومجادلته بالتي هي أحسن، وبكامل اللباقة والأدب، مع ترك الألفاظ الجارحة، والأساليب القاسية التي قد تتحوَّل أحيانًا إلى سَبٍّ وشَتْمٍ، مهما بالَغ هو في المقاذفة والمقاذعة، وأمعَن في المشاتمة والشماتة؛ قال تعالى: ﴿ فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا ﴾ [الإسراء: 28]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن الرِّفْقَ لم يكن في شيء قَطُّ إلَّا زانَه، ولا نُزِعَ من شيءٍ قَطُّ إلا شانَه))؛ مسلم.
تعد مواقع التواصل الاجتماعي من الوسائل الحديثة التي أصبحت جزءاً من الحاجيات الأساسية في حياة الأفراد ولمختلف الفئات العمرية، نظراً لما تتميز به هذه الوسائل من خصائص تتجلى بسهولة استخدامها وتوفرها في الأجهزة الحديثة وقلة تكلفتها وسرعة تداول المعلومات فيها وتنوعها من الكتابة إلى الصورة وحتى الفيديو، ومن مميزاتها أيضاً حفظها لخصوصية المستخدم لها، إلى حد ما، ولانتشارها بين مختلف الأوساط مما جعل عدم استخدامها أمراً مستهجناً من الآخرين.
ثانيا: -الضوابط الشرعية لاستخدام وسائل الإعلام الجديد:
نظراً للحرية التي تعطيها هذه الوسائل لمستخدمها والفضاء المفتوح أمامه، ولضعف دور رقابة الدولة وكذلك الأسرة مما يجعلنا نعول بشكل أساسي على الوازع الديني الذاتي للمستخدم فهو خير رقيب لمن يختلي بهاتفه الذي يعد نافذة واسعة لعالم مفتوح فيه معلومات عن كل شيء، ومن باب المسؤولية الشرعية نبين لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي أهم الضوابط الشرعية المتعلقة بهذا الاستخدام، وهي:
1- : استشعار مراقبة الله تعالى:
في حالة الضعف التي يمر بها الإنسان وفي ظل غياب رقابة الأسرة أو رقابة السلطة القانونية، لا يعول على أمر كما يعول على الرقابة الإلهية على تصرفات الإنسان وسلوكياته، وقد أكدت النصوص الشرعية على ذلك، يقول الله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ 4 لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ} [الحديد: 4، 5]، ويحذر صلى الله عليه وسلم من استغلال غياب الرقابة في ارتكاب المحاذير الشرعية، فعَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضاً، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ هَبَاءً مَنْثُوراً»، قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ، وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ، قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا»[1].
2- : إخلاص النية:
عن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»[2].
لذا على كل مسلم يتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي أن تكون نيته قائمة على تسخيرها خدمة لدين الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتواصلاً مع من طلب الشرع التواصل معهم تحقيقاً لصلة الأرحام أو النصح لكل مسلم، وتحقيق المصالح الدنيوية التي لا تتعارض مع الشريعة، وأما إن كانت ليطلع على النساء وفتنتهن والمحرمات الدنيوية وشهوتهن، فيكون آثماً أصاب ذلك أم لم يصبه إن كان المانع لعارض خارج عنه.
3- : الالتزام بالتوجيهات الشرعية:
معيار التصفح لهذه المواقع هو الحلال والحرام وكل ما يؤدي إليهما، فمثلاً الحرص على تصفح المواقع التي تضم الفوائد الشرعية أو العلوم النافعة التي تخدمك في تخصصك العلمي أو عملك، يقابله تجنب الدخول إلى المواقع التي تنشر الرذيلة وتعرض الفواحش صوراً وأفلاماً أو التي تسيء للإسلام ورموزه أو تدعو إلى الإلحاد والكفر والضلالات، وكذلك تجنب المواقع التي تعين على الوصول إلى مواد محرمة، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ»[3].
4- : الالتزام بمنظومة القيم الإسلامية:
من خلال الحرص على الالتزام بالآداب العامة والأخلاق الرفيعة، من الصدق والأمانة، والابتعاد عن الألفاظ البذيئة والسب واللعن، والتشهير بالآخرين وتتبع عوراتهم وأسرارهم الخاصة وتجنب الغيبة والنميمة، وتجنب كل ما يثير المشاحنة والبغضاء بين الناس والجدال إلا بالتي هي أحسن، وإلا لزم السكوت،
قال الله تعالى: {قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 33]،
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات: 21]،
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ المُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الفَاحِشِ وَلَا البَذِيءِ»[4]،
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ»[5].
5- : احترام نعمة الوقت:
إن الأصل في صناعة هذه الأجهزة وتصميم هذه المواقع أن تختزل الوقت والجهد، وتجعلك تصل إلى المعلومة التي تريد بأقل وقت، وأن تتواصل مع من تريد من غير تكلفة ولا تضييع وقت، ولكننا للأسف نجد أكثر الذين يتعاملون مع هذه الوسائل يصرفون أوقاتهم ويضيعون هذه النعمة بالانكباب عليها الساعات الطوال،
بل حتى في اللقاءات العامة والخاصة نجد أكثرهم ينشغل بهذه الأجهزة عن جليسه الذي قد يشاركه في الانصراف إلى جهازه، والنبي صلى الله عليه وسلم يدعونا لاغتنام أوقاتنا وقَالَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْساً قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»[6]،
وهو مما سيسأل عنه المسلم يوم القيامة؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ»[7].
6- : الحرص على أداء الطاعات:
من خلال الملاحظة والدراسة يتبين أن كثيراً من المولعين بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي وبرامجه على هواتفهم ينشغلون عن أداء العبادات من الصلاة في وقتها أو صلاة الجماعة أو قراءة القرآن والأوراد والأذكار، حتى أنتجت مقاطع تجري حواراً تخيلياً بين القرآن والهاتف مفاده هجر الأول والانشغال بالثاني،
وأذكر أنه في أحد الأسفار لأداء عبادة العمرة كان بعض الزملاء أول ما يستيقظ يبدأ بفتح الهاتف والإجابة على بعض الرسائل، وما إن تنتهي الصلاة إلا تناول هاتفه قبل الأذكار، بل وجدت بعضهم لا يستيقظ لأداء الصلاة فضلاً عن أدائها في المسجد بسبب سهرة مع هاتفه.
وكثيراً ما ينشغل هؤلاء بالتواصل على هذه المواقع عن ذكر الله تعالى والله سبحانه وتعالى يحذر من كل ما يشغل الإنسان عن أداء الطاعات في وقتها،
يقول سبحانه: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ 36 رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإقَامِ الصَلاةِ وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ 37 لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 36 – 38]. وعن سَلْمَانُ الفارسي رضي الله عنه،
قَالَ: «حَافِظُوا عَلَى هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَإِنَّهُنَّ كَفَّارَاتٌ لِهَذِهِ الْجِرَاحَاتِ مَا لَمْ تُصِبِ الْمَقْتَلَةَ، فَإِذَا أَمْسَى النَّاسُ كَانُوا عَلَى ثَلَاثِ مَنَازِلَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ، وَمِنْهُمْ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، فَرَجُلٌ اغْتَنَمَ ظُلْمَةَ اللَّيْلِ، وَغَفْلَةَ النَّاسِ، فَقَامَ يُصَلِّي حَتَّى أَصْبَحَ فَذَلِكَ لَهُ وَلَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ اغْتَنَمَ غَفْلَةَ النَّاسِ، وَظُلْمَةَ اللَّيْلِ، فَرَكِبَ رَأْسَهُ فِي الْمَعَاصِي فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا لَهُ، وَرَجُلٌ صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ نَامَ فَذَلِكَ لَا لَهُ وَلَا عَلَيْهِ[8].
7- : التثبت من المعلومة قبل إعادة نشرها:
مواقع التواصل الاجتماعي مليئة بالمعلومات والأخبار التي لا يعرف مصدرها، ولذا على المسلم المتصفح أن يكون حريصاً على عدم إعادة نشر المعلومة قبل أن يتثبت من صحتها، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ، أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ»[9].
ومنه التحقق من دقة الآيات القرآنية، ومقبولية الأحاديث النبوية سنداً ومتناً، والتوثق من العبارات المنسوبة للعلماء، وكل ذلك قبل أن يسارع بإعادة نشرها.
8- : الضوابط الشرعية للتواصل بين الجنسين عبر شبكات التواصل الاجتماعي:
ويمكن إيجازها بوجوب أن يراعى فيها الضوابط المتعلقة باجتماع الجنسين بصورة مباشرة وأولها وجود المسوغ الشرعي للاتصال، ولذا فقد أفتى بعض العلماء المعاصرين بأن الأحكام الفقهية في المحادثة بين الجنسين في هذه الشبكات هي نفس الأحكام الفقهية السائدة في المحادثات التي تحدث بين الناس بصورة مباشرة،
يحل فيها ما يحل في المحادثة المباشرة بين الناس ويحرم فيها ما يحرم في الحديث العادي بين الناس، وذهب بعض العلماء المسلمين إلى عدم جواز المحادثة المباشرة بين الجنسين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حين جوزها بعضهم الآخر عند الضرورة بشرط حضور أحد محارم المرأة أمام الحاسوب، ليطلع على ما يدور من حديث،
وتجنب المزاح في الحديث والابتعاد عن التميع، وعلى الجنسين الحذر من الوقوع في مزالق الشيطان في الاسترسال في الحديث[10].
وعلى الجنسين تجنب استخدام الصور الشخصية وتبادلها، والاكتفاء بالمحادثة الكتابية، وفي حالة الاضطرار إلى استخدام المحادثة الصوتية، بسبب عدم قدرة أحدهما على الكتابة، فعلى المرأة عدم الخضوع في القول امتثالاً لأمر الله تعالى في قوله: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْروفًا} [الأحزاب: 23].
وتجنب المحادثات بالصوت والصورة مع الأجنبيات، قال الله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ 30 وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 30، 31]،
ويكون ذلك حتى مع القريبات أو بين النساء أنفسهن لاحتمالية تسرب هذه الصور من قبل الشركات المزودة لخدمة الإنترنت، وقد تعرضت كثير من النساء للابتزاز المالي والجنسي بسبب ذلك ولجهلهن بالتعامل مع هذه الأجهزة.
أضحت وسائل التواصل الاجتماعي اليوم منتشرة انتشار النار في الهشيم بحيث لا يتجاهلها إلا من أراد أن يكون غرضا يُرمى بعدم مواكبة العصر والتخلف عن مجاراة تبعات التكنولوجيا. لكن هل معنى ذلك الانسياق وراء كل جديد واستهلاكه بِغَثِّه وسمينه دون النخل والتمحيص بين الجيد فيه والرديء؟
ثالثا: -وما الضوابط الشرعية للتعامل مع هذه الوسائل
حتى يحفظ المرء المسلم دينه ويزيد في الخير باستثمار ما وصل إليه العقل البشري من اختراعات واكتشافات ليكون مبادرا فاعلا، لا رقما في خُطط الآخرين مفعولا به؟ نقصد بشبكات التواصل الاجتماعي الأدوات التي تستعمل في الأنترنت على غرار: فيسبوك، واتساب، اليوتيوب، جوجل… لتحقيق التواصل، أو التعتيم، وتمرير المعلومات، الصحيحة منها والمزيفة، وترويج الحقائق والأراجيف على حد سواء. وفيما يلي نبسط بين يدي القارئ الكريم أهم ما تجلى لنا من ضوابط شرعية عاصمة من الوقوع في السقط والزلل عند التردد على هذه المواقع متوكلين على الله تعالى:
الضابط الأول: القصدية
يستحسن بالداخل إلى وسائل التواصل في العالم الافتراضي أن يكون مستحضرا نية القُربة والاستفادة والإفادة وغيرها من نيات النفع العام والخاص، قال الله تعالى: واقصد في مشيك 1 ، وقال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى" 2 .
والذي يدخل بدون نية يبتلعه هذا العالم، فتجده تائها في الوديان، يتخبط هنا وهناك، قد يجد الخير كما قد يعترض طريقه ما لا يسره، لذلك قال الحكماء: الطريق المظلم تكون فيه الخطى بطيئة).
الضابط الثاني: حفظ الحواس
نوظف في استعمالنا لوسائل التواصل الاجتماعي بعض الحواس يأتي على رأسها البصر والسمع، فنجعلها شاهدة علينا من حيث علمنا أو لم نعلم، إن بالخير فالخير وإن بغير ذلك فَبِهِ، أخبرنا بذلك القرآن الكريم في مواضع كثيرة نذكر منها: يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون 3.
وفي سورة فصلت قوله تعالى: حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون (20)
وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون (21) وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون (22).
فلا يغفلن أحد منا وهو يطلق بصره فيما لا يَحِل أو يبسط سمعه فيما يسوء أو يسجل أو يصور ما لا يتفق والشرع الحنيف والآداب الحميدة، مستحضرا قوله تعالى: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا 4.
قال الزمخشري رحمه الله في تفسير هذه الآية: يقال للإنسان: لم سمعت ما لم يحل لك سماعه، ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه، ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه؟)
وقال القشيري رحمه الله تعالى: قوله:)إِنَّ السمع والبصر هذه أمانة الحق – سبحانه – عند العبد، مَنْ استعمل هذه الجوارح في الطاعات، وصانها عن استعمالها في المخالفات فقد سَلَّم الأمانة على وصف السلامة، واستحق المدحَ والكرامة. ومَنْ دَنَّسَها بالمخالفات فقد ظهرت عليه الخيانة، واستوجب الملامة) 5.
قال الأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله: إن الله الخالق جلت عظمته عرض على قلوب العباد وعقولهم، كما عرض على جسومهم، العبودية له جل جلاله.
وفرض على القلوب والعقول وجوارح الجسم، لكلٍّ عبودية خاصة، تتكامل هذه بتلك، ولكل عبودية مراسيمها وشروطها وأركانها) 6 .
ولا نحب أن يفهم مما سبق أن يفر المرء من المواقع فرار الفريسة من السبع، بل نطمع أن يكون المسلم مبادرا إلى أعمال البِرّ مفتاحا للخير مغلاقا للشر، يزرع الحقول بأطايب الغرس ويملأ البساتين بأجمل الزهور.
الضابط الثالث: إعمار الوقت
ينبغي للمسلم وهو يسبح في هذه العوالم ألا ينسى أن وقته يُحصى عليه، وأنفاسه تعد لحظة بلحظة، فليكن شحيحا بها لا يذرها تضيع مع الريح العقيم، بل يستثمرها في الخير والصلاح، فقد رَوى ابنُ حِبَّانَ والترمذيُّ في جامِعِه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قالَ: "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ".
الضابط الرابع: تحري الصحة
ينبغي للمؤمن أن يكون متوخيا للصدق طالبا للحق، ولا يكون كحاطب ليل يجمع الحطب ومعه الأفاعي، فكثيرا ما ينشر بعضهم أخبارا كاذبة يريد الوقيعة بين المسلمين أو الطعن في أعراضهم فيتلقفها الساذج وينشرها ليبوء بإثمها من حيث لا يعلم، غافلا عن قوله تعالى: إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون 7 .
نقل ابن كثير في تفسير الآية عن الإمام أحمد رحمه الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم، ولا تطلبوا عوراتهم، فإنه من طلب عورة أخيه المسلم، طلب الله عورته، حتى يفضحه في بيته".
فعلى المسلم إذن أن يتحرى المعلومة الصحيحة ويحرص على توثيقها وعزوها لأصحابها حتى يبرئ ساحته ويكون علميا فيما يَرِدُ عنه وما يَصدُر.
الضابط الخامس: كتمان الأسرار
لا يحسن بالفطن أن يُكشِف أوراقه في كل نادٍ ويفضح أسراره لكل بادٍ، بل التستر أمر محمود وكتمان الأسرار عند أهل التبصر أمر معهود. ترى بعضهم ينبئ –عبر الفيسبوك أو غيره-عن وجبته في الغذاء والعشاء، ويخبر عن منزله أينما غدا أو راح، فيكون بذلك فريسة سهلة المأخذ للعيون البشرية الحاسدة أو المتربصة على حد سواء.
خاتمة: جرت قاعدة بين الأصوليين مفادها: إن الوسائل تأخذ حكم المقاصد)، ونقصد بها في هذا المقام أن وسائل التواصل الاجتماعي إن وُظفت في الخير -وذلك الظن بالمؤمن-فهي خير، وإن وظفت في غير ذلك فهي إلى ذلك والعياذ بالله تعالى، عصمنا الله من الزَّلل وجنَّبنا السوء وجعلنا من المسارعين للخيرات، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
[1] لقمان: من الآية 19. \
[2] أخرجه البخاري، كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، رقم: 1.\
[3] النور: 24.\
[4] الإسراء: 36.\
[5] ينظر تفسير كل من القشيري والزمخشري في الآية.\
[6] الإحسان: ج2، ص113.\
[7] النور: 19.\
رابعا: دور مواقع التواصل الاجتماعي في تغيير القيم الأسرية: الفايس بوك أنموذجا
ملخص:
ما خلفته هذه التكنولوجيات من تغيير على مستوى القيم الأسرية، كما تسعى إلى تلمس القيم الجديدة التي جاءت مع هذا العالم لقد أدى الانفجار التكنولوجي والمعرفي الحديث إلى تغير يكاد يكون مرضيا على منظومة القيم الأسرية حيث حل الاعتماد على هذه التكنولوجيات وعلى العالم الافتراضي على قيم العلاقات الإنسانية التي تقوم عليها الأسرة، فتغيرت بذلك قيمها
ووصل هذا التغير حتى ليطال أهم وظيفة للأسرة وهي التنشئة الاجتماعية عبر الإفراط والمبالغة في الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة. لقد حل العالم الافتراضي على الأسرة بالقدر الذي غابت فيه اللقاءات الأسرية التي كانت إلى وقت ما يجتمع في أفرادها حول شخصية معينة من الأسرة، أو حول موضوع للنقاش، ببساطة داخل سقف واحد قد لا يتفاعل الأفراد إلا على نحو افتراضي، الأمر الذي يغيب معه الكثير من القيم.
مقدمة:
فرضت مواقع التواصل الاجتماعي نفسها على كل أسرة، وأهمها الفايس بوك، من أجل التواصل بتكاليف قليلة، ومن أجل التعارف وبحثا عن الأخبار والترفيه والدردشة والصداقات. وتمكنت هذه المواقع في الأسرة حتى كادت تصير بديلا عن العالم الحقيقي، وسيطرت على البعض إلى درجة الإدمان، وبدأت تهدد كثيرا من القيم الأسرية،
هذه القيم التي كانت تحرص عليها الأسرة لما لها من أهمية في لم شمل العائلة والحفاظ على أبنائها، ولعل أهم هذه القيم التي تهددها وسائل التواصل الاجتماعي بالزوال، قيمة الاجتماع في السهرة للسمر والمرح الجماعي والنقاش والتحدث، قيمة الاجتماع على مائدة الأكل قيمة الفضفضة إلى الأهل بدل الغرباء.
قيمة الزيارات في المناسبات وغير المناسبات، قيمة اللعب مع أبناء الجيران وزملاء المدرسة وأبناء الحي، قيمة عائلية مهمة وهي أن الوالدين يعرفان أصدقاء أبنائهم، ليعرفوا أخلاقهم ومدى مناسبتهم للتعامل مع أباءهم، لكن مواقع التواصل الاجتماعي جعلت الأم والأب لا يعرفان أصدقاء أبنائهما ولا محور الحديث الذي يدور بين الأبناء وهؤلاء الغرباء الذين قد يفوقونهم سنا وقد يجرونهم إلى عالم الجريمة والمخدرات والإدمان، أو الجنس…الخ. فالغرباء قد يكونون خطرا في بعض الأحيان على الطفل أو المراهق.
لقد تغيرت القيم في الأسرة وصارت لا تجتمع، لأن كل واحد منشغل بوسيلة تكنولوجية خاصة به، ففي كل غرفة تلفاز، ولكل فرد هاتف ذكي أو لوحة الكترونية مستقلة، أو كومبيوتر ثابت أو محمول، حتى الأم والأب منشغلان، فالوقت لم يعد مكرسا للعائلة أصدقاء الفايس بوك في كثير من الأحيان يأخذون من وقت الأم والأب والأبناء،
كما أن الوقت الذي تجتمع فيه الأسرة ليلا هو وقت الذروة في الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي، فلا أحد صار متفرغا للآخر، وكل واحد منشغل في عالمه الافتراضي.
-الإشكالية:
مما لا شك فيه أن التكنولوجيا قد أحدثت ثورة في قيمنا الإنسانية، فبالأمس كانت هناك مجموعة من الممارسات والسلوكيات العائلية ذات قيمة، وبالمقابل كان هناك استهجان لتصرفات وسلوكيات أخرى غير أن اقتحام التكنولوجيا لحياة الإنسان وصيرورتها جزء لا يتجزأ من احتياجاته الضرورية، جعل الكثير من القيم تتغير فما هي أهم القيم الأسرية التي غيرها الفايس بوك كوسيلة تواصل واسعة الانتشار والاستعمال؟، وكيف يمكن ترشيد استعماله من أجل حماية الأسرة والضوابط التي تحافظ عليها كمؤسسة تنشئة اجتماعية تمد الفرد بأغلب الأخلاق والمبادئ التي يعيش بها مدى حياته؟.
-مفهوم الأسرة:
لا مراء في أن الأسرة هي نواة المجتمع، والتي تنشأ برابطة زوجية بين رجل وامرأة، ليتفرع عنها الأولاد، وتظل ذات صلة وثيقة بأصول الزوجين من أجداد وجدات، وبالحواشي من إخوة وأخوات، وبالقرابة القريبة من الأحفاد والأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم.
وتعني الحماية والنصرة وظهور رابطة التلاحم القائمة على أساس العرق والدم والنسب والمصاهرة والرضاع[1].
فهي المؤسسة الأولى التي يتلقى المخلوق البشري أو الفرد فيها منذ البداية القيم والمعايير الأخلاقية التي ارتضاها المجتمع، كما أنها الوعاء التي تتشكل داخله شخصية الطفل تشكيلا فرديا واجتماعيا، ضف إلى ذلك أنها المكان الأنسب الذي تطرح فيه أفكار الآباء والكبار ليطبقها الصغار،
ولها وظيفة التنشئة الاجتماعية للطفل الذي يتعلم منها كثيرا من العمليات الخاصة بحياته مثل المهارات الخاصة بالأكل واللبس والنوم الذي يستند إليهم الكيان الاجتماعي، وتعد وحدة للتفاعل الاجتماعي المتبادلة بين الأفراد الذين يقومون بتأدية الأدوار والواجبات المتبادلة بين عناصر الأسرة، بهدف إشباع الحاجات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية لأفرادها،
وهي أول جماعة يعيش فيها الطفل ويشعر بالانتماء إليها، ومنها يتعلم كيف يتعامل مع الآخرين في سعيه لإشباع حاجاته، كما تعتبر الأسرة الوحدة الاجتماعية البنائية الأساسية في المجتمع، و تنشأ منها مختلف التجمعات الاجتماعية وتعتبر الثمرة الطبيعية للزواج والمصدر الأساسي لإشباع الحاجات البيولوجية لدى الفرد. [2]
-وظيفة الأسرة:
يمكن القول بأن الأسرة تعبر عن نظام اجتماعي وضرورة حتمية لبقاء الجنس البشري ودوام الوجود الاجتماعي، ولقد أودع الله عز وجل في الإنسان هذه الضرورة بصفة فطرية لتحيق ذلك بفضل اجتماع كائن لا غنى لأحدهما عن الأخر وهما المرأة والرجل كأساس تكوينهما. [3]
لا تقتصر وظيفة الأسرة على دور الإنجاب والمحافظة على استمرار وبقاء النوع الاجتماعي فقط، وإنما يتعدى دورها ذلك إلى عمليات إدماج الأبناء في المجتمع، وغرس العادات والقيم في الأبناء، أي قيامها بالتطبيع الاجتماعي للأبناء وفق المعايير التي ارتضاها المجتمع.
فمن واجب الأبوين تلبية الحاجيات التي تتيح لهم النمو الجسماني والنضج النفسي والاجتماعي حتى يتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم مستقبلا، ولكن قد لا يلبي الأبوين احتياجات الأبناء بكل أشكالها في كل الأوقات، ولكن ليس من حق أي منا أن يكون تأثيره على الطفل تأثيرا سلبيا باستخدامه للحق التربوي. [4]
ومن الأكيد أن للأسرة دورا كبيرا في تربية الأبناء وفقما ينسجم والمعايير والقيم الاجتماعية للمجتمع أي للأسرة دور في إدماج أعضائها في الجماعة أو المجتمع. ومن أهم الوظائف التي تقوم بها الأسرة هي الإرضاع الطبيعي والختان والتطعيم وشهادة الميلاد والتعليم وهو حق الطفل في اكتساب المهارات،
فأي تربية لا تكتمل دون ولوج الأبناء في الأسرة للتعلم، وما يكتسبه الطفل من مهارات وقيم ثقافية وإنسانية أثناء التعليم لا يمكن أن يكتسبه في مكان أخر، بل إن تهذيب السلوك وغرس القيم الاجتماعية والدينية والأخلاقية في نفوس النشء تساهم فيه المؤسسة التعليمية بصورة أكثر.
غرس قيم الانتماء: وتعد من الحقوق الخاصة بالإنسان في المراحل الأولى من حياة النشء والشباب على أبويه أولا، بان يزرعا لديه قيم روحية وأخلاقية ايجابية، وتعريفه بدينه وتنمي قيم اعتزازه بوطنه وحبه له، وتكرس الهوية الوطنية عند النشء والشباب.
وكذا نجد الأمر أيضا ملزما للأبوين في تعزيز وتنمية أي سلوك ايجابي يحافظ ويعزز من قيم الانتماء الوطني، كونهما القدوة، من خلال ممارستهما للسلوكيات الايجابية.
وهنا بالذات لا تقع المسئولية على الأسرة أو الأبوين، وإنما نجدها مسؤولية جماعية تتحمل فيها المؤسسات الرسمية في الدولة جزءا من المسؤولية، فتنمية عملية الانتماء الوطني والهوية الوطنية تكون ضمن أولويات وزارة التربية والتعليم والإعلام بمختلف مؤسساتها والشباب والرياضة، من خلال تجسيد النماذج الوطنية وصيانة مناهج تربوية وتعليمية موجهة في هذا الجانب، وكذا سياسات إعلامية تعمل على رفع درجة الاعتزاز بالهوية الوطنية والانتماء كمتطلب أساسي للتربية السليمة.
وعدم الشعور بالانتماء يجعل الشباب أكثر إحباطا ويشعرهم بحياة مستقبلية غير واضحة المعالم بل لا نغالي بالقول إن قلنا أن الشعور بالإحباط وحالة عدم التوازن النفسي لدى الشباب من متطلبات تخفيف حدته لديهم سد الفراغ في الأحلام المستقبلية.
فمن حق النشء والشباب أن توجد لديهم أحلام خاصة لديهم في هذه المرحلة العمرية، والتي تمثل في نظرنا حالة صحية أن يتقمص فيها الفرد النماذج والقدوة الخاصة به كل بحسب ميوله وتوجهاته الخاصة، كمحاولة تقليد النجوم والمشاهير من الشعراء والثوار والرموز الاجتماعية، ومن الضروري إتاحة الفرصة لهم
بذلك، بل ومساعدتهم عليه وفق برامج موجهة ونموذجية، بدلا من ترك هذه الفجوة لمتقمصات غير صحيحة قد تؤدي بهم إلى التيه والانحراف عن المسار الصحي. [5]
الإعلام والأسرة:
قد يكون من الصعوبة بمكان دراسة موضوع الإعلام دون تسليط الضوء على تأثيره الاجتماعي والثقافي، وخصوصا أن الإعلام عرف تطورا تكنولوجيا كبيرا وسريعا مصحوبا بوسائل متعددة ومتنوعة، مكنه من التفوق على مؤسساتنا التعليمية والتربوية، والقيام بدور المربي والموجه بالموازاة مع الأسرة، بل أحيانا كثيرة مختطفا لدور الأسرة،
مما أدى إلى صعوبة التحكم في فاعلية القيم والعادات المحلية الضابطة لحركة الأفراد والمجتمع، كان لها اثر الإقصاء والتجميد أحيانا للقوانين والأعراف الأسرية المتوارثة، لقد تسبب الإعلام في استبعاد رموز المجتمع بفرض رموزه الخاصة في ضوء رسالة موجهة تجاه المتلقي لا تتسم دوما بالنفع في توجيه السلوكيات للعمل على تطوير المهارات.[6]
من هنا يبرز دور الإعلام في مجتمعنا العربي الذي لم يقدم الكثير في ثورة المعلومات والاتصالات هذه، بقدر ما كان مستهلكا ومستوردا لهذه التقنيات، فان هذه العلاقة المتكاملة بين الإعلام والمجتمع تضعنا أمام إشكالية نوعية المواد الإعلامية المقدمة حسب الوسائل الإعلامية، فأمام هذا التدفق الهائل من المعلومات عبر الأقمار الصناعية والانترنيت والتي تجاوز حدود ما تستطيع الدول والحكومات أن تتحكم به،
مما زاد من أهمية وخطورة وسائل الإعلام في المجتمعات العربية، وتعاظم قدرها عل التأثير على الأفراد والجماعات سلبا كان هذا التأثير أو إيجابا، خاصة ونحن نشهد في الوقت الراهن تحديات تواجه الأمة العربية سواء على المستوى السياسي أو المستوى الفكري أو المستوى الاقتصادي والاجتماعي تفرض علينا البحث وتسخير كافة إمكانياتنا ووسائلنا لمواجهة هذه التحديات الخطيرة، ليكون الإعلام سلاحا فعالا في معركة البناء والتنمية بما يخدم قضايانا ويطرح رؤيتنا وفكرنا وحضارتنا إلى شتى أنحاء الأرض،
مما يضعنا أمام الواقع العربي المعاصر الذي يحتاج إلى الكثير من الدراسة والتحليل من حيث حجمه وسماته.
إن الأسرة أهم الجماعات الإنسانية وأعظمها تأثيرا في حياة الفرد والمجتمع، لذا نالت اهتمام اغلب الباحثين، فالأسرة نواة المجتمع ينمو في رحابها الصغار حتى يبلغون مرحلة البلوغ والنضج، ومنذ ولادة الطفل يتلقى خلاصة الخبرة من أسرته وبفضل رعاية أسرته له صحيا واجتماعيا وثقافيا يشب وينمو وتكتمل قدراته الذهنية، ولقد عرفت المجتمعات بأشكالها المختلفة الحياة الزوجية والحياة الأسرية،
فالأسرة بمفهومها الاجتماعي تعمل على استمرار بقائها ورسوخها واستقرارها عن طريق استمرار العلاقات الاجتماعية والثقافية، ومن خلال التعليم والتدريب، وتنظم الأسرة سلوك النشء وتراقب علاقاته بغيره من أفراد المجتمع.
بناء على ذلك يولي الباحثون أهمية خاصة للإعلام ودوره المنشود اتجاه الأسرة خاصة والمجتمع عامة، وأختلف علماء الاجتماع والإعلام في تحديد أثر وظائف وسائل الإعلام على الأسرة باعتبارها أولى مراحل التنشئة الاجتماعية للطفل من خلال المضامين الإعلامية وأثر وسائلها ولذلك نجد فريقين كلا منهما يفسر دور هذه الوسائل في التنشئة الاجتماعية وعلاقتها بالأسرة كالآتي:
_ هناك فريق: يعتبر وسائل الإعلام أداة تربوية تعليمية، وانه يزيد من قدرات الأطفال فكريا وثقافيا ويرى أنه يكسب الأطفال عادات وقيم مرغوبا بها، ويذهب بعضهم إلى الاعتقاد بان وسائل الإعلام تشكل رابطة أسرية هامة، وإنها لا تشكل خطرا يهدد حياة الأسرة، كما ترى بعض الأمهات أن التلفزيون يشكل عامل تنظيم داخل الأسرة، فهو أحد أساليب الضبط والتوجيه التربوي داخل الأسرة، وفي ذلك يقول الدكتور مصطفى احمد تركي: "إن الأسرة تنازلت عن بعض أدوارها الاجتماعية للتلفزيون"[7].
إن علماء الاجتماع والإعلام ينظرون إلى الدور الوظيفي لوسائل الإعلام في مجال إعلام الطفل فان تزويد الأطفال بالإخبار وما يحدث في العالم يكون لديهم حصيلة معرفية بالغة الأهمية تجعلهم يواكبون عصرهم ولا يتخلفون عنه،
وأيضا في ظل وصول إرسال بعض قنوات تلفزيونية العالمية والانترنيت إلى الأفراد مباشرة وعن طريق تقديم الأخبار الأكثر أهمية التي تلمس مشاكله واحتياجاته حتى يجد فيها الأمن والطمأنينة حتى الحماية التي تحد من الآثار السلبية المتوقعة من وسائل الإعلام المختلفة. [8]
_ هناك بعض العلماء ينظرون إلى أن ثورة تكنولوجيا الاتصال متمثلة بالبث المباشر والانترنيت أدت إلى خلخلة العديد من المفاهيم التي تربط الأسرة الواحد بوصفها أداة استلاب وقهر ثقافي وتربوي وهم يركزون على مخاطر البرامج التلفزيونية وعلى أثارها السلبية في عقول الأطفال، في ظل ما يعتري الأسرة العربية من تفكك وتراجع مستوى السلبية في عقول الأطفال،
في ظل ما يعتري الأسرة العربية من تفكك وتراجع مستوى السلطة الأبوية إلى جانب العديد من مظاهر الفشل في النظام التعليمي سواء من حيث فقر المحتوى أو القصور عن ملاحقة التطورات العلمية والمعرفية، وانه قد أصبحت وسائل الاتصال الجماهيري الوافدة من خارج الحدود هي أبرز مؤسسات صناعة القيم[9]،
وأن ثمة مضامين إعلامية تريد من الشباب أن يكون سياسيا يستهلك الأطروحات الإيديولوجية والسياسية المطروحة عليه، في حين تسعى مضامين أخرى إلى أن يكون كائنا استهلاكيا مجردا في زمن الاستهلاك اللامعقول،
حيث تقوم البرامج الموجهة بقتل عقل المشاهد بمواد لا فائدة منها لتجعله في النهاية إنسانا فارغا وتحاول أن تتحكم في تصوراته ومعتقداته ليكون فردا سلبيا ومطواعا وقابلا للتوجيه وفق غايات الإمبراطورية العالمية،
وفي هذا المجال لا بد من تدخل الأهل من أجل ضبط مشاهدة أطفالهم للتلفزيون واستخدامه لوسائل الإعلام المختلفة، مع تقدير ملكات الطفل ورغباته بما يتناسب ونوعية البرامج وخصوصيتها، فلا بد من سيطرة الأهل بالتفاهم مع الأطفال على نوعية المضامين المستهلكة، ومساعدتهم في الفهم والاستيعاب، ومن ثم الاستفادة مما يشاهدونه أو يقرأه، ويمكن القول بشكل عام أن الإعلام تتحكم به طريقتين:
-الأولى رسمية وتتصل بقيم التنشئة الاجتماعية والسياسية وبمبادئ المعتقد.
-الثانية غير الرسمية وتوجه القيم الجمالية والذهنية والسلوكية وحتى كيفية التعامل مع أفراد العائلة. الإعلام هو أداة التحديث في المجتمعات النامية، والرؤية النقدية المقابلة التي تعمل على مواجهة الغزو الثقافي الغربي الذي يعد نوعا من الاستعمار الثقافي الذي يفرض القيم الغربية، فالإعلام يلعب دورا مزدوجا،
فهو يمكن أن يكون أداة للضبط الاجتماعي وأداة للتحرر في الوقت ذاته، كما انه يعبر عن الهيمنة الكونية للغرب،وفي نفس الوقت يمكن أن يكون وسيلة لإنعاش وإحياء الثقافات المحلية.
تحرص الدول الغربية على فرض الأذواق الاجتماعية الأجنبية على شعوب العالم مستهدفة خلق نمط ثقافي عالمي واحد من حيث الذوق والأسلوب والمضمون، على أن تدفق الثقافات الأجنبية داخل دول الوطن العربي لا يؤدي فحسب إلى إعاقة نمو الثقافة الوطنية بسبب انتشار الأنماط الدولية بل كثيرا ما يضيع المثقفين والمبدعين الوطنيين في منافسة غير عادلة مع منتجات ثقافة الآخر.[10]
لقد أحدث الإعلام تأثيرا كبيرا في كل مجالات الحياة وسلوكيات أفراد المجتمعات العربية الإسلامية، التي شملت الأعراف والقواعد والقيم الاجتماعية، فضلا عن ما تعرضه وسائله المتعددة من أحداث دولية بعدما جعلت من العالم قرية صغيرة، وقد نجحت السياسة الغربية بكل مقوماتها وأساليبها في توجيه دفة الإعلام نحو أهدافها الاستراتيجية المرسومة رغم تناقض أقوالها مع أفعالها،
و تعريض الأسرة العربية إلى تحديات في بناء مجتمع سليم متكامل جعلت من الإعلام ووسائله الدور المؤثر، وفي بعض الأحيان العامل الحاسم في تشكيل عادات وقيم هذه الأسر، من هذا المنطلق تتضح خطورة الوسائل الإعلامية الموجهة في اتجاه غير صحيح او سلبي نحو الملتقى، حتى لمن يجهل القراءة والكتابة، فان البرامج الإعلامية لا تقل أهمية عن دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية للفرد، فالوقت الذي يقضيه مع والديه وأسرته،
مما اثر سلبا على الفرد، رغم وجود كل الإمكانات المتاحة لاستخدام وسائل الإعلام وتسخيرها بما يخدم الأسرة في عملية بناء وتنمية المجتمع، إلا أن من دراسة واقع الإعلام العربي يتضح لنا جيلنا عدم الإسهام في استغلال هذه الأداة، الاستغلال الجيد في توجيه ومساعدة الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية، أو في عملية البناء الاجتماعي،
بل اعتمد في إعلامه سواء الإنتاج او العرض على برامج مستوردة من الغرب تعالج القضايا الاجتماعية والمشاكل الأسرية التي تتناسب مع مجتمعاتهم، وبعيدة كل البعد عن سلوكيات وعادات مجتمعنا العربي السليم، في الوقت الذي لم يدرك أو يتجاهل القائمين على الإعلام العربي الفهم الحقيقي لدور المؤسسات الإعلامية للقيام بمسؤولياتها في عملية التنشئة الاجتماعية، أو في عملية البناء الاجتماعي،
بل اعتمد في إعلامه سواء الإنتاج أو العرض على برامج مستوردة من الغرب تعالج القضايا الاجتماعية والمشاكل الأسرية التي تتناسب مع مجتمعاتهم، وبعيدة كل البعد عن سلوكيات وعادات مجتمعنا العربي المسلم،
في الوقت الذي لم يدرك أو يتجاهل القائمين على الإعلام العربي الفهم الحقيقي لدور المؤسسات الإعلامية للقيام بمسؤوليتها في عملية التنشئة وأداء رسالتها الثقافية والتربوية لتحقيق تنمية المجتمع، التي لا تكتمل إلا ببناء برامج عملية قادرة على النهوض بالأسرة، لتمكنها من بناء الشخصية الايجابية المنشودة في أبناء الأمة. [11]
نتائج الدراسة: بعد عرض نتائج الدراسة الميدانية يمكن بيان النتائج المتوصل إليها فيما يلي:
_ مواقع التواصل الاجتماعي وبالأخص الفايس بوك يأخذ الكثير من الوقت المخصص للعائلة، أخذت من وقت الأم والأب والأبناء على حد سواء،
خاصة إذا تم الدخول إليها بواسطة الهاتف الذي يسهل حمله واستعماله حتى أثناء الجلسات الأسرية، حيث يحضر الفرد في بعض الأحيان بالجسد ويغيب بالفكر والعقل اللذان يكونان في العالم الافتراضي بعيدا عما يدور في الأسرة من اهتمام وحوار.
_ يجد بعض أفراد الأسرة ما يلهيهم ويعوضهم في العالم الافتراضي، فهو بمثابة البديل عن العالم الحقيقي، يفضفضون فيه ويثبتون وجودهم ويعبرون عن آرائهم ومشاكلهم وطموحاتهم، وفيه يتسلون ويدردشون مع الأصدقاء.
_ الليل هو أوج الأوقات استعمالا لمواقع التواصل الاجتماعي وهو الوقت الذي يفترض أن يخصص للأسرة، والجلوس مع أفرادها وتفقد أحوالهم الصحية والنفسية والدراسية. ولكن الواقع أن كل واحد من أفراد الأسرة يسهر في عالمة الافتراضي مع أصدقائه الافتراضيين، كل يفضل أن يكون بمفرده، فلا رغبة في الجلسات العائلية ولا في الزيارات العائلية بين الأقارب.
_ وسائل التواصل الاجتماعي تشجع على الانطواء والعزلة والانشغال بنشاطات الكترونية، بدلا من العلاقات الطبيعية والنشاطات الاجتماعية في عالم الواقع.
_ لابد من الاستفادة من الاستفادة قدر الإمكان من خدمات الفايس بوك في التعارف والتواصل والدعوة لكل ما هو حميد ومعرفة الجديد من الأخبار المتنوعة، ولكن كل ذلك لا يجب أن يكون على حساب الأسرة والوقت المخصص لها، أو على حساب النشاطات العائلية والأسرية والمجتمعية.
إذ لا بد من الوعي في استخدام الوسائل التكنولوجية، وحماية وقتنا من الضياع وأسرنا من الإهمال واللامبالاة.
_ لابد من الانتباه والاهتمام بكل فرد في الأسرة، حتى لا يضطر للبحث في العالم الافتراضي عمن يهتم به ويسمعه ويفضفض له، فليس كل من في العالم الافتراضي أصحاب نوايا حسنة أو أصحاب قيم تتوافق وقيمنا الاسلامية.
قائمة المراجع:
1-أسعد وطفة علي: الأدوار التربوية بين الطفل والتلفزيون في المحافظة درعا دمشق مجلة العلوم الإنسانية، المجل د13، العدد الثاني مارس 1997.
2-أسعد وطفة علي: بنية السلطة وإشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1999.
3-حسن إسماعيل محمود: التنشئة السياسية، دراسة في أخبار التلفزيون، القاهرة، دار النشر للجامعات، 1997.
4-جهاد الغرام: الدور المنشود للإعلام في بناء الأسرة، واقعها الراهن وإمكانات معالجتها، مقال منشور بمجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، مجلة أكاديمية محكمة، تصدر عن جامعة محمد بوضياف المسيلة، ال عدد3، جافني، 2013.
5-عبد الله معمر، أسس التربية الأسرية للنشء والشباب، مقال منشور بمجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، مجلة أكاديمية محكمة، تصدر عن جامعة محمد بوضياف المسيلة، ال عدد3، جانفي، 2013.
6-وهبة الزحيلي:الأسرة المسلمة في العالم المعاصر دار الوعي،ط5، 2012.
[7]- وهبة الزحيلي، الأسرة المسلمة في العالم المعاصر، دار الوعي، ط5، 2012، ص19.
[8]- عبد الله معمر، أسس التربية الأسرية للنشء والشباب، مقال منشور بمجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، مجلة أكاديمية محكمة، تصدر عن جامعة محمد بوضياف المسيلة، العدد 3، جانفي، 2013، ص5.
[9]- المرجع نفسه، ص4.
[10]- المرجع نفسه، ص7.
[11]- المرجع نفسه، ص12.
[12]- جهاد الغرام، الدور المنشود للإعلام في بناء الأسرة، واقعها الراهن وإمكانات معالجتها، مقال منشور بمجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، مجلة أكاديمية محكمة، تصدر عن جامعة محمد بوضياف المسيلة، العدد 3، جانفي 2013، ص27.
[13]- أسعد وطفة علي، الأدوار التربوية بين الطفل والتلفزيون في المحافظة درعا دمشق، مجلة العلوم الإنسانية، المجلد 13، العدد الثاني، مارس 1997، ص83.
[14] -حسن إسماعيل محمود، التنشئة السياسية، دراسة في أخبار التلفزيون، القاهرة، دار النشر للجامعات، 1997، ص104.
[15]- أسعد وطفة علي، بنية السلطة وإشكالية التسلط التربوي في الوطن العربي، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، 1999، ص24.
[16] -جهاد الغرام، مرجع سابق، ص30
[17] -جهاد الغرام، مرجع سابق، ص39
[18] أخرجه ابن ماجه 2/1418، حديث رقم 4245، وصححه الألباني.
[19] أخرجه البخاري 1/ 6، حديث رقم 1، ومسلم 3/1515، حديث رقم 1907.
[20] أخرجه البخاري 3/53، حديث رقم 2051، ومسلم 3/1219، حديث رقم 1599.
[21] أخرجه الترمذي، 4/ 350، حديث رقم 1977، وصححه الألباني.
[22] أخرجه البخاري 8/ 11/ حديث رقم 6018، ومسلم 1/ 68، حديث رقم 47.
[23] أخرجه الحاكم 4/ 341، حديث رقم 7846، وقال: «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ» ووافقه الذهبي.
[24] أخرجه الترمذي 4/612، حديث رقم 2416، وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، والرواية أخرجها البزار في مسنده، 4/ 266، حديث رقم 1435.
[25] أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، 1/ 48، حديث رقم 148.
[26] أخرجه البخاري 8/ 100، حديث رقم 6477 ، ومسلم 4/ 2290، حديث رقم 2988.
[27] ينظر: ضوابط الدردشة على الإنترنت، عبد الله الفقيه، وفتوى الشات والمحادثة، مصطفى ديب البغا، وحكم تخاطب الجنسين على الإنترنت، محمد صالح المنجد، وحديث الجنسين على الإنترنت، أحمد الحجي الكردي، وضوابط التواصل بين الجنسين عبر الإنترنت، سلمان العودة.
*حقوق النشر محفوظة لمؤلف البحث الدكتور عادل عامر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.