نشر في بقلم ضياء حسني ضياء حسني تمر علينا اليوم الذكرى التاسعة لسندريلا السينما المصرية أنها " السفيرة العزيزة " على قلوبنا سفيرة المرح و الدراما و الأداء التمثيلي و التي نقلت فن التمثيل لمرحلة مختلفة في الأداء لذا فأنها تعتبر مرحلة هامة من مراحل التمثيل السينمائي المصري و العربي ، فما قبل سعاد حسني شيء و ما بعدها شيء أخر ..... و أن كان ما بعد رحليها هو خواء بلا ملامح . سعاد حسني هي تلك الفتاة الصغيرة التي أكتشفها عبد الرحمن الخميسي و قدمها للسينما مع فيلم حسن و نعيمة من إخراج بركات لتصعد سلم النجومية بسرعة خارقة و تدخل قلب الشعب المصري الذي خلع عليها الكثير من الألقاب و الصفات. سعاد حسنى ليست مجرد ممثلة شاملة عبرت سماء السينما المصرية بنجوميتها لتضيء مثل الشهب قبل أن تحترق، و لكنها ظاهرة نقلت الأداء التمثيلي من مرحلة لمرحلة و عبرت عن التحول الحادث للمرأة المصرية عبر تقديم صورتها على الشاشة . في عام 1959 عام خروج فيلم حسن و نعيمة شهدت السينما المصرية فيلمان يعدان انعطافا في صورة المرأة المصرية على شاشة السينما ، فيلم أنا حرة من إخراج صلاح أبو سيف ، و دعاء الكروان من إخراج هنري بركات . البطلة في الفيلم الأول تبحث عن دور لها في المجتمع وترفض وصاية الأفكار التقليدية التي كانت تحصر دور المرأة في كونها أداة متعة للرجل و وسيلة لإنجاب الذرية الصالحة و السهر على راحة الذكر و خدمته... الخ، و أن كان الفيلم قد تناول القضية بشكل خطابي مشابه للمسرح المدرسي ، الثاني عن قصة الفتاة البدوية التي فقدت أختها حياتها لتفريطها في شرفها لمن تحب و مع ذلك انجرفت هي الأخرى لأحضان من كان سبب في موت أختها و هو ما أدي للنهاية المأسوية المعروفة لقصة طه حسين الشهيرة. لقد كانت السينما المصرية في ذلك الوقت تفتح باب جديد لصورة المرأة على الشاشة يتم من خلاله كسر الكثير من المحرمات التي كانت تعتبرها رقابة ما قبل الثورة من المحرمات و الكبائر ، كان فيلم حسن و نعيمة هو أحد الأفلام القلائل في تاريخ السينما المصرية الذي كانت بطلتها فلاحة من الريف المصري، من بعد ليلي مراد في دور الفلاحة المزيفة من خلال فيلم "ليلى بنت الريف " أمام أنور وجدي ، و الفلاحة الكوميدية راقية إبراهيم في زينب الكاتب محمد حسين هيكل و الذي قدمها محمد كريم للسينما ثاني مرة في فيلم بنفس العنوان ، و كوميدية فلاحة محمد كريم، الذي كان يقوم بغسل البقر و الجاموس قبل الظهور أمام الكاميرا، أتت من أنها كانت فلاحة أوربية مع ملامح راقية إبراهيم اليهودية ذات الملامح الأوربية ، بالإضافة إلي عبارة زينب الشهيرة ( إلي مالوش أهل الحكومة هي أهله ) و التي أضحكت الأجيال التالية مليء شدقيها حتى اليوم ، كان زينب فيلما عن ريف مزيف مصطنع في كل الجوانب بداية من الممثلين الذين لعبا أدور البطولة ( يحي شاهين – فريد شوقي ) صحيحي البنية كالعمالقة في وقت كان فيه الفلاح المصري يموت من الجوع مرورا بالبطلة البولندية الملامح. لكن نعيمة – سعاد حسني هي قصة فعلية يعرفها أهل الريف و تغنى في مواويلهم ، تلك الفلاحة ألتي أصرت على من تحب .... المغنواتي حسن في ريف كانت تعتبر فيه النساء هم سبايا الرجل ، لقد كانت تلك الممثلة الجديدة صغيرة الحجم سعاد حسني هي بداية لعالم جديد للمرأة المتحررة في المجتمع ، و هي على عكس زينب تنجح في تحقيق حلمها لتتواصل مع من تحب .... كانت سعاد منذ البداية تجسيد حي لما ستصير عليه المرأة في السنوات القادمة .... قبل أن تأتي الانتكاسة السلفية. المرأة صاحبة القرار في حياتها و محددة مصيرها تعود لتطل علينا من جديد في " السفيرة عزيزة " في دور أخت الجزار التي تبحث عن حقها الضائع و تجبر زوجها على استعادته عبر "كيد النساء" و لكن على العكس من كل الشخصيات التي جسدت كيد النساء في السينما المصرية ( لولا صدقي - زوزو حمدي الحكيم – زوزو ماضي – زوزو نبيل ) تعاطف الجمهور مع كيد سعاد حسني و وجده حكمة من كائن ضعيف يسعى لاستعادة حقه. ملئت سعاد حسني قلوبنا بهجة بشقوتها و ضحكاتها و غنائها في أفلامها الخفيفة و التي اختلفت فيها عن نعيمة عاكف بكونها ممثلة ترقص و تغني و ليست راقصة في سيرك أتيح لها فرصة التمثيل، فلقد كانت سعاد حسني ممثلة قديرة فلقد شعرنا بطحن الفقر مع دورها في القاهرة 30 و استهتار أبناء البشاوات في شروق و غروب ، و ذلك عندما قدمت سعاد تلك الشخصيات بصدق . كانت البنت في السينما المصرية ... و البطلة بالتحديد هي ملاك يمشي على الأرض يعاني من الشرور و الأهوال و الصعاب و لكنها تحتفظ بملائكيتها للنهاية إلي أن يعاقب ألله الشر و الأشرار و يظهر الحق و تنال البطلة الملائكية السعادة بجانب حبيبها الذي في الأغلب و الأعم يكون أبن باشا أحبها بالرغم من فقرها . عندما قدمت فاتن حمامة دور سيدة سيئة السمعة ( مجبرة بالطبع ) في فيلم طريق الأمل لعز الدين ذو الفقار كنا أمام امرأة سيئة السمعة من السوربون .... رقيقة دمثة حنونة مضحية تعلق على أحداث الفيلم بفلسفة المنفلوطي لكن مع سعاد واكبت صورة المرأة في السينما صورتها في المجتمع فلم تعد كل من تغني أو ترقص في الفيلم تقدم دور راقصة أو مغنية بل كانت سعاد الطالبة و الموظفة و الأخت تمرح و تغني و ترقص خارج جدران الكباريه و حفلات الغناء ، فقد كانت السيدات في المجتمع يخرجن و يعملن و يسافرن في رحلات مع الجامعة و مع العمل و لا يتهمهم أحد بسوء السلوك و ( السير المعوج ) لقد كانت سعاد إعلان مستمر عن امرأة المجتمع الجديد. مع زوزو جسدت سعاد طموح مجتمع بأسره مجتمع لم يعد ذكوري ... فالذكور على خط النار يجابهون العدو و النساء تعمل و تقبض مثلها مثل الرجل و تفتح بيوت وفقا للتعبير المصري الشهير ، كانت المرأة في عصر ما قبل النفط تتزوج بمشاركة زوجها في تأثيث المنزل و تساهم في مصاريف الفرح و الشقة و غيرها _ أو على الأقل – النساء المتعلمات و العاملات في المصانع و الشركات التي كانت منتشرة في ذلك الوقت- تحررت المرأة من أن تكون سلعة تذهب لمن يدفع مهر أكثر من " النوق الحمر " كما فعل عنتر مع عبلة. لذا جاء نجاح فيلم زوزو المتوسط المستوى مدويا بالرغم من أن مخرجه تطرف في عدد الراقصات في الفيلم لأنه كان يرى أن موت الراقصة حكمت فهمي على يد بلطجي أهم من نفي عرابي، و قدم الثلاثية لنجيب محفوظ و كأن تاريخ مصر يكتب في العوامات و بيوت الدعارة ، لكن زوزو التي أصرت على من تحب " الواد التقيل " و وصلت إلي حلمها و حققته كانت أقوى من ملك الرقصات مخرج الروائع ، فلقد أفتتن الجمهور بتلك الفتاة الجسورة التي تقرر مصيرها و تقف ضد التميز الطبقي بنفسها و ليس بمساعدة القدر أو بتنازل أبن الأغنياء و إصراره عليها كما كانت تفعل السينما المصرية قبل ذلك. رفعت زوزو صور فاتن حمامة و ماجدة من بهو السينما الكبير لتضع صورتها، لتحل شخصية الفتاة صاحبة القرار في مصيرها محل الملائكة المجنحة المغلوبين عن أمرهم . تحية لسعاد حسني في ذكراها ... تحية لمن قدمت لنا شخصية المرأة القوية و التي أجبرت الجميع على تتبع خطاها ، و بقت في نفوسنا بعد موتها و ستظل ، حتى و أن كنا فقدنا فعليا في المجتمع تلك المرأة التي جسدتها السندريلا.