رحل الذي ما كان يعرف معني الرحيل رحل ولن يعود فارقنا الذي ما كان يعرف معني الفراق و ترك العُش العالق بشجرة الجميز الملقية بجذورها في أعماق النيل قد كنا نتفقده وكأننا سنفقده هذا الذي كان يحفر قبره بيده كنا نراه وكأنه الطير ينظر عُشه ليراه قبل أن يحفر قبره بسكين وكأنهُ مسكينٌ أراد أن يستكين إلي الدعة ويحط عن كاهله قدرا من الطين الذي كنا نحسبه مُبللاً بالماء العليل وخليطا من دموع المساكين فإذا به نوعا من دماء الأكباد المجففة المخلوطة ببقايا تراب من قلوبِ مُحْرَقة بعدما مرت ما من بين السندال والمطرقة لترضي النفوس المُغْرقة في دماء مُحرِقة! قد كان طيرٌا هده الطيرُ والمسيرُ: أراد أن يستقيل من عناء البعرة والبعير،والبغال والحمير،وكثرة النفير وما يحمله من زفير وزفير هانت عليه الدنيا ولم ينتظر الغنائم بل تركها لكل هائم: ما بين واضح وغائم وغريق وعائم،وسط مزاحمة العمائم علي كل شيء زائل فترك الحوار للحمقى الذين لم يُفطموا عن الرضاع وما يحمله من غذاء حسبوه الجُبن والزبد لكنه كان الذي ينمي وينمو معه الخبل! وجلست الزوجة وحيدة تندب حظها العسر: يا عصفوري انبض بالحياة ولا تخفقَ/ودع النوم قبل أن تُحلقَ/وتذكر أنك كنت مغدقَا/ علي عيالِ لئلا تَغرقَ/ أخاف من بعدك ألا أوفقَ / في ظلام يكون مُطبقَ/ ولأنك كنت فينا المُصدقَ/ مررت سريعا وكأنك لم تُحدقَ! كم من أنشودة غيناها في لحن النوى/ مرت وكأنها الهوى! رفيق دربي لمَ اخترت لحن الوداع لمَ تركت درب الارتحال،وسلكت درب الرحيل،فاخترت الأبيض دون مَخيِط و تركت أسرة تعاني الشقاء والحرمان ماذا أفعل لو جاعت عيالي ماذا لو مدوا أيديهم في جيب خاوٍ ماذا لو رفعوا أيديهم لبخيل عالٍ ماذا لو تعاركوا مع أولاد جاري وماذا لو ضربهم الأب أبو المقام عالي لِمَ تركتني وحيدة أصارع الذئاب في الحواري،والأسود في البراري،والكلاب في أنصاف الليالي! والأم مازالت تعاني سكرات الموت وسط الحرمان فمن يأتيها بولدها التي كانت تُشتدُ به العيدان،وتستقوي بها السيقان التي كانت تبحث عن متصعلك يحاول أن يتسلق الجدران! وأب عجوز هرم يئن مرارة الحرمان: بعدما فقد صُحبة الابن الذي كان يُطعمه والصغار عندما يمر بائع الألبان! آه قد كانت الدنيا أماني/ ظلمت نفسي فكنت الجلاد والجاني يا أهلي يا ناسي يا خلاني:أنا لست بالميت الفقيد بل الحيُ الشهيدِ رأيت دربي فاخترت اللقاء الذي ما بعدهُ لقاءُ أنا هنا في العلياء روحي في حواصل طيور خُضرِ تُحَومُ حول عرش الرحمن لذا أودعكم وما كنت يوما أحب وداعكم أودعكما يا أمي وأبي: فلا تبكيا علي فالروح الطاهرة تصعد إلي السماء سامحاني عند دعاء الفجر عند لحن الكروان! زوجي الحنون:ما كان الهجر بيدي وما كان الفراق من طبيعتي وما كان فراغ القلوب هوايتي سامحيني عندما يرق قلبك عندما يحنو إلي العاطفة! ولدي لست صغيرا: كن رجلا كما أردتك وكفي لأن الفهم فيك طبع أصيل! الكاتب/أحمد إبراهيم مرعوه (من المقالات الفكرية للكاتب)