بقلم ضياء حسني السينما المصرية في الأغلب والأعم تدار بمنطق الموالد, والمقصود هنا ما كان يحكيه لنا أصدقاؤنا القادمون من الأقاليم عن الموالد التي كانت تقام في بلدهم ورغبة البعض في ممارسة الجديدفي تلك الاحتفالات التي كانت بالنسبة للبعض المتنفس الوحيد لسكان الريف والتي لم تكن تأتي الا سنويا, أي مرة واحدة في السنة. فكان من يرغب في ضرب بنادق الرش يجد فرصته من خلال المولد, ومن كان يريد ركوب المراجيح فان المولد يحقق له حلمه, وكما قال المصريون من قبل يالا ماهو مولد. من الطقوس التي كانت متبعة في السابق من خلال مظاهر المولد قيام أبناء الريف الفقراء بتناول أطعمة لم يكونوا يألفونها ولا يتناولونها في المعتاد, ودون الخوض في التفاصيل كانت الأسماك هي واحدة من تلك الأطعمة النادرة الحدوث في حياة الريفي في مصر في فترة زمنية سابقة لذا كان الكثيرون منهم يقدم علي تناول وجبة السمك في المولد كطقس من الطقوس المصاحبة للمولد, وكانت وجبة السمك الشهية تقدم لهم مقليا وبأسعار رخيصة في ذلك الوقت, ولكنه في الحقيقة لم يكن سمكا علي الإطلاق فأجدادنا طيبو القلب كانوا يأكلون قشر بطيخ مقليا علي أنه سمك مقلي, ونظرا لجهلهم بأنواع المأكولات البحرية كانوا يجدونه لذيذا. لعل تلك الظاهرة قد اختفت من الريف المصري ولكنها ظلت قائمة في السينما المصرية التي اعتادت سرقة الأفلام الأمريكية وتقديمها للجمهور علي أنها سمك, ولكنها في الحقيقة ليست سوي قشر بطيخ مقلي. كانت السينما المصرية معتادة علي السرقات من السينما الأمريكية منذ فيلم ليلي بنت الريف بطولة ليلي مراد وأنور وجدي مرورا ببابا أمين من إخراج يوسف شاهين وكانت الأمور بخير والكل سعيد, لكن في المرحلة الجديدة من عصر السينما المصرية وظهور المضحكين الجدد وأفلام الصيف وأفلام العيد وأفلام الاجازات تتالت السرقات لنجوم الكوميديا وظهر الجيل الجديد من السارقين الجدد مصاحبا للمضحكين الجدد. ودون الخوض بعمق في القضية سنجد نجما كبيرا ومحبوبا مثل أحمد حلمي اعتمدت نجاحاته علي العديد من الافلام المنقولة حتي لا نقول مسروقة من السينما الامريكية والتي نذكر منها كدة رضا ألف مبروك وبالرغم من قدراته الكوميدية الفائقة وحضوره الطاغي ظلت تلك الأفلام قشر بطيخ مقليا. يرجع ذلك في رأيي الشخصي, بالرغم من عدم أجازتي لمبدأ السرقة أصلا, إلي أن السارق أو الناقل أو المقتبس لم يدرك ولم يفهم مغزي الفيلم المسروق وأصبح ناقل مش فاهم حاجة. المثال الذي سنلجأ إليه لتوضيح وجهة نظرنا هو فيلم كدة رضا الذي هو عبارة عن مزج( أي سرقة مزدوجة) لتيمة تعدد الشخصية الواحدة أو ظهور نفس الممثل في العديد من الشخصيات المتشابهة وهي منقولة عن فيلمmultiplicity من إخراج هارلود راميس1996 وبطولة مايكل كيتون, والتي من خلالها يقوم أحد الاشخاص باستنساخ أكثر من نسخة من شخصيته, وهو ما استبدله الفيلم بوجود ثلاثة توائم متشابهين مثل نقاط المطر جسدهم احمد حلمي نفسه, الجزء الأخر من السرقة أو النقل( وهو الجزء الأكبر) كان فيلمMatchstickMen من إخراج ريدلي سكوت وبطولة نيكولاس كيج وسام روكويل وأليسون لوهمان. والذي يحكي عن إثنين من النصابين أحدهما متمرس وذو خبرة( نيكولاس كيدج) والذي حقق ثروة كبيرة من عمليات النصب ومساعده تحت التمرين( سام روكويل) والذي يتدرب وينفذ خطط سيده الجهنمية. يفكر المساعد في الاستيلاء علي أستاذه عبر إيهامه بأنه مريض نفسي وينجح في إقناعه بالتردد علي طبيب نفسي مزيف يحكي له أسرار حياته ليعرف منه أنه ترك زوجته وانفصل عنها وهي حامل ليستغل تلك المعلومة ويخبره بأن أبنته تحاول الاتصال به لمعرفة أباها الذي لم تشاهده في حياتها, وهنا تنسج خيوط المؤامرة حوله مستغلين مشاعر الأب التي تولدت في داخله وإحساسه لأول مرة بأن وجوده في الحياة أصبح له معني, ورغبته في تأمين مستقبل ابنته المزيفة تلك. وينجح الشريك بمساعدة الابنة المزيفة مع مجموعة من الشركاء الأخرين بإقناعه بأن ابنته في خطر فيبوح له برقم حسابه السري ويتم سرقة كل ما يملك من مال. فيلم كدة رضا لعب علي تشابه الاخوة واستخدامهم لهذا التشابه في النصب علي الناس, ثم تظهر شخصية الطبيب النفسي الموجودة في الفيلم الاجنبي حيث يعالج عنده أحد الاخوة ويبوح له بسر الاخوة الثلاثة, وتظهر لهم شخصية نسائية يقع الثلاثة في حبها فتنصب عليهم وتسرق منهم ثروتهم التي كونوها من عمليات النصب بالتحالف مع الطبيب النفسي الذي كان يمدها بالمعلومات عنهم, طبعا لا نعرف كيف يذهب نصاب للطبيب النفسي وهو أمر نادر الحدوث في مصر حتي مع أبناء الطبقات الغنية فالطبيب النفسي رمز للجنون في ثقافتنا, لكن لا يهم, أما ما لا يصدق هو تحول الاخوة النصابين الي ملائكة عندما يقدمون ثروتهم حتي تعالج حبيبتهم والدتها خارج مصر وكأننا أمام فيلم ميلودرامي لعبد الحليم حافظ. المهم ينجح النصابون الثلاثة في استعادة أموالهم من الدكتور النفسي والفتاة المتعاونة معه ويستردون ثروتهم بعد اعطاء شركائهم نصيبهم ويتبقي لهم ما اغتصبوه من البنك عن طريق خداع البنك بسحب فلوسهم ثلاث مرات في نفس الوقت من عدة أفرع( معالجة شديدة البلاهة) في الفيلم الامريكي يقابل أستاذ النصب( نيكولاس كيدج) بالصدفة الفتاة التي أدعت انها ابنته دون أن يشتبك معها لتخبره بأنها لم تحصل علي نصيبها لأنه تم النصب عليها من قبل شركائها ويتركها ترحل لنكتشف في نهاية الفيلم أنه فقد ثروته التي كونها من النصب ولكنه نجح في الزواج والحياة بشكل طبيعي بعيدا عن ماضي النصب وزوجته تنتظر مولودا جديدا. في حين أن سارق أو كاتب الفيلم جعل النصابين يرحلون بثروة النصب لتكوين حياة جديدة بشطارتهم و(حداقتهم وفهلوتهم) وهو شعار المرحلة( المهم يبقي معاك فلوس مش مهم جايبها منين) هذا الفهم القاصر للعمل المسروق جعل الفيلم سما موضوعا في العسل به الكثير من القفشات والضحكات المبنية علي سوء التفاهم التي من حظ صناع السينما مازالت تضحك الكثيرين في مصر بالرغم من انقراضها وعدم وجودها إلا في المتحف في كافة انحاء العالم, مقدما من خلالها محتوي سخيفا ولا أخلاقيا. ومازال البعض منا يستسيغ طعم قشر البطيخ ويجده سمكا فعليا وفي ظل مولد السينما المصرية يصرخ الجميع في وجهك ما دام أنا راضي والجمهور راضي مالك ومالنا بقي أنت يا ناقد وفي مقولة أخري ياناقم. ومن الواضح ان حب السينما أو دراستها هو الباب للاطلاع علي المزيد من الأفلام الامريكية التي هي مغارة علي بابا التي تنهب بلا حساب ليصبح الجميع كتابا وفنانين وكل سنة وأنتم طيبين وكدة رضا.