بقلم إيمان حجازي فى الآونة الأخيرة , أعتقد أنه فى العقدين الأخيرين أو ربما الثلاثة , تغيرت الحياة كثيرا , أعتقد أنها أصبحت أكثر عنفا ,, نعم أصبحت أكثر سرعة , وكأن السرعة أفقدت الإنسان الروية , وكأن البطىء فى الحركة كان يعطى الإنسان فرصة كى يتأمل وينظر ويعتبر ويخطط ويقرر ماذا يجب عليه أن يفعل ... ولكن السرعة لم تعد تعطى له كل هذا الوقت فلم يعد الإنسان فاعلا وإنما أصبحت الحياة تفعل فيه وبه الكثير والكثير بينما هو لم يعد له لاحول ولا قوة , حتى لم يعد قادرا على ردءا ما يصيبه من الأحداث , لم يعد لديه الوقت ولا القدرة على الدفاع عن نفسه , وترك مبادؤه تهان وتنتهك ,, بل ترك نفسه ريشة فى مهب الريح ,, حتى أصبح لا يكترث لشىء ولا بشىء , أصبح كأنه ثور فى ساقية قد غطو عينيه وشدو وثاقه ولكز أحدهم مأخرته فهم سيرا وسيرا وأخذ يلف ويلف بدون توقف , وإذا أصابه التعب , وركن ليستريح تأتيه لكزة عنيفة تحثه على الإستمرار ,, وهكذا أصبحت حياته بدون توقف , بدون تفكير , دون تأمل ,,,, وليس من الغريب أن يصاب بالإكتئاب , وأن يفقد الإحساس , ليس فقط بمعاناة الناس وإنما بمعاناته الشخصية , فلم يعد يدرك أنه فى مأساة حقيقية , لم يدرك أن عليه أن يفيق , أن يعود الى سابق عهده , أن يكون إنسان مرة أخرى ... يكفيه الزمن الذى عاش فيه كحيوان معصوب العينين مساق فى ساقية الحياة والتى أصابته بفقد أكيد لإنسانيته ... والذى كان من أهم مظاهره أن ماتت فيه النخوة فلم يعد يهب لنجدة المحتاج ,, أن إنتحر فيه الضمير فلم يعد يميز بين الحلال والحرام ,, أصبح منتهكا للحرمات , آكلا للسحت , شامتا فى العدو , متمنيا الشر للصديق , غير مراع لحقوق الجوار ولا الدين ولا الأعراف والأكثر من هذا ,, والذى يسترعى الإنتباه , أن ظاهرة العنف وإنعدام الإحساس بالواقع أو بالغير لم تعد ظاهرة فردية وإنما أصبحت ظاهرة عامة , فهى تنتشر إنتشار النار فى الهشيم فى البيت والشارع والمكتب والمصلحة , ويروج لها الإعلام بشكل صارخ ملتوى وكأنه يحاربها ولكنه فى حقيقة الأمر يغذيها ويدعمها بكثير من الإبتكارات التى يستغلها الناشئون أو المبتدئون في إستعمال العنف ,, وأصبحنا نرى عندنا فى مصر ما يسمى بسينما العنف والإعتداءات والإنتهاكات والتى يحتل فيها اللون الدموى الأحمر القاتم المساحات الكبيرة فقد أصبح هو البطل الوحيد والإبن الشرعى لعنف اللقطات بين كافة المشتركين فى الفيلم سواء أبطال أو مجاميع ,, يسانده فى ذلك الأصوات التى تنبعث من جراء الأفعال الحادة المتصارعة فى عراك مسبب أو غير مسبب ,,, مبرر أو بدون , ويبدو أن المخرج والمؤلف وحتى الممثلين لا يهتمو بمعقولية المشهد ومقبوليته بقدر الإجادة التى تصل الى حد المبالغة وتزيد , وكأن الكل يعبر عن حالة داخلية كامنة من الكبت والتى يحدث لها إنفراجة مفاجئة فى مخاض غريب يعلن عن ميلاد لحظة عنف جديدة ومواقف توائم عنيفة وللحق لم يعد الشارع ورجل الشارع وحده هو من يتسم بالعنف , وكذلك ليست السينما وحدها هى الصناعة التى تتبنى العنف ,, وإنما أصبح العنف ثقافة تنتشر وتعم ويتعامل بها المثقف والعادى , المتعلم وغير ذلك , رجل الأعمال ورجل الصناعة , رجل السياسة ورجل الصحافة , والأكثر إستعمالا للعنف أصبح رجل الشرطة فالكل أصبح متمرسا فى إستخدام العنف وأدواته , والجميع يطوعونه لخدمتهم الخاصة ,, وأصبحنا نعانى ونعانى من كثير وكثير من مظاهر العنف وإمتلأت حياتنا وصفحات جرائدنا ونشرات أخبارنا بأسماء وأشكال وصور مختلفة لضحايا العنف لم يميز العنف بين مجال ومجال , ولا مقال ومقال ... فلدينا العنف الأسرى الذى يظهر فى جحود الأبناء لآبائهم أو العكس ,, يبدو العنف واضحا بين الطوائف أو المذاهب الدينية , فتغيير العقيدة يقابل بالعنف , إستخدام موظف لسلطته فى ايقاف بناء مبنى ما يقابل بالعنف ,رفض فلانة الزواج من فلان أو الإستمرار معه يقابل بالعنف , رفض الجمهور لترشيح أحدهم للإنتخابات يقابل بالعنف , وفى الطرقات كثيرا من العنف , وكثيرا من الحوادث ولا أحد يعتذر , ولا أحد يعترف بخطأ ... الكل محق , والجحيم هم الاخرون... والسؤال الذى يبقى ويطرح نفسه على العقل والنفس والضمير ... الى أين والى متى نستمر على هذا النحو ؟؟؟... أعتقد أن قابيل قد ندم على فعلته الشنعاء وتمنى ألا يكون قد فعلها , لو كان يدرى أنه سيتحمل وزر كل هذه الأعمال العنيفة التى فى إزدياد ومضاعفة لكان فكر 1000 مرة قبل أن يأتى تلك الفعلة التى جعلته رسول القتل منذ بدأ الخليقة وصاحب أول جريمة فى تاريخ البشرية , والتى سيظل الى النهاية حاملا رايتها ووزرها , متحملا بكافة أعبائها لأنه من إستنها وفرضها لتغذية غريزة الغدر والإنتقام العنيف بين الأخوة فى لحظة غباء ينسى فيها بنى آدم أخوته وحقوقهم ولا يتذكر فيها إلا نفسه ولا يسمع فيها إلا صوت شيطانه الذى يوجهه أن إفعل , أن إفعل الشر , إنتهج الجريمة , إفتعل المآسى والأحزان , وبارك الدموع والفرقة والتفرقة , أن أنشر الحروب والطمع وكل ما هو جدير ببتر الرحمة فى القلوب , أن إطعن قلب الحب بخنجر مسموم يقضى عليه , ينهى حياته , فلا يعود فى حياتنا للون الأحمر الدال على الحب الملتهب وجود , وإنما يعبر اللون الأحمر عن الدم , دم الأخوة , دم يراق للإذلال و المهانة صعب علينا ونحن بلد الأمان والسلام , الذى قال فيها المولى جل وعلى ... إدخلوها بسلام آمنين ,,, صعب أن يكون هذا حالها وحالنا ,,,, أما لهذا الضياع من نهاية ؟؟؟ أما لهذه الفرقة من إئتلاف ؟؟؟ أما لهذه الغربة من رجوع وإجتماع ؟؟؟ فلنسأل أنفسنا من المستفيد ,, ومن المتضرر ؟؟؟ من غيرنا المتضرر ؟؟؟ لا أحد أما عن المستفيد ... فالله تعالى أعلى وأعلم ... ربما نحن نعلم ... فحسبنا الله ونعم الوكيل فيمن يريد لهذا المجتمع الضرر ... هذا المجتمع المغيب الذى يستجيب سريعا للأفكار الهوجاء سواء الدينية منها أو السياسية أو الإجتماعية أو غيرها ,, هذا المجتمع سليم النية العفوى والذى صح فيه قول عمرو بن العاص أنه يمكن إتخاذ منه خير أجناد الأرض غير أنه مجتمع تجمعه طبلة ومزمار و ناى ويفرقه عصى فكفانا رقص على طبول غيرنا , وكفانا إحياءا لأفراح وليالى غيرنا وكفانا تحملا وإستعذابا للعصى