بقلم مصطفى الغزاوي على طريق صلاح سالم إلى جوار أبراج قلعة صلاح الدين بالقاهرة، منحدر بمجرد أن تنهيه وتصل إلى أدنى نقطة فيه وتترك السيارة بدون تعشيق، حتى تعكس السيارة حركتها صاعدة المنحدر عكس قوانين الطبيعة. البعض يحيل الأمر إلى وجود قوة مغناطيسية، وكان يمكن رصدها بوسائل أخرى إن كانت موجودة. والبعض الآخر يحيل الظاهرة إلى وجود تركيب جيولوجي يقع فيه المنحدر الظاهر على منحدر آخر عكسي. والظاهرة لا تخلو شعبيا من الإحالة إلى الجن والعفاريت، هروبا من عجز التفسير. هذا واقعنا الحالي، نحن نصر على صعود منحدر ونفسره بتأويلات لا علاقة لها بالإرادة ولا بالعلم، وكأننا نحيا في كوكب القرود، أو احتلت القرود كوكبنا، ولسنا من البشر، وكأن هناك غزوة "من وهم الخلافة" تسعى أن تطيح بمن خلق الله من بشر فوق أرض مصر، خارجها. أعرض هنا لرأي اثنين من الأصدقاء حول جوهر الخلاف في مصر، ولأن الآراء لا تكفي فسأعرض لموقفين في واقعة محددة، إيضاحا لما نحن مقبلون عليه. قال الأستاذ محمد عبدالكريم المحامي، إن جوهر الخلاف بين الجمهورية والخلافة الإسلامية أن الصراع الآن بين حقيقة تحاول أن تتمكن من مكانها فوق أرض مصر "الجمهورية"، ومكوناتها ثلاثة: "الشعب" مصدر السلطة، و "تكافؤ الفرصة" بين أبنائه وهي العنصر الثاني المكون لمعني الجمهورية وعنصرها الثالث هو "جيش وطني قوي" يعي أن الوطنية ليست مجرد مواجهة الخطر الخارجي المسلح ولكن للأخطار الخارجية استراتيجيات، تملك الأدوات الأعمق من السلاح ومن مجرد الحرب. وطرف الصراع الآخر فكرة "الخلافة"، جاءت من كهوف لم تقرأ التاريخ، حتى تاريخ الخلافة، ولكنها تهرب من واقع حياتي معاصر يتطلب إمكانات ورقيا وعلما وتجددا في المفاهيم وخروجا من غياهب التنظيمات السرية وقوانينها، إلى استدعاء لتاريخ لا تملكه وحدها بل تملكه البشرية كلها والعرب جميعا، هم يحاولون صعود منحدر حضاري يدفعوننا إليه. هروب إلى الأمام وليس تحمل لمسؤوليات واقعة أمام الأعين والإرادة، بعد أن سرقوا الثورة، يغتالون الجمهورية، وكل الخلافات الجارية هي مظهر من مظاهر الاغتيال. وتدخل المهندس محمد السباعي في الحوار مبديا رأيه "Top of Formحين يظن البعض أننا ندفع بصخرة الوطن في منحدر الصعود فإننا أمام من يرى الوطن "صخرة" ويرى طريق الصعود "منحدر" وأعتقد أن من أطلق هذا التشبيه، قد خانه التعبير فلا يمكن شرح السقوط الحر بمعادلات قانون الطفو فالسقوط الحر يرتبط بعجلة الجاذبية الأرضية بينما قانون الطفو يتعلق بحجم الجسم الطافي وكثافة المائع. وعلى ذكر المائع فإننا أمام مائع عالي اللزوجة يدفعنا للتفكير في قوانين حركة الموائع والعلاقة العكسية بين الضغط والحجم ودرجة الحرارة. الواقع يشير أن الضغط يقع فقط على الشعب وتُمارِس فنونه ببراعة الإغواء والتصيد من كافة الأطراف التي تملك منابر نظامية كانت أو شعبية أو تحت الطلب وكلما يزيد الضغط يقل الحجم وتقل درجة الحرارة لكن السرعة تزيد، والسرعة هي معدل تغير المسافة هي حركة في اتجاه، ومن الصعب التصور أن الاتجاه هو منحدر الصعود!! والحقيقة أنها حركة بلا اتجاه فقط تحفيز لعناصر متحركة تتطاير بعشوائية بطاقتها المكتسبة من الضغط وقد تصيب إليكترونا فتطرده من مداره وتحول عنصرا خاملا لعنصر نشط وقد تؤدي لانشطار أو اندماج ينتج عنه مالا يمكن احتواؤه من طاقة. وأما الحجم فهو الخدعة الحقيقية فالبالون قبل ملئه بالهواء يمكن وضعه في حقيبة صغيرة لكن وهو ممتلئ يبدو عملاقاً، وهذا حال كل ما يدور في حلقات السياسة يستغلون حيز من الفراغ بقدر ما بهم من هواء وبتسخين الهواء، يرتفع البالون ويسيطر على ما حوله لكن مع أول اختبار لتسرب الهواء الساخن من أعلى يحترق البالون ويسقط كبالون الأقصر، وبرغم أنه بالون هواء ساخن إلا أن الإعلام يقرر أنه بالون هيليوم، وبرغم أن الهيليوم غاز خامل لا يشتعل ولا يساعد على الاشتعال إلا أنهم أقنعوا الشعب أن البالون انفجر وأنه كان بالون هيليوم. المشكلة التي نواجهها ك"شعب" أننا لا نعرف الحجم الحقيقي لكل البالونات الممتلئة من حولنا ولا نراها إلا ممتلئة بالهواء ومحلقة في السماء فلا نعرف قدرة أجهزتنا السيادية لمقاومة تسريب الهواء الساخن من أعلى ولا قدرة قواتنا المسلحة في بقاء منطادها محلقاً. ونأتي لدرجة الحرارة، رفع درجة الحرارة يحتاج للطاقة فيبدو أن كل الطاقة المتوفرة يتم استخدامها في العبث بدرجة حرارة الشارع فليس كل ما يتم سرقته يتم تهريبه وبيعه في غزة. وبالنظر لحالة تميع الشارع وتعرضه للضغط والحرارة وخداعه بالحجم نجدنا أمام حوار ثنائي بين أنظمة وتنظيمات، ودون أي تحفظ أو تريث فإن تنظيم الإخوان يدفع بالمائع الأعظم نحو أممية الخلافة ويتجاوز العقبات المتتالية بتمرير قانوني أو قرارات نصف إلهية أو بالضغط في الشارع سواء بالترهيب أو استخدام العنف المباشر. ونرى النظام متمثلا في مؤسسات سيادية وفي القوات المسلحة تحاول الدفع بالمائع الأعظم نفسه للتمسك بالجمهورية في مواجهة الأممية وكلما يزيد المائع في الفوران تصدر بيانات أو إشاعات أو تصريحات تمر أو حتى يتم تكذيبها للتشكيك في "الحجم" الحقيقي للتنظيم أو للنظام وآخرها وأكثرها فجاجة هو ما قيل عن المخابرات العامة، لم تكن الفجاجة من طرف من قال فقط، بل أتت ردود الأفعال لتدين من تحدثوا بها، فيخرج بعض وكلاء الجهاز ليطمئنوا "الشعب" أن المخابرات العامة لديها كل ملفات الإخوان خاصة منظمة حماس الإخوانية وأعتقد أن هذا ليس تهديداً للإخوان بقدر ما أراه تخاذلا وإدانة لتلك الأجهزة السيادية ذاتها، فما هي تلك الملفات، ولو كانت تدين تنظيم الإخوان فكيف سمحت تلك الأجهزة لتنظيم مدان أن يصل لحكم مصر وما صلاحية هؤلاء الوكلاء لإصدار تلك التصريحات وماذا يمكن أن يحدث لو فتحت تلك الملفات؟ والأدهى هو ظهور الأجهزة السيادية والقوات المسلحة بدور "المراقب" وكأن قضية الحفاظ على الجمهورية هي قضية شعبية وليست سيادية وكأن مقاومة الأممية هي هدف جماهيري وليست حفاظا على عقيدة وطنية هي صلب بناء تلك المؤسسات. أعتقد أن صخرة الوطن تم إلقاؤها لأعلى وهي في حالة سقوط حر ما بين خلافة مصطنعة وبين جمهورية منكسرة وكلما سقطت بينهما يتم إلقاؤها مرة أخرى وأثناء صعودها وهبوطها يستمر العبث بتميع الشارع. حوار أطرافه ترى الواقع وتتلمس حدود المسؤولية، وبلغ الأمر التفكير في دعوة لتأسيس "حركة حماية الجمهورية". هي محاولة لتجاوز التفاصيل والأطراف المتعددة والتي لا يمنح الواقع وتاريخ السنوات الممتدة منذ إعلان الجمهورية في يونيو 1953 لها حق الولاية عليها، فأغلب المواقف لأغلب أطراف الصراع الآن كانت منذ اللحظة الأولى لإعلان الجمهورية في موقف معاد لها، خاصة جماعة الإخوان التي كانت رهينة وراثة الخلافة العثمانية. يرى الأستاذ محمد عبدالكريم، أنه قبل إعلان الجمهورية كان الشعب يطيب له أن يكون من "عبيد إحسانات مولانا الملك"، بينما كان شعار الثورة "كلنا سيد في ظل الجمهورية"، غير أن طرح الخلافة الحالي يعيد الشعب إلى حالة الإحسان والزكاة بديلا عن ملكية السلطة ومصدرها، والتشارك في تنمية الإنتاج داخل المجتمع سبيلا لتحقيق العدالة الاجتماعية وتحت مظلة تكافؤ الفرص لكل الشعب وبدون تمييز على أساس ديني أو مذهبي. كان هذا محاولة استطلاع قد يمتد بها الحوار لتستكمل أركانها، غير أن الواقع يعطي لنا مثالا لعل به بصيص نور، وجرت وقائعه في احتفال أقامه مجلس نقابة المهندسين بيوم المهندس المصري، لن نناقش دعوة الرئيس المنتخب إلى الاحتفال وتحويله إلى مظاهرة تأييد إخوانية له، ولكن سأعرض لموقفين ولهما دلالتهما على القادم في المستقبل ومن سيتحمل مسؤوليته؟ وفارق الإدراك للذات وقيمتها. الموقف الأول من عضو مجلس النقابة مهندس عمر عبدالله والذي تولى مسؤولية ملف النقابة لعشر سنوات بجماعة الإخوان، وكان قبل الاحتفال بأسبوعين قد قدم استقالته مسببا لها "بعدم القدرة على التكيف مع متخذ القرار بالنقابة"، ثم يقبل من ذات "متخذ القرار" دعوته وتكريمه أيا كان مبرر التكريم، وأظن أن الاستقالة وقبول قرار التكريم يتناقضان لكونهما يتعارضان مع سبب الاستقالة. الموقف الثاني اتخذته مهندسة شابة تولت أمانة سر لجنة انتخابات النقابة لأول انتخابات بعد 20 عاما، وهي المهندسة سمر المرزوقي، حيث تلقت اتصالا تليفونيا لدعوتها لحضور الحفل، وطلب منها المتصل الرقم القومي لعرضه على أمن الدولة. وكان الرد على الطلب علامة فارقة من شباب جيل جديد يعي قيمته ويحترم ما لديه من معلومات، فقد أجابت بأن الطلب للرقم القومي يدل على أنكم لا تعلمون أن الرقم القومي لكل المهندسين قد تم الحصول عليه أثناء الإعداد للانتخابات وهو متوفر بالنقابة وهذا في حد ذاته مشكلة، والمشكلة الأخرى عندما ادعي كمهندسة لحفل تقيمه نقابتي لا يجري عرض أمري على أمن الدولة ليرى إن كنت أحضر أم لا، وعليه رفضت المهندسة حضور المؤتمر "للتصفيق بعد استئذان أمن الدولة". نعم في ظل الثورة والجمهورية، يدرك المؤمنون بها قيمة أنفسهم، وحقهم، تدرك أنك "سيد" ولست "عبدا" أو "تابعا". أن تكون حرا هو شعاع النور الذي يؤكد أن للمستقبل صُنَاعه، وهم أصحابه ومالكيه، وسيبقى دائما في مصر طريقا للغد مهما كان الثمن، وللطريق حراسه وجنوده، ويملكون القدرة للدفاع عن أنفسهم وأمانيهم ولا يتعاملون بالقطعة، فالأشياء عندهم مترابطة غير قابلة للانفصام ولا للتبدل أو التنازل.