تنسيق الجامعات 2025.. موقع التنسيق يفتح باب التقديم بالمرحلة الأولى    لجنة للمرور على اللجان الانتخابية بالدقهلية لبحث جاهزيتها لانتخابات الشيوخ    «طنطاوي» مديرًا و «مروة» وكيلاً ل «صحة المنيا»    سوبر ماركت التعليم    مفتي الجمهورية السابق يوجه رسائل عاجلة لأهالي البحيرة قبل إنتخابات مجلس الشيوخ    في عامها الدراسي الأول.. جامعة الفيوم الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الجامعي 2025/2026    أسعار الفاكهة والموز والمانجو بالأسواق اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 بالصاغة.. وعيار 21 الآن بعد الانخفاض الكبير    مصدر بالكهرباء: انقطاع التيار بالجيزة مستمر لحين تركيب الدوائر الجديدة    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الثلاثاء 29 يوليو 2025    محمد معيط: العام المقبل سيشهد صرف شريحتين متبقيتين بقيمة تقارب 1.2 مليار دولار لكل شريحة    تغيير في قيادة «إجيماك».. أكرم إبراهيم رئيسًا لمجلس الإدارة خلفًا لأسامة عبد الله    أخبار 24 ساعة.. انطلاق القطار الثانى لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    خروج محطة محولات جزيرة الذهب بالكامل مرة أخرى وانقطاع الكهرباء عن الجيزة    إيران ترد على ادعاء ترامب حول تدخل طهران في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة    تليجراف: ستارمر سيعلن عن خطته للاعتراف بدولة فلسطينية    الرئيس الفلسطيني يثمن نداء الرئيس السيسي للرئيس الأمريكي من أجل وقف الحرب في غزة    ارتفاع حصيلة الشهداء فى غزة إلى 59 ألفا و921 والإصابات إلى 145 ألفا و233 منذ بدء العدوان    وزير الخارجية السعودي: لا مصداقية لحديث التطبيع وسط معاناة غزة    أبو الغيط من مؤتمر نيويورك: لا سبيل إلى تحقيق السلام الإقليمي الدائم إلا بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية على حدود 67    عبور قافلة مساعدات إنسانية إلى السويداء جنوب سوريا    «مقترح أوروبي» بفرض قيود على تمويل الأبحاث الإسرائيلية    مجلس إدارة الزمالك يشكر الرئيس عبد الفتاح السيسى على موقفه الإنسانى تجاه حسن شحاتة    الأهلى يناقش تطورات عروض رحيل رضا سليم فى الميركاتو الصيفى    أحمد فتوح يتسبب بأزمة جديدة في الزمالك.. وفيريرا يرفض التعامل معه (تفاصيل)    الأهلي يضغط على نجمه من أجل الرحيل.. إبراهيم عبدالجواد يكشف    قرار مفاجئ من أحمد عبدالقادر بشأن مسيرته مع الأهلي.. إعلامي يكشف التفاصيل    تراجع طفيف في درجات الحرارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025    تشييع جثمانى طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما فى حادث على الدائرى.. صور    السيطرة على حريق كابينة كهرباء بعزبة النخل.. وعودة التيار خلال دقائق    النجاح له ألف أب!    «قد تُستخدم ضدك في المحكمة».. 7 أشياء لا تُخبر بها الذكاء الاصطناعي بعد تحذير مؤسس «ChatGPT»    ضبط 400 علبة سجائر مجهولة المصدر بمركز المنشاة فى سوهاج    حفل العيد القومى لمحافظة الإسكندرية من داخل قلعة قايتباى.. فيديو    تحولات مهنية قادمة.. حظ برج العقرب اليوم 29 يوليو    نوسة وإحسان وجميلة    تعرف على برجك اليوم 2025/7/29.. «الحمل»: تبدو عمليًا وواقعيًا.. و«الثور»: تراجع معنوي وشعور بالملل    أحمد صيام: محبة الناس واحترامهم هي الرزق الحقيقي.. والمال آخر ما يُذكر    أهم الأخبار الفنية على مدار الساعة.. الرئيس اللبنانى يمنح زياد الرحبانى وسام الأرز الوطنى رتبة كومندور.. وفاة شقيق المخرج خالد جلال.. منح ذوى القدرات الخاصة المشاركة بمهرجان الإسكندرية مجانا    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    من تنظيم مستويات السكر لتحسين الهضم.. تعرف على فوائد القرنفل الصحية    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    حزب مستقبل وطن بالبحيرة يدعم المستشفيات بأجهزة طبية    جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية تُقدم خدماتها الطبية ل 476 مواطناً    16 ميدالية، حصاد البعثة المصرية في اليوم الثاني من دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    حرائق الكهرباء عرض مستمر، اشتعال النيران بعمود إنارة بالبدرشين (صور)    في لقاء نادر، ماذا قال عمرو دياب عن زياد الرحباني؟ (فيديو)    قرار من خوسيه ريبيرو بخصوص مباراة إنبي الودية اليوم    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    "شوية مطبلاتية".. تعليق قوي من أحمد عبد القادر على أنباء فسخ تعاقده مع الأهلي    ضبط مصنع غير مرخص يعيد تعبئة زيوت طعام مستعملة ببني سويف (صور)    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    بدء الدراسة بجامعة الأقصر الأهلية.. رئيس الجامعة والمحافظ يعلنان تفاصيل البرامج الدراسية بالكليات الأربع    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    انتخابات الشيوخ بين الدعاية المفرطة.. والبرامج المجهولة!!    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ولن يتغيّر وَجْهُ النّيل ..! ...لياسمينة حسيبي جنيف‎
نشر في الواقع يوم 27 - 12 - 2011

بقلم : ياسمينة حسيبي جنيف‎
كان حُزنُه طاعنًا، وملامحه تتقمّصُ الموت الزّؤوم، نظر إلى وجهه في
المرآة ثم أسرع يُخفيه بكلتَا يديهْ خوفاً من لحظةِ ضعفٍ تجْعله يتراجعُ
عن قراره.
جلَس على السّرير وهو يحدّق في الفراغ، وبدون شعور، رسم بأصبعه خريطة
البلاد على حافة السرير، إنّه يحفظها عن ظهر قلب، بعثرها ثم أعاد رسْمَها
من جديد دون تفكير وتذكّر أَن أوّل من رسم الخريطة كان عربياّ، أحبّ مصر
كثيرًا وحدّد مصدر نهر النّيل الصّحيح على خريطة العالم.
تحَامل على نفسه وهو يتّجه ناحية دولاب الملابس، فتحه فطالعتَه الملابس
العسكرية الجميلة بِنياشينها الفضية والذهبية، أغلبها كان إرثاً من
والده يفتخر به دون حدود، إبتسم وهو يقلّبُها بين يديه، كان والده
قياديّا في الجيش برتبة لواء وشارك في حرب أكتوبر واستعادة سيناء، مات
بعد أن زرع في نفسه حبّ الوطن.
ارتدى بدلته العسكرية بتثاقل شديد وهو ينظر إلى محتويات الغرفة في لا
مبالاة، وفجأةً...وقع نظره على الصورة الكبيرة المعلّقة على الحائط
فخنقته غصّة حارقة .. كان أبوه يقف بكل اعتزاز مرتدياً بدلته العسكرية في
وسط الصورة والى يمينه جلست والدته وعلامات الرضى والفخر تضيء وجهها،
عاشت لزوجها -وبِه- ولم تكن ترى الوطن إلا من خلال عيونه، انتفض كالطير
الذبيح وهو يتذكّر موتها منذ أيّام بالمستشفى ... ثم قلّب ناظريْه في
الصورة من جديد لتُطالعه ابتسامة أخيه علاء فتنغَرز سكاكين الألم في قلبه
بقسوة، شابٌّ في مقتبل العمر تخرّج من كلية الهندسة حديثا، لم يُمهله
الظلم والاستبداد حتى يحقّق أحلامه ففارق الحياة منذ ثلاثة أسابيع متأثرا
بجروح بليغة اصيبَ بها في ميدان التحرير، وكل ذنبه انه كان يهتف " تحيا
مصر" وفي الوقت ذاته، كان حسام وفرقته (يَضْبطون) الأمور بنفس الميدان ..
لم يعلم بموت أخيه إلاّ من الصحف لكنه لم يستطع ان يأخُذ إجازة بسبب
الوضع الحرج للبلاد.
استطاع العودة إلى البيت بعد أسبوعين من الحادث ليجد والدته في المستشفى
تنازعُ الموت حزنا على أخيه، وما لبثت أن أسلمتِ الروح لبارئها بعد عودته
بأيام قليلة..
أما أخته هند فلازمت أمّها في المستشفى طوال فترة مرضها وكانت، بين الحين
والآخر، تذهب للميدان وكأنها " تتفقّد" كل أهلها هناك.
شاركت في الثورة بكل كيانها وكانت تُرافق علاء (يدا في يد) وتهتف مع
النساء : "نحن نصف الثورة وشقائق رِجالها"، في حين كان (هو) ورفاقه
الضباط ينزلون للميدان لقمع المتظاهرين بكل ضراوة ولخنق أصواتهم المنددة
بالظلم إمتثالا للأوامر العليا (ولمصلحة البلد كما كان يقول رئيسه) .
عاد الى نفسه ثم أَكمل ارتداء بدلته العسكرية ، (كان حسام ضابطا برتبة
عقيد تزين بدلته شارة عليها نسر ونجمتين).
خرج من البيت يقدّم رِجلا ويؤخّر أخرى، أوقف سيارة أجرة وطلب من السائق
أن يتّجه به الى مقرّ المجلس العسكري ، نظر اليه السائق بغضبٌ ممزوج
بتوسّل غريب ثم انطلق بسيارته دون أن ينبس بشفة.
دخل المبنى واتّجه بخطوات متردّدة الى مكتب رئيسه، طرق الباب ثم دخل ..
بادره رئيسُه بالسلام ثم أضاف :
لماذا تأخّرت يا حسام ؟ ...لقد عاد المتظاهرون من جديد الى ميدان
التحرير، خذ الفرقة واذهب إلى هناك ، لا تتركوا الأمور تستفحل، لابدّ من
إيقافهم عند حدودهم، إستعملوا كل الوسائل، انها الأوامر العليا ...
نظر حسام إلى رئيسه في صمت ثم مدّ يده بورقة مطوية بعناية .. فتحها
الضابط وفغر فاهه : إستقالة ؟
لماذا يا حسام ؟ متأسف جدا لما حصل،وأتفهم فقدانك لوالدتِكَ ولأخيكَ...
لكنّك لا تستطيع أن تستقيل الآن فالبلاد في فوضى ..
أجاب حسام بصوت حزين: لا يا سيدي، الأمر أكبر من فُقْداني لوالدتي وأخي...
أستقيل لأنني لا أريد أن " أفقِد" مصر..
أستقيل لتعود الأمور الى نصابها
وأستقيل لتنعم البلاد وينعم الشعب بالأمن والأمان..
لم ينتظر ردّ رئيسِه، أدار ظهره بعد التحية العسكرية ثم خرج كأن الأمر لم
يعد يعنيه...
كان يعلم ان استقالته ستترتّب عليها عواقب وخيمة وكان يعلم أيضًا أنها لن
تمحو آثار جراحه العميقة والتي لا ولن تندمل، لكنه أحسّ براحة نفسية وهو
يأخذ هذا القرار..!
إحتضن الشارع المليء بالناس في اتجاه الميدان ..
كان يمشي والافكار تتزاحم في رأسه، أصوات كثيرة تجمهرت في أذنيه وكانت
كلّها على نغمة ووتيرة واحدة : "تحيا مصر" ...
وصلتْ إلى أسماعه أصوات النّساء تندّد بالظلم والاستبداد وتدعو للتغيير،
تذكّر أخته هند؛ فخفق قلبه... لابدّ وأنها موجودة في هذه الجموع ..
تمنّى ان يسرج قلبه لهذي الأرض التي سُفحت عليها دماءٌ غالية ، تمنّى أن
يحتضن هذه التربة ويطير فارداً لها جناحيْه ليَحْمِيهَا.
اتّخَذ طريق كوبري قصر النيل وهو يتذكرّ المواجهات التي وقعت بين الأمن
و المتظاهرين على هذا الكوبري ثمّ اتجه بنظره إلى (وجه) النيل...
كان النيل هادئا كعادته لم يبدُ عليه أيّ تأثر بما يحدث فوقه أوعلى
جنباته ، ردّد بينه وبين نفسه (في فخر ) "ذاك هو النّيل .. كان وسيظل
صامداَ على مرّ الزمن".
أسرع الخطى الى البيت، لم يكن يلتفت لا يمنة ولا يسرى..
لم يكن يرى كلّ تلك الوجوه الحزينة والغاضبة..
لم يكن يستطيع النّظر في العيون ، وحدها المرارة كانت تلفّ روحه فلم يدرِ
كمْ من الوقت استغرق رجوعه إلى البيت ..
فتح الباب ثم دلَف مسرعا الى حجرته ، نزع بدلته العسكرية ونظر إليها "
في خََجل" ثم علّقها بعناية على المشْجب..
اغروْرقت عيناه بالدّموع فجأة...فارتمى على السرير وأخفى وجْهه في
الوسادة ثم أجهشَ كالطّفل في نوْبة بكاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.