بقلم د. رفيق حاج خيبة الأمل هي حالة يأس تصيبنا إثر توقعات صَدَرَت مِنّا. بإمكاننا جعلُ خيبة الأمل موضعية وشاملة, ام عابرة ومُزمنة. بأمكاننا ان نستخلص منها العِبَر ونستمر في شق طريقنا او نغرق بالسوداوية والكآبة والعزلة من الناس. علينا ان نُلائم طموحاتنا واحلامنا لقدراتنا وكفاءاتِنا, وإلا فإن خيبة الأمل آتية لا محالة! خيبة الأمل هي حالة نفسية-انسانية تميّزنا عن باقي الكائنات الحّية وهي شهادة على كوننا كائنات متطورة ومتفوقة على غيرها. لم اسمع حتى هذه اللحظة عن قطةٍ خاب املها لأنها لم تُفلح اليوم بالمساك بفأرٍ او حصانٍ خاب أمله لأنه خسر السباق لحصان آخر. خيبة الأمل هي حالة تصيب كل واحد منا وهي قادرة على التحول الى حالة يأس او احباط او عزلة او تشاؤم دون استئذان. خيبة الأمل تحصل عادة إثر توقعات لم تُسفر عن نتيجة توخّيناها من الأخرين او من انفسنا, وغالبا ما تكون معاكسة او مغايرة لتنبؤاتنا وتقديراتنا وحساباتنا. اذا انعدمت التوقعات من الآخرين فلا مجال لخيبة الأمل. هذا يسلّط بعض الضوء على طريقة التعامل مع هذه الحالة النفسية-الانسانية الخاصة. لست ادري, اذا كنا نستطيع قياس حجم خيبة الأمل لكن هنالك مقولة يعرفها الكل وهي "حجم خيبة الأمل كحجم التوقعات". عادة يخيب املنا من اناس نحبهم أو يهمنا أمرهم كافراد العائلة والاقارب والاصدقاء والمعارف, او من أشخاص قمنا بمساعدتهم او بخدمتهم او بالذود عنهم او بتأييدهم, لكنهم عندما وصلوا الى اهدافهم اداروا لنا ظهورهم او تجاهلونا او نَسوَنا او لم يعترفوا بمساهمتنا بذلك. يخيب أملنا من اناس قطعوا العهود امامنا ان يتواجدوا الى جنبنا وقت الحاجة, وكل ما هو مطلوب منا ان نقرع على بابهم او نهاتفهم او ان نرسل لهم رسالة صوتية, لكن حين حاولنا التحقّق من قيمتنا لديهم قوبلنا بفتور او بنظرة إشفاق واعتذار عن "عدم قدرتهم على مساعدتنا" او حلفوا اغلظ الايمان انهم مُسيّرون لا مُخيّرون. من الطريف ان خيبة الأمل ليست مقتصرة على توقعاتنا من الاشخاص فقط وانما من الجماد ايضا, فهنالك من يخيب أمله من سيارته التي دفع ثمنها باهظا لكن محركها يسخن في المرتفعات وتوقِفهُ في نصف الطريق فينزل ويشرع بركل عجلاتها, وهنالك من يخيب أمله من الشتائل التي زرعها واعتنى بها ولكنها لم تنبت زهورا يانعة كتلك التي عند جاره, او من الكعكة التي قام بتحضيرها تماما حسب الوصفة القائمة في كتاب الطهو لكنها لم تعلُ الى فوق. هناك ايضا من يخيب أمله من فريقه او حزبه او شعبه او من مشروعه الاقتصادي او من المهنة التي يزاولها او من موضوع الدراسة الذي لحق به او الرحلة التي قام بها او من البلد الذي يقطنه. على ما يبدو ان في كل الحالات المذكورة كانت هناك "توقعات" معينة لكنها لم تتحقق. وهنا قد يستنتج بعضكم بأن الطريقة المُثلى لتجنّب الوقوع في مطبات خيبة الأمل هي التوقّف عن التوقّع او النزول به الى مستويات متدنية. هكذا لن يُخيّب أملنا أحد ولن "يكسر قلبنا" أحد ولن يُفاجئنا أحد ولن يغدُر بنا أحد, لكن مراجعة ذاتية صادقة مع انفسنا قد تُسفر عن استنتاجات أخرى وهي ان مصدر خيبة الامل نابع من "حضرتنا" وليس من الجهات التي علّقنا بها الآمال. بعبارة اخرى قد يكون هنالك عُطبا ما في شخصيتنا او طريقة تفكيرنا لم نعلم بوجوده هو الذي حدا بنا الى هذه التوقعات الغير منطقية وصعبة التطبيق. قد يكون السبب وراء خيبة الأمل التي انتابتنا هو سذاجتنا وتصديقنا لكل من يعدنا بشيء او تفاؤلنا الزائد عن حدّه او ثقتنا العمياء بالأخرين او مقامرتنا على وضع "كل البيضات في سلة واحدة", او عدم تعلمنا العِبَر والدروس من اخطائنا السابقة أو عدم إلمامنا ومعرفتنا للأشخاص الذين نتعامل معهم او عدم تقدير نواياهم تجاهنا. عندما نقوم بمثل هذه المراجعات نجد اننا لم نعبأ بالإنذارات التي صادفناها ولا من التحذيرات التي وُجّهت الينا وقد قمنا بنَعتِ من قام بها بالحسد والغيرة. لقد كنا غارقين في احلامنا وتطلعاتنا ونسينا ان هنالك واقع صعب وقاسٍ وان الحياة تزخر بالإشرار والمحتالين والانتهازيين وسارقي القلوب والألباب. التوقف عن "عملية التوقع" خشية من خيبة الأمل المُحتملة لا يعني التوقف عن الحلم فقط, وانما التوقف عن العمل والثقة بالناس ومن ثم الإحباط والمقاطعة والانعزال. تسأل أحدهم لماذا تُلازم المكوث في البيت, او لماذا لم تُدلِ بصوتك في الانتخابات, او لماذا لا تشارك الناس افراحها واتراحها فيجيبك "بعد التجربة التي مررتُ بها..لا احد يستحق تأييدي!", وان سألت آخر لماذا لم تتزوج حتى اليوم فيجيبك "لا توجد انسانة في هذه الوجود جديرة بحبي وثقتي..!", وان سألته لماذا تركت العمل السياسي فيجيبك "كل الزعماء انتهازيون ويسعون لمصالحهم الشخصية..". هنالك ايضا خيبة أمل من انفسنا اثر فشل مشروعِ قمنا به او اختيارٍ غير موفّق او علاقة خائبة صمّمنا على مواصلتها, كان السبب وراؤها سذاجتنا وضحالتنا وحبنا للمغامرة. علينا ان نُلائم طموحاتنا واحلامنا لقدراتنا وكفاءاتنا وشخصيتنا, وإلا فإن خيبة الأمل اتية لا محالة. اليس واضحا اننا لا نستطيع تعلم الهندسة في الجامعة اذا لم نتخرّج من فروع علمية في المرحلة الثانوية؟ واننا لا نستطيع خوض معركة الانتخابات وعدد مؤيدينا المحتملين لا يتعدى المائة صوت؟ واننا لا نستطيع الاستثمار في البورصة اذا كنا لا نُدرك قوانينها ونتقن التعامل معها؟ هنالك طبعا من يأبى الاعتراف بانعدامه للقدرات والمواهب والمعطيات الشخصية الملائمة ويُصمم ان يخوض "المعركة" بكل ثمن, وهذا يؤدي في اغلب الاحيان الى تحطّمه على صخرة الواقع. ان شئنا ام ابينا خيبة الأمل هي حالة يأس معينة بإمكاننا جعلها "موضعية" وعابرة او شاملة ومُزمنة. بأمكاننا ان نستخلص منها النتائج والعبر ونستمر في شق طريقنا او نصبغ حياتنا بالسوداوية والكآبة والشك ونقبع في بيوتنا. لردود الفعل: [email protected]