بقلم د. عادل عامر إن الإصلاح الحقيقي للقضاء وتجاوز ما يعانيه من خلل وفساد يجب أن يرتكز على فلسفة جديدة تندرج في إطار الديمقراطية التي تقوم على فصل السلطة والتسيير الذاتي والديمقراطي لشؤون القضاء؛ أما بالنسبة لإصلاح البنايات وتحديث وسائل العمل وتحسين ظروفه فهي ليست من جوهر الإصلاح، وإنما هي من العناصر المكملة له، وبالتالي فإنه إذا انحصر الإصلاح في الجوانب الشكلية المتعلقة بسير القضاء والمحاكم دون المساس بالأسس التي يرتكز عليها فإن الغاية من الإصلاح والتي تتمثل أساسا في الاستقلال والنزاهة وبناء دولة الحق والقانون ستبقى مجرد آمال يستعصى تحقيقها. شهدت سنوات حكم المخلوع اختلالاً كبيرًا في منظومة القضاء؛ بسبب محاولات نظامه اختراق المؤسسة القضائية، وتسخيرها لصالحه كعامل يضمن بقاءه ووجوده، ومكَّنَه أصحاب النفوس الضعيفة من ذلك. واستخدم النظام البائد لعبة العصا والجزرة؛ لتحقيق غايته التي ما زالت موجودة إلى الآن بعد الثورة، فوزير العدل يمتلك العديد من الصلاحيات التي يستخدمها لإرهاب القضاة؛ ما أدى لتقديم بعضهم بلاغات ضده، بل ومطالبة البعض بإلغاء منصب وزير العدل نهائيًّا، وأن تحول صلاحياته للمجلس الأعلى للقضاء، ويبدو أن رياح ثورة 25 يناير لم تصل بعد إلى وزارة العدل، ولم تتنسمها بعد المؤسسة القضائية، خاصة بعد إصرار وزير العدل الحالي على إتباع سياسة النظام المخلوع، عندما أحال بعض القضاة إلى الصلاحية؛ بسبب تقديمهم بلاغًا ضد بعض القضاة الفاسدين، سعيًا لتطهير القضاء، وإصلاح المنظومة بما يتماشى مع سياسات ثورة 25 يناير: إن المؤسسة القضائية من أكثر المؤسسات سلامة مقارنة بمؤسسات الدولة الأخرى، ولكن يجب القضاء على أي فساد داخلها. ضرورة فحص البلاغات المقدمة من جانب بعض القضاة ضد أشخاص بعينهم بتهمة استغلال سلطة القضاء، منتقدًا تدخل وزير العدل وإطلاق صلاحياته التي أضرت بالمؤسسة القضائية، ومنها أنه يملك سلطة التأديب، أن يسند التفتيش القضائي والإحالة للصلاحية إلى مدير التفتيش التابع لمجلس القضاء الأعلى، أن المطالبة باستقلال القضاء هي عقيدة واجب الثبات عليها، فلا يمكن للقاضي إلا أن يكون مستقلاً غير خاضع لأي مؤثرات خارجية حتى يحقق العدالة في المجتمع. أنه لا سبيل لإصلاح منظومة القضاء في مصر إلا بإلغاء منصب وزير العدل الذي كان يعين في العهد البائد من قبل رئيس الوزراء؛ ما يجعله تابعًا للنظام يستخدمه كسيف مصلت على رقاب القضاة، من خلال إعطائه صلاحيات ليست من اختصاصه، كالتفتيش القضائي، وإحالة القضاة إلى الصلاحية، أن تحول صلاحيات وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء، وأن يكون من بين أعضاء المجلس مستشارون منتخبون عددهم مثلا "4 أو 5" أعضاء خاضعين للمحاسبة والمساءلة، حتى لا تكون هناك أي سلطة أو مجلس فوق القانون، أن المهام الإدارية التي يقوم بها بعد سحب صلاحياته يستطيع أي موظف في الدولة القيام بها، لذا فلا حاجة إلى وجوده. أن العديد من القضاة كانوا ضباطًا في جهاز الشرطة، ومنهم من عمل أكثر من 6 سنوات في جهاز أمن الدولة المنحل، ثم التحق بعد ذلك بالسلك القضائي، وهؤلاء يشكلون معضلة الآن؛ حيث إنهم تربوا على قيم معينة يصعب تغييرها، ويتعاملون مع المواطنين على هذا الأساس، بل وعينوا في وظائف مرموقة، وهذا ما نال من قيمة العدالة، وأدى إلى تلوث البيئة القضائية. ونشيد بالمشروع الذي تقدم به رئيس الوزراء لنقل جميع صلاحيات وزير العدل إلى المجلس الأعلى للقضاء، أن تنفيذ هذا المشروع هو خطوة أولى في طريق استقلال القضاء، وفصل السلطة التنفيذية عن السلطة القضائية حتى لا تكون مهيمنة عليها وتتحكم في قراراتها. ، فينبغي النظر للقضاء كجميع مؤسسات الدولة التي أصابها نوع من الخنوع والخضوع لإرادة السلطة التنفيذية، أن السلطة التنفيذية استخدمت القضاة لتحقيق أغراضها، سواء لحماية بعض رموز الحزب الوطني المنحل في قضايا معينة أو تفصيل قوانين محددة لحمايتهم. أن القضاء له وجه ظاهر للجميع يفهمه عموم الناس، ووجه خفي لا يفهمه إلا كل ذي صبغة قانونية، فيجب علينا أن ننتقل الآن من الحديث عن التطهير إلى الحديث عن إصلاح العدالة، فالمحامي الضعيف الذي لا يمتلك ضميرًا مثله مثل القضاة الذين ضاعت أخلاقهم، فكلاهما يضر بالعدالة، أن إصلاح منظومة العدالة يتم عن طريق عقد مؤتمر ثانٍ للعدالة، فتطهير القضاء صندوق أسود يجب فتحه، ولكن لن يفتحه إلا أصحابه أن وزارة العدل بها رموز مشرفة، وهناك شيوخ قضاة حاليون وسابقون كانوا يشكلون حائط صد أمام النظام السابق، وتمَّ إرهابهم بفزاعة التفتيش القضائي التابع لوزير العدل، وتكميم أفواههم ومحاصرتهم بقوانين غبية، ولوائح وتعليمات من النظام السابق. أن الإصلاح يجب أن يكون من خلال عقد مؤتمر ثانٍ للعدالة، وأن يفسح المجال لشباب القضاة، وأن يتم اختيار النائب العام عن طريق المجلس الأعلى للقضاء، وأن من يتولى منصبًا قياديًّا لا يتعدى سنه 60 عامًا، فيجب أن يُفسح المجال لشباب القضاة فوزير العدل في إيطاليا لا يتعدى عمره 38 عامًا. و إزاحة كلّ من تهاون في مسألة استقلال القضاء، وإجراء انتخابات مبكرة لنادي القضاة، وتعديل لوائحه حتى لا يقتصر دوره على تقديم الشاي والقهوة، كما كان يريده وزير العدل السابق، وأن يتم الترشح بالسن وليس بالدرجة، أنها في حالة عدم اتخاذ مجلس النادي ما يلزم في هذا الشأن فإن التاريخ سيسجل عليه ذلك؛ لأن مواقف مجلس إدارة النادي لم تكن تعبر عن الثورة، ولكن تسير على مبدأ من قويت شوكته فاتبعه. و أن يتم إنشاء أكاديمية للقضاء يدرس فيها للطلاب، ويتم الاختيار منها لمن يصلح للعمل كقاضٍ أو وكيل نيابة عامة أو إدارية أو هيئة قضائية، فلا يصح أن يدفع خريج الحقوق 200 جنيه ويصبح عضوًا في نقابة المحامين، كما لا يصح أن يجري مقابلة في دقيقة ويصبح وكيل نيابة، فنحن يلزمنا عشر سنوات كي نصنع قاضيًا -- الدكتور عادل عامر خبير في القانون العام ورئيس مركز الجبهة للدراسات السياسية والقانونية ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية محمول 0124121902