بقلم : حازم خيري [إنسان حُر مصرى] "(كانت استراتيجيتنا خلال تلك الفترة) أن نرسخ لفكر الحركة بلا قائد، والمدرسة التى تبنيناها تقوم على ذلك، وعلى أن المجتمع سيبقى دائما متفرقاً ومتنوعاً فى وحداته، وهذا هو منتهى الثراء، وركزنا أن يتعلموا كيف يتعايشون، ويتآزروا، فنحن نعمل على قاعدة كيفية خلق التوافق المجتمعى على قيم مشتركة. "الجمعية الوطنية للتغيير، التى ضمت عدداً من القوى الوطنية، كانت معنية بالبعد السياسى فقط، ولها كل الاحترام والتقدير، وكل الفضل فيما حدث من تراكم، لكنهم رغم ما كانوا عليه من هذه الشاكلة فهم جزء من كل المجتمع، لكن ما كنا ومازلنا ندعو إليه هو خلق تيار عام رئيسى لمصر، وهو التيار الذى ينشئ الدولة، ويبقى فوق الدستور، فهو ما قبل الدولة وما فوق الدستور. "قرأت فى الشارع المصرى من يوم 25 تحديدا أن هناك توجهاً جديداً، وأن هناك وجوهاً جديدة، كان أهم ما فيها أنها لم تكن بالضرورة مسيسة، والأهم أنها كانت تطالب بإمكانيتها، وهو المطالبة بنوع من الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وهذا التوجه الجديد رأيت يوم 25 يناير أنه جديد على الشارع وهذا هو أخطر شىء أبحث عنه إذا ما كنت أبحث عن إصلاح المجتمع، وأن أجد كتلة من المصريين تطالب بما يتناسب مع إمكانياتها، وكانت تلك هى القضية الحقيقية بالنسبة لى، وبالتالى يصبح إصلاح المجتمع ليس فقط فى أنك ترفع الاستبداد السياسى وإنما متمثل فى أنك تحاول أن تعيد له إنسانيته، وطالما ظهرت هذه الكتلة على الأرض أصبح لدينا كتلة حرجة يمكن أن تكون نواة للتيار الرئيسى. "كنت أقول لهم لم يذكر لمن(!!) إننى أرى غد تحرير وليس ميدان تحرير، فكانت هناك فترة لتحريك الوعى، تلتها فترة لمساحة من التحرير، وفى يوم 28 يناير كان المعنى بالتحرير هو من يحرر مصر من استعمار الفساد وعملت ما هو أشبه باختبار بسيط للناس، هل ترى مصر محتلة الآن وكانت الإجابة بها نوع من المراوحة سابقاً لكن فى هذه اللحظة كانت الإجابة قطعية "نعم مصر محتلة"، وبالتالى أصبحت فكرة النزول إلى الشارع وأصبح الثوار طرفا فى صنع القرار، ولقد جاء حرص الشباب على النزول بالعلم دليلا على تأكيد الملكية، وهذا هو مطلب التحرير الأساسى "استعادة الملكية" وليس إسقاط رأس النظام، وكان ثالث مطلب هو أن يكون معك حلم البناء، لأن فكرة الثورة لن تمتد إلى الأبد، فالثائر الحقيقى معنى بكامل مراحل ثورته، فإسقاطه للنظام إلى مرحلة التهاوى هذه مرحلة أولى لابد منها، لكن الهدف النهائى هو استعادة الملكية. "اسقاط النظم فى الثورات ضرورة، ولكنها ليست كافية، فالفعل لا يأتى بالمقصود إلا إذا جاء بضرورته وكفايته، وضرورة الثورات تأتى فى إسقاط النظم السابقة، وكفايتها فى بناء نظام جديد على خلفية المرجعية الفكرية، التى أتت بفكرة إسقاط النظام لأنه لا يحقق كذا وكذا، وأتت بالنظام الجديد لتحقيق العدل والكرامة لكل المصريين، كما يتوافق عليهما هذا المجتمع..."! مجتمعاتنا العربية وكما نرى ، في مواجهة وضع كارثي! أولاً، هناك الموروث "الجامد"، والذى حيل بين أبناء أمتنا وبين نقده وتطويره، إبان دولة "ما بعد الاستعمار"، بكل ما شهدته من ارهاب وعنف، وتفتيش في الضمائر، وتجفيف لمنابع التفكير الحُر! فرصتنا كانت ذهبية للخروج من "المأزق الحضاري"! لو أن نور الحُرية لم يُطفأ، ولو أن "باعة صكوك الحرية"، لم يقوموا بتدجين النفوس! ثانياً، هناك الوافد "الما بعد حداثي"، والذى يحرص دُعاته، بانصرافهم الواضح عن التنوير وايقاظ وعي الانسان العربي بالنفس وبالوجود، إلى التحكم في أفكار البشر وسلوكهم، من خلال هندسة مجتمعاتهم وثقافاتهم، واتاحة أوضاع معيشية أفضل، تهييء بدورها الأجواء المواتيه لعبودية مُختارة وهيمنة "غير مرئية"(87)! وافد "ما بعد حداثي" مُخيف، لا يؤمن بالتطور الطبيعى للانسان والمجتمع، ولا يؤمن بأهمية تنوع الأفكار وازدهارها، وحق الانسان في الاختيار، والتقدم! لا يؤمن بحق البشر في صُنع مصائرهم وإنما بأن تُصنع لهم مصائرهم! مجتمعاتنا تواجه كل هذه القوى العاتية بافلاس حضاري غير مسبوق! ولمن يزعم أنه لا ضرر في الأمر على هويتنا الحضارية، ووجودنا الانساني! أقول إنه حتى لو صح القول برواج مقولات "مابعد الحداثة" في الغرب، فلا خوف على الغربيين منها، كون مجتمعاتهم شديدة الثراء! شقت طريقها بجسارة وجرأة نحو الحاضر! إنها مجتمعات ملآى بالفلاسفة وحُماة التفكير "الحُر" في مواجهة التفكير العلمي واللاهوتي، على خلاف مجتمعاتنا، بفقرها "المُدقع" في النفوس الحُرة!