بين يوم وآخر تتزايد وتيرة الحديث عن تشدد الإمارات في إصدار تأشيرات للمصريين على خلفية الموقف من ثورة يناير وتداعياتها. ورغم نفي السفير المصري بالإمارات وجود قرار برفض منح تأشيرات عمل للمصريين، إلا أن المطلع على نهج السياسة الإماراتية يعلم أن مثل هذه الأمور تتم في أغلب الأحوال بدون قرارات رسمية. لسنا في موضع تأكيد او نفي قضية التأشيرات، وإن كنا نؤكد على وجود قلق إماراتي واكب الثورة يصعب على المرء تفهمه او استيعابه، لا يجب أن ندرج في إطاره بأي حال تصريحات قائد عام شرطة دبي اللواء ضاحي خلفان باعتبار أن الرجل له شطحاته السياسية الخاصة والتي لا تعبر بأي حال عن رؤى القيادة، إن لم يكن قد لقي جزاءه منها بسببها. وما يمكن التأكيد عليه أنه إذا كان الخوف ساد الدول العربية من امتداد الثورة إليها فإن الإمارات تمثل إستنثاءا من ذلك لاعتبارات عديدة على رأسها حالة "الرفاه" التي يتمتع بها المواطن الإماراتي مقارنة بنظيره في الدول العربية الأخرى، الأمر الذي يجعل من قضايا الديمقراطية والحكم تأتي في مرتبة متأخرة من اهتمامه، هذا فضلا عن طبيعة التركيبة السكانية في الإمارات التي تجعل من شعبها أقلية وتلزمه بالوحدة في مواجهة هجمة العمالة الوافدة.. أجنبية وعربية. من ناحية أخرى فإن التحفظ الخاص بالموقف من إيران واتجاه مصر لتعزيز علاقاتها معها على حساب علاقاتها الخليجية يبدو من الصعب قبوله لعدة اعتبارات على رأسها تأكيد القاهرة أن أمن الخليج "خط أحمر" لا يمكن السماح بتجاوزه، فضلا عن أن الإمارات ليست على علاقات عداء مع كل الدول التي تقيم علاقات جيدة مع طهران، بل إن إمارة دبي ذاتها تتمتع بعلاقات قوية على كافة المستويات مع إيران تفوق تلك التي لدول أخرى. كما أن التحسن المتوقع في علاقات القاهرة - طهران لم يتم على النحو الذي رسمته سيناريوهات ما بعد الثورة. من ناحية ثالثة فإن الحديث عن علاقات خاصة لقادة الإمارات مع الرئيس مبارك يبقى أمرا غير مفهوما، ومع كل الحرية لهؤلاء القادة في سلوك النهج الذي يرونه مع قيادات الدول بالمنطقة، فإن ذلك لا يمكن أن يعني بأي حال من الأحوال مصادرة حق الشعوب في اختيار حكامها، ونحن نربأ بخليفة ومحمد بن راشد وغيرهما أن تصح في شأنهم هذه المقولة، فهم أكبر من أن يقعوا في مثل هذا الأمر الذي يصعب تسويقه على أي مستوى. وقد أثير في ذلك الصدد الكثير من الأقاويل تتعلق بعرض إماراتي بعدم محاكمة مبارك مقابل دفع أية تعويضات مناسبة ، الأمر الذي قوبل بالرفض ما أثار حفيظة الإمارات، وهى اقاويل من الصعب تأكيدها فضلا عن أنها ، حال صحتها، لا تبرر بأي حال الغضب على ثورة شعب! أما الحديث عن الموقف من الاستثمارات الإماراتية بمصر، فالموقف يأتي في سياق عام خاص يتعلق بحزمة من قضايا خاصة بالنظام السابق ولا يقصد بها تلك الاستثمارات بعينها، ثم أن الفيصل فيها للقانون. بعيدا عن كل هذه الاعتبارات والتي تتعلق بأبعاد محددة في سياق الثورة، فإن هناك اعتبارات عامة تتعلق بالسياسة الإماراتية عامة تجعلنا بدورنا نتحفظ بشأن ما يثار عن الموقف من ثورة مصر. فمن المعروف عن سياسة الإمارات الخارجية أنها تقوم على عدم التدخل في شئون الآخرين، حرصا على الابتعاد عن أمواج الصراعات الدولية المتلاطمة. ولعل أكثر الأمثلة دلالة على ذلك الأمر موقف الإمارات من باكستان فقد كان موقفا يتسم بالثبات بغض النظر عن شخصية القائم على كرسي الحكم في إسلام آباد، على نحو لم يؤثر معها إيواءها للراحلة بناظير بوتو على هذه العلاقات، وينطبق الأمر ذاته على موقفها من نواز شريف فيما بعد، أو حتى مشرف. على الجانب الآخر، وفيما يتعلق بخصوصية العلاقات مع مصر يأتي دور المرحوم الشيخ زايد بن سلطان مؤسس الدولة والذي كان له موقف خاص تجاه القاهرة يقوم على الود والتقدير، الأمر الذي أدي به لأن يتخلي عن نهج الإمارات الرصين في عدم الصدام مع الدول الأخرى وراح يهاجم قطر على خلفية موقفها من مصر ما ألقى بظلال من التوتر على علاقات أبو ظبي والدوحة. وقد امتد هذا الموقف "الودود" إلى أبناءه وانعكس على معاملة المصريين هناك على مدى العقود الماضية ما جعلهم يحظون برعاية خاصة تجعل المرء يصاب بالدهشة من أحاديث تحولها إلى النقيض بحظر إصدار التأشيرات للمصريين. لكل ذلك دعونا نتصور أن الأمر لا يعدو أن يكون سحابة صيف سرعان ما ستنقشع لتعود المياه إلى مجاريها!