مرت السياسة النقدية بمصر خلال الفترة الماضية بحالة من التخبط الشديد تجاه التعامل مع سوق العملة، وتعرض الاقتصاد المصرى إلي أزمات متلاحقة بسبب تقلبات أسعار الدولار، حتي بلغ مستويات قياسية لم تحدث من قبل، ولكن وراء هذا الوضع الذي وصل إليه سوق العملة حالياً أسرار عديدة تتعلق بخفايا وألاعيب العناصر الإخوانية، وممارساتهم الخاطئة التي اتبعوها في تسريب حجم كبير من العملة إلي خارج البلاد، وذلك وسط فشل كبير من الحكومة في التصدى لتلك الممارسات، والسقوط في أوهام نجاح قرارات البنك المركزى في القضاء على السوق السوداء للدولار، وينتظر السوق حالياً تعديلات كبيرة في السياسة النقدية مع طارق عامر محافظ البنك المركزى لمحاولة إنقاذ الجنيه والحفاظ على العملة من المضاربات التي تهدد الاقتصاد المصرى. فقد نجح تجار العملة في إدارة السوق بجدارة خارج نطاق شركات الصرافة، حيث قاموا بالالتفاف علي قرار هشام رامز محافظ البنك المركزى الذي انتهت فترة ولايته بوضع حد أقصى للإيداع الدولارى في حسابات العملاء بواقع 50 ألف دولار شهرياً. وبدأ تجار العملة الاتصال بعملائهم من أصحاب الشركات المستوردة للتفاهم علي إمكانية تدبير الدولار لسداد قيمة الصفقات بالخارج من خلال مندوبيهم، وكان ذلك أول ثقب في قرار الحد الأقصى للإبداع الدولارى، فقد تسربت بسببه كميات ضخمة من الأموال للخارج، وفي تطور آخر استغلالاً لأزمة نقص الموارد من العملة الصعبة، وتراجع الاحتياطى الدولارى لدي المركزى اتبعت عدة شركات صرافة معظمها إخوانية وتتحكم في نسبة لا تقل عن ثلث تعاملات الدولار سياسة تعطيش السوق وذلك كان يتم في غياب الجهات الرقابية ودون ملاحقة، ولذلك تمادت هذه الشركات في السيطرة على السوق أمام عجز الحكومة عن مواجهة ممارساتها التي تهدد الاقتصاد واستغلوا قرار رامز بشأن الحد الأقصى الدولارى وإمعانه في قراراته المقيدة للشركات المستوردة من خلال منع حصولها علي تسهيلات الموردين الخارجين بإلزامها بسداد قيمة الصفقة بالكامل وهو الأمر الذي تسبب في خفض السيولة المتوافرة لدي أصحابها وقد أدت هذه القرارات المتفردة لرامز والتي تفتقد لسياسة نقدية سليمة إلي احتضان سماسرة السوق لهؤلاء، مما أدى إلي انهيار الجنيه ووصوله إلى أكثر من 8 جنيهات، مما شكل تهديداً حقيقياً لاقتصاد دولة يشكل الاستيراد 70٪ من السوق. وبدأ اللاعبون الرئيسيون التحفظ على تعاملاتهم بالسوق المصرفى انتظاراً لسياسة عامر الجديدة وعلى ما يبدو أنهم لم ينتظروا طويلاً، فقد أفصح عامر عن سياسته سريعاً وبدأت شواهدها في الأسبوع الأول للإعلان عن رئاسته للبنك المركزى أواخر الشهر الحالى وربما رسمت ملامح سياساته الفترة القادمة وبدأت بحملة مداهمة للشركات قام بها مفتشي البنك المركزى بمصاحبة مباحث الأموال العامة لأول مرة وكانت المفاجأة الأكبر مداهمة الأموال العامة لأول مرة بنك استثمارى مصرى - عربى مشترك وإلقاء القبض على بعض الموظفين المتهمين بالتعامل في العملة خارج الإطار الشرعى للبنك، أما الشركات الإخوانية فقد واجهت عمليات مداهمة يومية تطال معظم فروع الشركة الواحدة في وقت واحد وهذا إجراء تتبعه الأجهزة للأسباب الآتية أنها وفقاً للقانون يستمر عملها وإداراتها من خلال العاملين بها وتحت إشراف ممثل للرقابة الإدارية رغم قرار التحفظ أو القبض علي صاحبها. وكانت ثاني خطوة اتخذها عامر في إطار سياساته النقدية وأدواتها التى منحها إليه القانون بهدف إعادة النصاب لأمورها بالبنوك رغم نقص الموارد من العملة الصعبة، ألا وهو إصدار البنوك لأوعية ادخارية جديدة ذات عائد مرتفع بالجنيه المصرى وهو ما اجتذب عملاء كثيرين من المدخرين بالدولار وسجلت حصيلة البنك الأهلي ومصر نحو 4 مليارات دولار من جراء عمليات البيع داخل أروقة البنوك وهي سياسة نتائجها الوحيدة القضاء على المضاربة علي الدولار وخروج مضاربين من الأفراد العاديين الذين استواهم فروق السعر عند مكترثين بتداعيات أعلى علي الاقتصاد. ومن جانبه أكد أحمد صقر، عضو الغرفة التجارية بالإسكندرية، أهمية أن تتبعها سياسات أخرى مكملة، لافتاً لأهمية إنشاء لجنة لإدارة الأزمة تضم في عضويتها ممثلين للبنك المركزى والغرف التجارية واتحاد الصناعات تستهدف مناقشة القرارات والدراسات المتعلقة بسعر الصرف واحتياجات السوق الحقيقية سواء من السلع المستوردة أو مستلزمات المصانع من خامات. وأشار «صقر» إلى أهمية إجراء تعديلات علي قرار الحد الأقصى للإيداع الدولارى في حالة تمسك المركزى باستمرار العمل به يرفع الحد الأقصى إلى 250 ألف دولار من 50 ألف دولار، معتبراً ذلك رقماً معقولاً تستطيع من خلاله أي شركة مستوردة تدبير الجزء المتبقى من قيمة الصفقة. موضحاً أنه قد سبق للشركات المستوردة أن اقترحت ذلك خلال اجتماعها مع المحافظ السابق، إلا أنه تجاهله وأصر على تحديد الحد الأقصى ب50 ألف دولار، مما أدى لتفاقم أزمة الدولار. واتهم أحمد شيحة، رئيس شعبة المستوردين بغرفة القاهرة التجارية، أصحاب شركات الصرافة باستغلالهم للأزمة الدولارية باتباعهم سياسة تعطيش السوق والتي أدت إلى حدوث مضاربات علي الدولار على نطاق واسع بالسوق المصرفى، منتقداً تأخر الحكومة في اتخاذ قرارات رادعة ضد الشركات الإخوانية رغم عمليات التدمير العمدى للاقتصاد من جانبهم علي جميع الأصعدة. وشدد على أهمية اتخاذ الحكومة عدة خطوات لإعادة الأمور لنصابها في مقدمتها غلق شركات الصرافة لمدة تصل إلى 6 أشهر لإعادة ترتيب سوق الصرف مرة أخرى، مع الأخذ في الاعتبار زيادة رأسمالها إلي 50 مليون دولار عند إعادة قيمتها مرة أخرى بعد انتهاء الفترة العقابية المصدرة لها، بالإضافة إلى إلزام الشركات الاستثمارية بالخارج الراغبة في دخول السوق المصرى بعدم الحصول على أى ائتمان من البنوك المصرية، فمن يرغب في الاستثمار عليه أن يحصل على التمويل من بنكه الوطنى. مشيراً إلى أهمية إصدار المحافظ الجديد المزيد من السياسات النقدية التي تضبط إيقاع السوق المصرفى مع أهمية تركه لآليات العرض والطلب. أما سامح ناصر، رئيس شركة كروان للصرافة، فيرفض الكيل أو اتهام شركات الصرافة، موضحاً أن الشركات ليس مقدورها أن تدفع ثمن ممارسات الشركة الإخوانية التي تركتها الحكومة تعمل بحرية منذ الإطاحة برئيسهم، بالإضافة لسياسات نقدية فشلت في تحسن المناخ العام بالسوق المصرفى. وأضاف: يجب أن تعترف الحكومة بأن الأزمة الحقيقية للدولار هي نقص مواردها من العملة الصعبة، ومسألة التدخل في السوق سواء بإصدار قرارات نقدية خاطئة أو اتباع أسلوب الملاحقة الأمنية لأصحاب الشركات لن تجدي، مشيراً لأهمية ترك السوق لآليات العرض والطلب وتداول الجنيه بسعره الحقيقى.