ليسوا وحدهم جنود لواء النخبة في الجيش الإسرائيلي «جولاني» هم الذين ارتبكوا أثناء عملية محطة الحافلات الإسرائيلية في مدينة بئر السبع، بل حكومة نتانياهو كانت اكثر ارتباكا حين اندلعت الانتفاضة الثالثة في فلسطينالمحتلة. وتطويرا لسابقتيها، فقد تجاوزت الانتفاضة الحالية الحجارة والزجاجات الحارقة إلى الطعن بالسكين، ما يعني ان الفلسطيني اصبح اكثر بسالة كلما ضاق عليه الحصار والخناق. وكلما اقترب عدوه من مقدساته الدينية، ونعني المسجد الأقصى الذي اصبح هدفا يوميا لاستفزازات المتطرفين اليهود، ولبدء خطة حكومة نتانياهو بتطبيق الفصل الزماني والمكاني للمسجد بين اليهود والمسلمين، تمهيدا لفرض أمر واقع ووصولا الى الهدف الأخير المتمثل في هدم الأقصى وإقامة الهيكل المزعوم مكانه. أن يقترب الفلسطيني من الإسرائيلي المحتل مسافة نصل سكين، فإن هذا يعني أن القيد انتقل من يد الفلسطيني إلى رقبة الإسرائيلي، وان القاتل اصبح ضحية جريمته، بل جرائمه التي يرتكبها بحق ضحيته. وثبت من خلال عمليات الطعن التي تشهدها الأرض الفلسطينية ان الإسرائيلي جبان بطبعه.. حيث انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات المشاهد الحية التي تظهر الجندي المحتل المدجج بالسلاح يهرب من أمام الفلسطيني الذي لا يحمل سوى سكينه وحقه في ارضه. الأول لا بد ان يصل إلى حقه والثاني إلى حتفه. لقد فرضت الانتفاضة حظر التجول على المستوطنين، حيث اصبح هؤلاء يخشون التجول بعيدا عن مساكنهم، بل كما قال احدهم: «اصبحنا نخشى الوصول الى حاويات القمامة امام منازلنا، فربما ثمة فلسطيني حاملا سكينه ينتظرنا!». لا احد، ولا الفلسطيني، يود ان يرى الدم يسيل من إنسان، فالدم كله لونه احمر، لكن على ارض فلسطين ثمة دم صهيوني محتل يدنس التراب ودم فلسطيني يطهره. ان ما يدفع الفلسطيني الى جرح الإسرائيلي ليس الرغبة في قطع الرقبة، بل هي الجروح التي لم يخلُ منها عضو من جسده، وتلك المقابر التي امتلأت بجثامين الأطفال الشهداء والشهداء الرجال والنساء، وتلك المعتقلات التي تعج بمئات آلاف من الأسرى. كم من رزق لفلسطيني قطعه المستوطنون وكم من حقل زيتون جرفه المحتلون. هم لا يؤمنون بأن «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق»، فقطعوا الأعناق والأرزاق، وحرقوا الأطفال، واستباحوا المقدسات، وسرقوا الشمس في وضح النهار، لكن هيهات ان تغطى الشمس بغربال الكذبة الصهيونية التي تدعى «إسرائيل». من الإسرائيليين من يدرك الحقيقة، ويعي ان «إسرائيل الكبرى» التي يسعى اليها نتانياهو وليبرمان ومتطرفو اليمين الإسرائيلي هي نهاية المشروع الصهيوني و«دولة» الاحتلال. يخاطب الكاتب جدعون ليفي الإسرائيليين في مقال في صحيفة هآرتس العبرية قائلا: «ما الذي اعتقدتموه؟ أن يجلس الفلسطينيون بهدوء إلى الأبد؟ هل اعتقدتم بالفعل أن إسرائيل قادرة على فعل ما تريد وأن يطأطئ الفلسطينيون رؤوسهم بخنوع؟ هل هذا ما فكرتم فيه؟ هل تعرفون أمثلة كثيرة في التاريخ حدث فيها هذا؟ هل هناك احتلال فظ استمر بدون مقاومة؟ من الواضح أنكم فكرتم بهذه الطريقة. وإلا لكان ظهر منذ زمن بعيد ضغط جماهيري للتصرف بشكل مختلف. لكن إسرائيل غرقت في صمتها القاتل. ظلام فوق الهاوية. والآن تتظاهر أنها متفاجئة. لقد صوتت لليمين، القومية المتطرفة، العنصرية. والآن تتظاهر أنها مُهانة. فما الذي تريده؟ القليل من الهدوء، وليتركوها في موضوع الاحتلال الذي لا صلة لها به. الآن تصحو الجميلة من نومها على خلفية الطعن والدهس وتسأل: كيف حدث هذا؟ كيف يتسببون لنا بهذا مرة أخرى؟». ويضيف في مواجهة مع الذات: «لقد وعد السياسيون أن كل شيء سيكون على ما يرام. الحاخامات حرضوا العالم كله ضدنا، أتركوننا لحالنا. عندها نزل علينا هؤلاء الشباب مع السكاكين والقتل، ذهب الهدوء وذهب الأمن وذهبت الأعمال». في الوقت الحالي، تحولت القدس إلى عاصمة تمييز عنصري. فلا توجد مدينة بها تمييز واقتلاع وعنف مثلها. والظاهرة الغريبة التي لا يمكن استيعابها هي أن رئيس البلدية يحمل المسدس ويُحرض ضد ثلث سكانها. ويكرر ليفي السؤال القاتل للإسرائيليين: «هل اعتقدتم أن 300 ألف مقدسي سيخنعون؟ أن يشاهدوا المستوطنين يدخلون بيوتهم والبلدية لا تقدم لهم الحد الأدنى من الخدمات، وتأخذ منهم الحد الأعلى من الضرائب، والمُحتل يأخذ منهم بشكل اعتباطي حق السكن مثل المهاجرين في مدينتهم وعصابات الشباب اليهود يعتدون عليهم على مرأى من الشرطة. وأن الشاب العربي سيعيش طول حياته وهو يغسل الصحون ويبني بيوت اليهود دون إمكانية الخروج من الغيتو؟ هل اعتقدتم بالفعل أن التحرشات في الحرم ستمر بهدوء؟ وأن إحراق عائلة دوابشة وأقوال وزير الجيش أن إسرائيل تعرف الفاعلين لكنها لا تعتقلهم، ستمر أيضا دون رد؟ أن يحرقوا الأولاد هكذا، وألا تعاقب إسرائيل أحدا وهم يسكتون، وأن الجواب على هذا المزيد من نفس الشيء؟ نهدم، نعتقل، نقتلع، نقمع، نقتل ونُعذب. هل هناك أحد يؤمن بذلك فعليا؟». جدعون ليفي صوت ضمير إسرائيلي غير ملوث بالدعاية الصهيونية، لكن كم مثله في إسرائيل وبخاصة في الماكينة الإعلامية التي ما تزال تروج ان فلسطين كانت أرضا بلا شعب حين أقاموا كيانهم العام 1948؟ المتطرفون يتزايدون بشراسة ودعاة السلام يضمحلون. لن يوقف المتطرفين الا حافة السكين وان امكن كلاشينكوف او قطعة سلاح من سلاحهم كتلك التي انتزعها الشاب العشريني منفذ عملية بئر السبع من الجندي الإسرائيلي الذي هرب مذعورا من السكين!! نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية