حينما تتجول فى منطقة الغورية بحى الحسين ستشتم رائحة عراقة وتاريخ المنطقة الأثرية، تمر في الحي على باعة الملابس الجاهزة والتحف الفرعونية النادرة ومحال العطارة المنتشرة بكثافة في المكان، وبين تكدس الأروقة بالمارة والزبائن من كل الجنسيات والأطياف، سيلفت نظرك رواق يخلو من المارة تقريباً، اللهم إلا من بضعة رجال أزهريين جاءوا خصيصاً لتفصيل طربوش جديد في محل بات هو وجاره الملاصق له الوحيدين المصنعين للطرابيش في مصر بعد أن كادت المهنة تندثر، وأصبح الإقبال على شراء الطرابيش نادراً واستثنائياً. دخلت الطرابيش مصر فى العهد العثمانى، وجعله محمد على باشا عام 1805 جزءاً من الزى الرسمى للجيش المصرى، ومع مرور الوقت انتشر بين طوائف الشعب، وكان رمزاً عند الأفندية. داخل الدكان المنشود فاحت رائحة التاريخ القديم الممزوجة بغبار الزمن الذي طال الكثير من البضاعة المعروضة لقلة الطلب عليها، بينما جلس عم ناصر "صانع الطرابيش" عاكفاً على «تشطيب» طربوش جديد، يقول إنه مازال يعمل فى هذه المهنة من اجل الأزهر الشريف الذى يدعم استمرار الطرابيش، وقام بإحيائها بعد ان كانت تحتضر وتصارع الطربوش الصيني، لافتاً إلى ان الصينى لن يصل الى مستوى عراقة الطربوش المصرى لكى ينافسه، حيث يتمتع بدقة صناعته ومتانة خاماته. وأكد عم ناصر أن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، منع الازهريين من لبس الطربوش الصينى، الذى يفقد العمامة هيبتها، لافتاً إلى ان هناك عدداً كبيراً من الفنانين يهتمون باقتناء الطربوش المصرى ويرسلون مندوباً من التلفزيون لشراء الطرابيش لاستخدامها في الأعمال الدرامية. أوضح ايضا ان الطرابيش ليس لها علاقة بدعم السياحة، واعتمادنا على السياحة غلطة، فالسياح لا يعلمون شيئاً عن عراقته ولا يتهافتون على شرائه، كما يروج البعض. وحول موسم شراء الطرابيش يقول عم ناصر إن هناك أوقاتاً تتهافت الناس فيها على شراء الطربوش، مثل شهر رمضان، لأن الطربوش يذكر الناس بأيام رمضان القديمة. وأوضح صانع الطربوش ان صناعته تعتمد على سبع مراحل، أول خطوة هى قوالب القش والخوص، ويتم وضعها فى قالب نحاسى، وبعدها يوضع الصوف ويثبتوا تحت مكبس لمدة ساعتين فى حرارة دافئة، وبعدها يوضع خيط حريرى أسود فى المنتصف، لإضافة المظهر الأنيق على شكل الطربوش، ويطلق عليه "الزر"، ويصنع فى المتوسط خلال ثلاث ساعات، والأسعار من 5 جنيهات وحتى 50 جنيهاً، بحسب الزبون.