رغم ما تعانيه السينما المصرية من جحود محتكريها إلا أنها تخطو للأمام بدفعات متوالية من مبدعيها، مع كل عمل سينمائى جديد، حتى مع الأفلام التى يتنمر النقاد والجمهور عليها، تتقدم السينما خطوة للأمام على طريق التكنيك والخبرة والدفع بكوادر جديدة. ويعتبر فيلم «ولاد رزق» أحد الأفلام التى تمثل دفعة نحو شكل مغاير للسينما، لا بما يحمله من رسالة أو هدف مثمر، وهو ما لا يمثل فرقاً عند السواد الأعظم من الناس، فالجمهور يبحث عن المتعة والتسلية كأساس لفن الفرجة، ولكن لأن الفيلم يقدم اتجاهاً مغايراً فى صناعة أفلام الحركة، وهو ما ساهم فيه تولى مخرج بحرفية طارق العريان، مسئولية الصياغة البصرية لسيناريو صلاح الجهينى المحكم، مع ما يمتلكه من خبرة جعلته يمتلك عيناً هوليودية، التقطت الفكرة ليعمل على تطويرها. «ولاد رزق» فيلم يقدم حبكة رئيسية مركبة، وأخرى أبسط واستغل السيناريو لعبة التمثيل داخل التمثيل، معتمداً على راوٍ جسده أحمد الفيشاوى بامتياز وخفة ظل فى دور «عاطف» وساهم بشكل كبير فى التضفير بين الماضى والحاضر، من خلال روايته التى تمهد ل«الفلاش باك»، لكشف ما يريده من معلومات لضابط المباحث، الذى جسده محمد ممدوح بحرفية وتمكن واضح، حول طبيعة نشاط «ولاد رزق» الإجرامى، قبل أن تحمل روايته الأخيرة اتهاماً غير مباشر للضابط نفسه ويكتشف المشاهد أن «عاطف» ليس جار «ولاد رزق»، ولكنه «رجب»، الذى انتحل هذه الصفة لتضليل الضابط والتأكد من حيازته للمخدرات لأن الحصول عليها يمنح شقيقهم الأصغر الحرية، بعد أن احتجزه تاجر المخدرات «صقر» أو الرائع سيد رجب، الذى أضفى حضوراً خاصاً على العمل، كما يظهر كمحلل سياسى، ليفسر نجاح ثورة يناير، بقلة المطروح من المخدرات فى الشارع المصرى. لم يستخدم العمل خريطة تقليدية لتوظيف الممثلين، ولكن رؤية طارق العريان صنعت جغرافيا جديدة، على مستوى الشخصيات وتوظيف الممثلين، وهو ما وضع أحمد عز فى منطقة أداء جديدة مع احتفاظه بكثير من لزماته الكوميدية، وأظهر العمل عمرو يوسف فى عنفوان أدائه التمثيلى، مع حرصه على التجرد من نفس الشخصية التى قدمها فى «طرف تالت»، ولست مع القول بضعف أداء كريم قاسم لمجرد أنه الشقيق الحالم ب«شيماء»، والأضعف بين أباطرة الإجرام بدنياً، حتى إنه يلعب دور الفتاة المنتقبة فى عملياتهم، فهذه بالضبط منطقة الأداء التى أرادها المخرج تعبيراً عن السيناريو المحكم، لأن أبسط قواعد الكتابة السينمائية، تتمثل فى إيجاد اختلافات بين الشخصيات الرئيسية، وهو ما تحقق بالفعل من خلال خصوصية هذه الشخصية، كما ساهم العمل فى إظهار وجه سينمائى جديد للموهوب أحمد داود، بعد تجربته الرومانسية فى «ولد وبنت»، ليثير علامات الاستفهام منذ اللحظة الأولى، بعدم تشابه ملامحه مع الأشقاء الثلاثة، قبل أن نكتشف ازدواجية شخصيته فى الجمع بين أداء شخصية «رجب»، التى انبعثت من رواية أحمد الفيشاوى، واكتشاف شخصيته الحقيقية باعتباره «عاطف» فى الجزء الأخير من الفيلم، فأحمد داود ممثل يحمل طاقات تمثيلية ميزته بين أبناء جيله، ومنحته مساحة على مستوى الدراما التليفزيونية، ولكن يبقى أن يحتل مساحة أكبر فى السينما وهو ما قد يسهم فيه فيلم «ولاد رزق»، وتبدو الإطلالة النسائية هامشية فى «ولاد رزق»، خاصة مع طبيعة الأحداث، ولكن إطلالة نسرين أمين كانت موفقة مع حضورها الواضح فى مشاهدها القليلة، وأهمية شخصيتها فى تطور الأحداث، إضافة إلى ندى موسى التى قدمت شخصية أقل فى المساحة ولكنها تحمل بعداً إنسانياً مختلفاً، مع علاقتها ب«ربيع»، كما تميز محمد لطفى فى الظهور الشرفى بالفيلم، خاصة مع الحوار المختلف لصلاح الجهينى، الذى يثبت أنه يمتلك المزيد، خاصة أن العمل مختلف عن تجربته الأولى فى «30 فبراير». وتتميز أعمال طارق العريان، بصورة جيدة ظهرت فى «ولاد رزق» بعين مازن المتجول، وحافظ مونتاج أحمد حمدى، على إيقاع جيد وقطعات ناعمة، كما ساهمت ملابس ريهام عاصم، فى ربط الشخصيات بالبيئة الشعبية التى تنتمى إليها سواء بالنسبة للشخصيات الرئيسية أو الثانوية، واتسم ديكور محمد عطية بتحقيق المصداقية للعمل، حتى إنه استغل أماكن خربة وحولها إلى ملاهٍ ليلية وصالات للعب القمار، واستحوذت موسيقى هشام نزيه على أحد أدوار البطولة الرئيسية، خاصة مع التوظيف الجيد لها، وعدم الإفراط فى مقاطعها، لتمتزج بالمشاهد وتذوب فيها، ورغم تميز كلمات أغنية «تساهيل» التى أهدتها المطربة «أصالة» للفيلم واختلاف لحنها وتوزيعها الموسيقى، إلا أنها عمل منفرد ومستقل بذاته، ولا يلتقى مع طبيعة الشخصيات ولم تكن حتى ملخصاً لأحداث الفيلم. فى النهاية، نحن أمام فيلم ممتع، يحمل الكثير من المشاهد الجريئة التى لا يتأفف منها غالبية الشعب المصرى، الذى لم يطلب وصاية من أحد على ذوقه العام، ووعى المصريين قادر على التفريق بين النكتة والإباحية فأجمل ما فى الفيلم هو اعتماده على صناعة الضحك، بقدر اعتماده على صناعة الأكشن والحركة والتعامل مع السينما من منظور أخلاقى يفقدها جوهر الحياة التى تعبر عنها، لأننا نعيش حياة لا أخلاقية فى كثير من جوانبها، والشعب المصرى الطيب أو المؤمن بطبعه، يتداول الكثير من النكات الجنسية، فإذا كانت قوانين الرقابة تحمى المصريين من وقاحة الأفلام الأمريكية، التى تترجم شتائمها القبيحة على طريقة «تباً لك»، فالمشاهد المصرى يستمتع باللعبة الحلوة، ويدرك أن عدم التصريح والإيحاء الذكى، بالمسكوت عنه سينمائياً فى الحياة، أكثر إمتاعاً من ترديد ألفاظ خادشة بشكل مباشر، والفيلم صنفت تحت الإشراف العائلى، ورغم احتوائه على الكثير من الإشارات إلا أنه لم يحمل لفظاً خارجاً، بقدر ما حملت مشاهده مساحة كبيرة من الإمتاع.