أحكام القضاء هي عنوان الحقيقة، ولكن عنوان الحقيقة في أحيان كثيرة يظل تائهاً شارداً ضائعاً، لا يعرف أحد له عنواناً، والسبب أن أحكاماً كثيرة لا يتم تنفيذها. قضايا عديدة تظل المحاكم تنظرها على مدي شهور وسنوات، وفي أغلب الأحيان يقرأ القاضى آلاف الأوراق، ويستمع لشهود يظلون لساعات طوال يروون شهاداتهم، ويتابع مرافعات المحامين، بعد كل هذا يصدر حكمه ويظل الحكم حبراً على ورق. محاكم الجنايات أصدرت منذ مايو 2013 حتي الآن أحكاماً بإعدام 503 متورطين في جرائم إرهابية، ولم ينفذ منها إلا 7 إعدامات فقط، وهم محمود رمضان قاتل أطفال سيدى جابر عام 2013، و6 من مرتكبى جريمة حرب. «محمود» ألقى أطفال سيدي جابر من فوق سطح أحد العقارات ومات أحدهم وأصيب آخرون بإصابات خطيرة.. حدث هذا في يونية 2013 وفي 19 مايو 2014، أى بعد حوالى عام كامل، أصدرت محكمة الجنايات حكماً بإعدام «محمود» وتم الطعن علي الحكم أمام محكمة النقض، فأيدت حكم الإعدام، ولم يتم تنفيذ الإعدام إلا في فبراير 2015، أي بعد حوالى 20 شهراً من ارتكاب الجريمة التي كانت ثابتة بالصوت والصورة! ويبقي حوالى 497 متورطاً في الإرهاب صدرت بحقهم أحكام بالإعدام من محكمة الجنايات، ولكن الحكم لم ينفذ لأنه لم يصبح باتاً بعد، حيث تم الطعن علي هذه الأحكام أمام محكمة النقض، ومن بين هؤلاء الجناة عادل حبارة المتورط في قتل الجنود في سيناء عام 2011، أي أنه ارتكب جريمته قبل 4 سنوات، ومع ذلك مازالت القضية منظورة، فرغم صدور حكم بإعدامه إلا أن محكمة النقض أعادت القضية مرة أخرى إلى محكمة الجنايات لإعادة نظرها من جديد. وهذا يمكن لمن صدر بحقهم أحكام بالإعدام أن يظلوا لسنوات طويلة دون تنفيذ الحكم، حيث تظل القضايا «رايحة جاية» بين محاكم الجنايات ومحكمة النقض. والسؤال: كيف نحقق سرعة في تنفيذ الأحكام الصادرة بحق المتورطين في جرائم الإرهاب؟ يجيب عن السؤال المستشار طارق محمود، المحامي بالنقض: يجب إجراء 3 تعديلات جوهرية في قانون الإجراءات الجنائية، أولها يتعلق بمنح رئيس المحكمة سلطة رفض سماع بعض الشهود، بمعني أنه يمكن لرئيس المحكمة أن يكتفى بسماع عدد من الشهود واستبعاد بعضهم، حسبما يرى، وهذا الأمر سيوفر 70٪ من وقت التقاضى في جرائم الإرهاب التي غالباً ما تتضمن عشرات وربما مئات الشهود. ويضيف: «التعديل الثاني المطلوب فوراً في قانون الإجراءات الجنائية هو أن تتولى محكمة النقض الفصل في القضايا التي تحال إليها وتقبل النقض فيها، وبهذا يكون أمام محكمة النقض إما أن ترفض بعض مذكرات النقض وبالتالى تصبح الأحكام نهائية وباتة، أو أن يقبل النقض وتتولى هي نفسها الفصل في تلك القضايا أي أنها لن تعيدها مرة أخرى إلي محاكم الجنايات وهذا أيضاً سيوفر أمداً طويلاً في وقت التقاضى». التعديل الثالث - يواصل المستشار طارق محمود - هو النص في قانون الإجراءات الجنائية علي أن الحد الأقصى لإصدار الأحكام في الجنايات هو 6 أشهر، وهو ما سيحقق سرعة في فصل القضايا». وفي ذات الاتجاه يؤكد الدكتور شوقي السيد، الخبير القانوني والدستورى، أن سرعة الفصل في القضايا وسرعة تنفيذ الأحكام يلزمه تحقيق عدة إجراءات.. وقال: «التقيت في عزاء المستشار هشام بركات النائب العام بعدد من رؤساء المحاكم، ودار بيني وبينهم مناقشات حول سرعة الفصل في القضايا، وكان رأيهم واضحاً في هذا الموضوع، وقالوا بوضوح إنهم يحتاجون إلي زيادة عدد الدوائر التي تنظر قضايا الإرهاب وزيادة دور العدالة، لأن عدد قاعات المحاكم أقل بشكل كبير عن عدد القضايا التي تنظر في جرائم الإرهاب». وأضاف: «يجب أيضاً تقليل مدة النقض من 60 يوماً إلى 30 يوماً فقط، ومن المهم أيضاً أن تتولى محكمة النقض الفصل في القضايا التي تقبل النقض فيها، تماماً مثلما تفعل محكمة النقض مع القضايا الاقتصادية». وأشار الدكتور شوقى السيد إلى أن تنفيذ الأحكام يواجه معضلة كبيرة، فيما يتعلق بالجناة الهاربين، وقال: «إذا كان القضاة في يد العدالة فتنفيذ الأحكام عليهم لا يمثل أية مشكلة، ولكن تبقى الأزمة فيمن صدرت بحقهم أحكام وهم هاربون بعيداً عن يد العدالة، وهو ما يلقي علي قوات الشرطة عبء سرعة القبض علي هؤلاء إذا كانوا داخل مصر، وأيضاً سرعة التواصل مع الجهات الدولية كالإنتربول، للقبض على الصادر بحقهم أحكام نهائية وهربوا خارج مصر.