سقطت مدينة الإسكندرية أمام جيش المسلمين فى اكتوبر عام 641 ميلادية، بعد حصار طويل امتد 14 شهرا انتهى بمعاهدة سلام دخل بعدها عمرو بن العاص إلى المدينة وطاف بقصورها وحدائقها، وأوصى جنوده بعدم سلب أى غنائم أو الاعتداء على أى من سكانها، الذين قدر عددهم المؤرخون بنحو ستمائة ألف شخص، من بينهم مائتا ألف من الروم و70 ألفا من اليهود. لكن الغريب أن مؤرخين ومستشرقين مسلمين ومسيحيين ظهروا بعد ذلك بأكثر من ستة قرون ليتهموا الفاتح العربى بإحراق مكتبة الاسكندرية بما حوته من كُتب ومجلدات نفيسة. وذكر هؤلاء أنَّ الكتب تم احراقها لاشعال أربعة آلاف حمام أمر قائد جيش المسلمين بتدميرها. وذلك الاتهام الغريب دفع مؤرخين أوروبيين منصفين كان من بينهم ستانلى بول إلى تفنيد القصة بشكل تفصيلى لينتهى إلى أن احراق المكتبة كان فى عهد يوليوس قيصر، وأن عمرو بن العاص ، وولاة المسلمين أبرياء تماما من ذلك الفعل الهمجى. كان أهم ما لفت نظر المستشرق الانجليزى ستانلى بول فى هذا الاتهام ان أيا من المؤرخين المبكرين الذين تناولوا الفتح الإسلامى لمصر مثل ابن عبد الحكم أو حتى يوحنا النقيوسى لم يشيرا إلى ذلك. إن النقيوسى نفسه يشير إلى أنَّ عمرو بن العاص لم يأخذ ضرائب من الكنائس ولم ينزل بها أى أعمال سلب أو أذى ، بل على العكس فقد قام بحمايتها. كيف إذن تُحرق مكتبة الاسكندرية ذات الصيت الشائع ولا يكتب أى مؤرخ يونانى شيئا عن ذلك؟! وحتى المستشرق ألفريد بتلر فقد استبعد قصة حرق المكتبة على أيدى المسلمين واعتبر أن الخلط الذى جرى كان منشأه قيام العرب بتدمير كتب عابدى النار خلال الفتح الإسلامى لبلاد فارس. وطبقا لجوستاف لوبون فى كتابه «حضارة العرب» فإن المكتبة لم تكن موجودة أصلا عند الفتح العربي، إذ كانت قد أحرقت بالفعل عام 48 ق.م عند مجيء يوليوس قيصر إلى الإسكندرية. وأصل القصة أن يوليوس قيصر كان محاصرا عام 48 قبل الميلاد فى حي البروكيوم، يحيط به المصريون من كل جانب فأمر الإمبراطور بإحراق السفن التي كانت فى الميناء لارهاب الجموع المحتشدة، وامتدت النيران بعد ذلك إلى المكتبة فأحرقتها وأفنتها تماما. ويؤكد ذلك أيضا أنَّ واحدًا من الرحَّالة الرومان واسمه «أورازيوس» زار مصر قبل دخول العرب إليها، وكتب وصفا تفصيليا عنها فى عام 416 م، وذكر أنه ذهب إلى المكتبة، ولم يجد سوى رفوف خالية تماما من الكتب التى سمع عنها من قبل. هكذا أُلِصقت تهمة إحراق مكتبة الاسكندرية زورا وظلما بالقائد العربى المُحنك عمرو بن العاص.