"يا من تذهب سوف تعود، يا من تنام سوف تصحو، يا من تمضي سوف تبعث"، بهذه الكلمات استهل المخرج الكبير شادي السلام فيلمه المومياء، وكأنه يتنبأ بأن العهد القديم سيعود مرة ثانية. وقام موقع البحث العالمي "جوجل" بتغيير اللوجو الرسمى له، واستبدالها بصورة المخرج الكبير احتفالاً بذكرى ميلاده ال(85) فى إشارة إلى مدى أهميته وقيمته فى عالم الإخراج. ويعد فيلم المومياء واحدًا من أبرز أفلام السينما العربية، ليجعل من المخرج الكبير شادي عبد السلام واحدًا من أبرز مخرجي العالم، وحصل فيلمه على المرتبة الأولى فى استطلاع الأفلام الأجنبية الذي أجري في فرنسا عام 1994 م، كما حصد الفيلم العديد من الجوائز في المهرجانات العالمية، أبرزها جائزة (سادول) والنقاد في مهرجان قرطاج 1970 م . وسبق شادى عبد السلام برؤيته الإخراجية الكثيرين من أبناء جيله، ولكنه لم يقدر فى حياته بسبب عدم تقدير الفن والنقاد له ولفنه وقتها، ولكنه نجح من خلال فيلمه المومياء ليتبوأ مكانة مميزة فى قائمة أهم 100 مخرج على مستوى العالم في تاريخ السينما من رابطة النقاد الدولية في فيينا بعد ربع قرن. وظل شادي عبد السلام يبحث عن التاريخ الغائب، والهوية، والجذور، فقد كان مُحبًا للتاريخ الفرعوني القديم وأراد أن يوظفه من أجل بعث الهمة في روح الشعب المصري، ويستخلص منه دروسًا تفيد الأجيال القادمة من خلال تعميق فكرة الانتماء لديهم وربطهم بماضيهم وحضارتهم وجذورهم. وعكف شادي على الانتهاء من مشروعه الثاني وهو فيلم " مأساة البيت الكبير" وعُرف باسم (إخناتون) نسبة إلى الشخصية المحورية بالفيلم، الذي لم يرَ النور حتى الآن، كما ظل يعيد في كتابته عشر سنوات قام خلالها بإعداد التصميمات والديكورات والأزياء والإكسسوارات الخاصة بالفيلم. وقُدمت لشادى عبد السلام عدة عروض لإنتاج الفيلم ولكنه رفضها جميعا حيث كان يأبى المنطق التجاري من أساسه، وسعى إلى أن تقوم وزارة الثقافة بإنتاج الفيلم الذي يتطلب تكلفة إنتاجية عالية لكن جهوده باءت بالفشل. ولد شادي عبد السلام بمدينة الإسكندرية في 15 مارس 1930، وتخرج من كلية فيكتوريا بنفس المحافظة عام 1948، ثم درس فنون المسرح في لندن في الفترة من 1949 م إلى 1950، والتحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتخرج منها عام 1955، وأتيحت له تلك الفترة أن يكون تلميذا للمعماري السكندري الشهير " حسن فتحي " فعرف من خلاله الفنون الإسلامية. وبدأ شادي عبد السلام حياته الفنية مصممًا للديكور، وعمل مساعدًا للمهندس الفني رمسيس واصف عام 1957، ثم مُساعدًا للإخراج في عدة أفلام كان أغلبها لمخرجين أجانب. وقدم شادى عبد السلام عدة أفلام للسينما أبرزها " الفلاح الفصيح" و" جيوش الشمس" و "كرسي توت عنخ آمون الذهبي"، و"الأهرامات وما قبلها " و"رع مسيس الثاني "، كما ترك بصمته في مجالي الديكور وملابس الأفلام، وظهر ذلك خلال الفيلم التاريخي الكبير " الناصر صلاح الدين " للمخرج يوسف شاهين. وعمل شادي في وظيفة مدير مركز الأفلام التجريبية بوزارة الثقافة 1970 ، كما عمل بالتدريس بالمعهد العالي للسينما قسم الديكور والملابس والإخراج في الفترة من عام 1963 إلى 1969. ليرحل الفنان العبقري شادي عبد السلام في أكتوبر من عام 1986، قبل أن يتم أحلامه السينمائية، وتم تخصيص قاعة بمكتبة الإسكندرية لأعماله تتضمن أزياء وديكورات وإكسسوارات ورسومًا وضعها خلال مسيرته الفنية. كما تم تأسيس جمعية أصدقاء شادى عبد السلام بعد وفاته، وقامت بجمع تراثه السينمائي المكون من لوحات واسكتشات رسمها لمناظر وأزياء في أفلام عمل بها سواء من إخراجه أو إخراج غيره إلى جوار الاحتفاظ بمكتبته وأوراقه وصوره المختلفة التي تجمعه مع أقرانه المبدعين العرب والعالميين في أكثر من مناسبة. وتضم الجمعية نصوص سيناريوهات أفلامه وملخصات لأفكار حضارية وثقافية، إضافة إلى مكتبة ضخمة في شتى المعارف الإنسانية، ومن ضمنها الحضارة المصرية القديمة، كما تحتوي على بعض المقتنيات.