«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء أ. ح حسام سويلم يكشف المتاجرين بدين الله
الكذابون الخوارج يقتلون المسلمين ويستحلون الحرمات بدعوى الجهاد
نشر في الوفد يوم 19 - 01 - 2015

بعد أن اكتشفنا فى الحلقة الماضية حقيقة الأمر فيما يتاجر ويخادع به المتطرفون والوهابيون حول شعار عودة الخلافة نواصل إيضاح حقيقة الأمر فى موضوع آخر يتاجر به هؤلاء ويستخدمونه شعاراً يروجون له للوصول إلى السلطة والحكم..
فزعموا كذباً بأن المجتمعات الإسلامية تحكم بغير ما أنزل الله وادعوا إفكاً وزوراً وبهتاناً أنهم يريدون الحكم والسلطة من أجل إنزال الناس على حكم الله، وأنهم هم القادرون على ذلك والأحق به وليس لأحد أن ينازعهم فى هذا الحق.. بل أعطوا لأنفسهم الحق فى الحكم إيمان وكفر أى إنسان أو فئة واستحلال حرمات كل المعارضين لهم والذين لا ينضمون إليهم.. وهم فى ذلك لا يتورعون عن حدب آيات القرآن عن مقصدها فى الهداية إلى الله وتفسيرها بما يحقق مصالحهم وأهدافهم وبما يتعارض مع مقصد الدين فى تزكية النفس الإنسانية وهدايتها إلى الله تعالى.
ما الذى أنزله الله؟ ومن المخاطب فى هذه الآيات؟
عندما نتناول معنى «الحكم بما أنزل الله» ينبغى أن نطرح سؤالين مهمين وبديهيين وهما:
أولاً: ما الذى أنزله الله تعالى لكى يحكم به؟ ثانياً: من المخاطب فى القرآن الذى يؤمر بأن يحكم بما أنزل الله؟
والإجابة عن السؤال الأول هى أن الله تعالى قد أنزل (القرآن والسنة) لكى يحكم بهما كل مسلم فى كل أمور حياته.. والسنة الشريفة هى تبيين لما أنزل فى القرآن وتفصيل لما أجمل فيه.. ومن ثم فإن (الحكم بما أنزل الله) يعنى الالتزام والطاعة والعمل بكل ما أنزل الله تعالى فى القرآن وبينت السنة الشريفة تفاصيله وأحكامه سواء فى أمر الاعتقاد أو العبادات أو المعاملات والأخلاق:
ففى العبادات: لابد أن يحكم المسلم بما أنزل الله فى الصلاة.. فيلتزم بكل ما ورد فى القرآن وفصلته السنة الشريفة من أحكام الطهارة والوضوء وأداء الصلاة فى مواقيتها وبكيفيتها وأركانها كما جاءت فى السنة الشريفة كما يوضح الحديث الشريف (صلوا كما رأيتمونى أصلى).. فإذن التزام المسلم بكل ما أنزل فى شأن الصلاة فى كتابه وعلى لسان رسوله فإنه يكون قد حكم (حكم بما أنزل الله) فى الصلاة.. وإذا تغافل عنها أو خلفها ولم يلتزم بأدائها والحرص على الالتزام بها يكون قد (حكم بغير ما أنزل الله) فى الصلاة.
وكذلك فى أداء الزكاة.. فإذا التزم المسلم بهذا الركن من أركان الإسلام الخمسة وكان يسارع وبانتظام بأداء الزكاة المستحقة عليه أولاً بأول ومن تلقاء نفسه واحتساب كل ما يستحق عنه أداء الزكاة من مال وثروات أو فى عروض التجارة وفى الزروع وفى تربية الإبل والأبقار والأغنام وغيرها فإن المسلم يكون قد حكم فى شأن الزكاة (بما أنزل الله) وينعم بما يعده به المولى عز وجل من تزكية ماله ونفسه ورضوان الله تعالى عنه فى الدنيا والآخرة.. أما إذا لجأ المسلم إلى التهرب من أداء الزكاة والغافل عنها فإنه يكون قد (حكم بغير ما أنزل الله) فى هذه الفريضة.. وينطبق هذا الأمر نفسه على كافة العبادات.. فمن التزم بأداء الصيام والحج إن استطاع إليه سبيلاً فقد (حكم فى هاتين الفريضتين بما أنزل الله).. أما من لم يلتزم بالصيام رغم استطاعته ولم يلتزم بالحج رغم استطاعته فقد حكم فى هاتين الفريضتين (بغير ما أنزل الله)..
وفى المعاملات والأخلاق: أنزل الله الكثير من الأحكام التى لابد أن يلتزم بها كل مسلم. فمن خرج عنها وخالفها فقد (حكم بغير ما أنزل الله).. فهناك المسلم الذى (يحكم بغير ما أنزل الله) فى معاملة الوالدين.. فيسئ معاملة الوالدين أو أحدهما ولا يلتزم بما يأمر الله تعالى من حسن معاملتهما وطاعتهما والأدب معهما والرحمة بهما.. وقد (أنزل الله هذا الحكم) فى قوله تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربى ارحمهما كما ربيانى صغيراً) 23 الإسراء.. كما أنزل الله فى القرآن والسنة الأحكام التى تأمر المسلم بحسن معاملة جيرانه وبصلة الرحم بأهله.. والأحكام التى تحدد للمسلم مسئوليته عن التربية الصالحة لأبنائه وتوجيههم إلى طاعة الله ورسوله وحب أهل بيته وصحابته الكرام وطلب العلم وإعمال العقل.. فإذا خالف المسلم أى حكم من هذه الأحكام فى معاملة جيرانه وأهله ووالديه أو فى تربية أولاده وتوجيههم فإنه يكون قد (حكم فيها بغير ما أنزل الله).. كما أنزل الله العديد من الأحكام فى ضرورة التزام المسلم بمكارم الأخلاق من الصدق والأمانة والسماحة فى البيع والشراء وفى القضاء والاقتضاء.. وفى تجنب سوء الظن فى الآخرين أو التجسس عليهم أو اغتيابهم.. وفى غض البصر.. وفى عدم تشبه الرجال بالنساء أو النساء بالرجال.. فإذا وقع أى مسلم فى المعاصى والمخالفات لأى حكم من هذه الأحكام فإنه يكون قد (حكم بغير ما أنزل الله) فيها.. وإذا التزم المسلم بطاعة ما أنزل الله فى هذه الأحكام فإنه يكون قد (حكم فيها بما أنزل الله).
ويتضح من هذه الحقائق أن الخطاب القرآنى الذى يأمر (بالحكم بما أنزل الله) هو خطاب وتكليف شخصى لكل مسلم بأن يحكم فى كل حياته - من المعتقد والعبادات والمعاملات - بما أنزل الله فى القرآن الكريم وعلى لسان رسوله فى السنة النبوية الشريفة.. وليس صحيحاً ما يروج له أصحاب دعاوى الفكر المتطرف من الزعم والإيحاء بأن هذه الآيات تتحدث عن (الحكم الدنيوى) وأنها تختص بالحديث عن (الحكم) وسلوكه!!
مسئولية الحاكم
إن الحاكم مسئول - مثل كل مسلم - عن (الحكم بما أنزل الله) فى كل أمور المعتقد والعبادات والمعاملات والتزامه بكل ما أمر به الله ورسوله فيها.. كما أن عليه بحكم أنه راع مسئوليات أخرى كما يتبين من الحديث الشريف (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته).. فالحاكم مسئول عن تيسير حاجات المسلمين من عمل وغذاء وكساء ومسكن ودواء ووسيلة انتقال.. وهو مسئول عن بذل أقصى الجهد للاستثمار الأمثل لكل موارد البلاد البشرية والزراعية والصناعية والمعدنية واستغلال كافة الثروات من أراض وأنهار وبحار وثروات غذائية.. ومنع الاحتكار فى كل صوره وأشكاله.. كما تمتد مسئولية الحاكم إلى تحقيق الأمن والأمان والاستقرار فى ربوع البلاد وإصدار القوانين والنظم التى تكفل تحقيق ذلك الهدف والتى تردع كل معتد فى الداخل أو الخارج وتمنع أى تهديد لأمن الوطن والمواطنين، كما أن الحاكم مسئول أيضاً عن نشر العدل بين الرعية وإقامة القضاء العادل الذى يكفل حماية حقوق كل مسلم ويمنع عنه الظلم والعدوان. فإذا التزم الحاكم بالعمل على تحقيق ذلك يكون قد (حكم بما أنزل الله) وإذا غفل عنها يكون قد (حكم فيها بغير ما أنزل الله) وهو مسئول أمام الله تعالى كما بين سيدنا عمر بن الخطاب فى مقولته الشهيرة (لو عثرت دابة فى العراق لسئل عنها عمر لِمَ لم يمهد لها الطريق).
معنى الآية (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون):
يلجأ أصحاب الفكر المتطرف إلى التضليل والحكم على معارضيهم وعلى المجتمع الإسلامى بأسره بالكفر استناداً إلى قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) 24 المائدة.. وعندما نعود إلى هذه الآية القرآنية نجد أنها تصف فئة من الناس الذين لا يلتزمون بالحكم بما أنزل الله ويخالفونه بأنهم (فأولئك هم الكافرون).. ولكن ذلك الوصف لا ينطبق على كل من لا يلتزمون بالحكم بما أنزل الله.. إذ إن الآية التالية لها (المائدة 45) تصف فئة أخرى من الذين لا يلتزمون بالحكم بما أنزله الله بأنهم (أولئك هم الظالمون)، حيث يقول تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون).. كما أن هناك آية ثالثة بعدها (المائدة 47) تصف فئة ثالثة من الذين لا يلتزمون بالحكم بما أنزل الله بأنهم (فأولئك هم الفاسقون)، حيث يقول تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون).. ويتبين من ذلك بوضوح أن هناك ثلاث فئات من الناس الذين (لا يحكمون بما أنزل الله) ويخالفون ما يأمر به الله ورسوله فى القرآن والسنة.. ويختلف الحكم الإلهى على كل فئة من هؤلاء فهناك من يصفهم المولى عز وجل بأنهم (كافرون).. وهناك من يصفهم الله تعالى بأنهم (ظالمون) أو (فاسقون)، ومن البديهى أن الله تعالى هو الذى يختص وحده بالحكم على ما فى قلوب العباد وهو الذى يتكفل بحسابهم.. ولكن المضللين من دعاة الفكر المتطرف يتعمدون إخفاء هذه الحقيقة والاقتصار على ترديد قوله تعالى (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) للحكم على معارضيهم وعلى الأمة بالكفر وإخفاء أن الله تعالى هو الأعلم بما فى قلوب عباده من الكفر أو الإيمان وهو الذى يتولى حسابهم.
دعوة الحاكمية.. والتطاول على الذات الإلهية
هناك العديد من الآيات التى تؤكد أن (الحكم لله) وحده لا شريك له.. ومن هذه الآيات قوله تعالى (ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلى الكبير) 12 غافر.. وقوله تعالى (قل إنى على بينة من ربى وكذبتم به ما عندى ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحد وهو خير الفاصلين) 57 الأنعام.. وقوله تعالى (ويرسل عليكم حفظة حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون.. ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين) 62 الأنعام.. وهذه الآيات وأمثالها تبين سريان الحكم الإلهى فى الوجود من ثواب وعقاب.. واستمرار الجزاء الإلهى على الدوام والاستمرار على حكم قوله تعالى (وكذلك نجزى المحسنين) 84 الأنعام.. وقوله عز وجل (كذلك نجزى كل كفور) 36 فاطر.. وهذا هو السنن الإلهى منذ أن خلق الله تعالى الوجود وإلى ما شاء الله لهذا الوجود أن يستمر ويدوم.. وليس لهذه الآيات التى تتحدث عن الحكم والجزاء الإلهى على المؤمنين والكافرين أى علامة بالحكم الدنيوى والسلطة الدنيوية.. ولكن الجماعات المتطرفة تستغل هذه الآيات فى شعاراتها التى تدعو إلى الاستيلاء على السلطة فى البلاد الإسلامية تحت الزعم بإقامة (الحاكمية لله).. وهو الشعار الذى رفعه سيد قطب فى كتابه (معالم فى الطريق) حيث يزعم بأن (الحاكمية لله) ليست قائمة اليوم فى المجتمعات الإسلامية بدعوى أن الحكام لا يطبقون الشرعية الإسلامية ومن ثم فإنه يحكم على كل هذه المجتمعات بالجاهلية ويحكم بالكفر على كل من فيها حتى وإن أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وصاموا رمضان وحجوا البيت الحرام (كتاب معالم فى الطريق صفحة 116).. ويصل الأمر بسيد قطب إلى التطاول على المولى عز وجل حيث يزعم أن الحاكم والناس قد اعتمدوا على سلطان الله فى الأرض وسلبوه.. وحاشى لله ونستغفر - ما يسميه (بأخص خصائص الألوهية وهى الحاكمية) التى أسندوها للبشر!! 0معالم فى الطريق صفحة 10) وأن على جماعته أن تعمل من أجل (إعادة الحاكمية لله ورد لمطامع جماعته المغتصب)!!.. وهكذا لم يتورع سيد قطب فى سبيل الترويج لمطامع جماعته فى الاستيلاء على السلطة عن ارتكاب أعظم ما يقع فيه إنسان من الجرائم وهو التطاول وسوء الأدب وسوء المعتقد فى الخالق عز وجل.. فمن بديهيات الإيمان أن يؤمن المسلم بالقدرة المطلقة للمولى عز وجل فى الوجود مصداقاً لقوله تعالى (له ملك السماوات والأرض يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير) 2 الحديد.. فمن ذا الذى يستطيع أن يزعم بأن سلطان الله فى الوجود قد اغتصب وأن هناك من اعتدى على أخص خصائص الألوهية؟.. إن حكم الله تعالى قائم ودائم فى الوجود وهو يرتبط بالقدرة والإرادة الإلهية المطلقة.. ولا علاقة لحكم الله فى الوجود بإرادة الناس أو بقدرتهم ولا يتوقف على إيمان الناس أو كفرهم.. فالله تعالى يقول (والله يحكم لا معقب لحكمه) 41 الرعد.. ولا يعدو الناس جميعاً أن يكونوا عباداً خلقهم الله وترك لهم المشيئة فى الإيمان أو الكفر كما يقول تعالى (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) 29 الكهف.. ثم يحاسبهم الله فى الدنيا وفى الآخرة على إيمانهم أو كفرهم وهو الغنى عن العالمين جميعاً كما يقول عز وجل (ومن كفر فإن الله غنى عن العالمين) 97 آل عمران.. ومن الجدير بالذكر أن الشعار الذى رفعه سيد قطب وأسماه (الحاكمية لله) هو ذاته الذى رفعه الخوارج الأوائل حين قالوا لسيدنا على بن أبى طالب (الحكم لله لا لك يا على).. فكان رد حضرته الذى يدحض فتنة الخوارج اليوم هو قوله (كلمة الحق أرد بها باطل).
قتل المسلمين
ارتبطت دعوة سيد قطب التى أسماها بإقامة (الحاكمية لله) بفتنة تقسيم البلاد إلى دار حرب ودار إسلام.. والزعم بأن دار الحرب هى التى لا تقام فيها أحكام الشريعة التى يزعمونها.. وعلى المسلم (أن يحاربها ولو كان فيها مولوده وقرابته من النسب والصهر وفيها أمواله ومنافعه)!!.. وأن دار الإسلام هى البلاد التى تسيطر عليها جماعته وتقيم ما تزعم بأنه الحكم بما أنزل الله (معالم فى الطريق صفحة 150 و157).. وكذلك الدعوة إلى (قتال المسلمين فى دار الحرب واستحلال حرماتهم بدعوى الجهاد).
ومن الجدير بالذكر أن الزعم بأن البلاد تقسم إلى (دار حرب) و(دار إسلام) هو زعم باطل ليس له أى دليل على الإطلاق فى القرآن والسنة وهو يستهدف فقط خلق الحروب والتقاتل بين الدول الإسلامية وتمزيقها وتفريقها.. فالقرآن لا يقسم البلاد أو القرى تبعاً للحاكم الذى يحكمها أو القوانين السائدة فيها.. فالمولى عز وجل لا يصف القرى بالإيمان أو الكفر بسبب سلوك حكامها وطبيعة القوانين التى يطبقها هؤلاء الحكام وإنما يصف المولى عز وجل القرى بالإيمان أو الكفر تبعاً لما يسود بين أهلها من طاعة الله أو معصيته.. وتتبين هذه الحقيقة فى الكثير من آيات القرآن مثل قوله تعالى فى سورة النحل 112 (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون).. ومن ثم فإن مزاعم تقسيم البلاد إلى دار حرب ودار إسلام لا تعدو أن تكون تبريراً للصراع المسلح الذى تدعو إليه جماعات الخوارج للوصول إلى الحكم والاستيلاء على السبطة مع إلباس هذا الصراع ثوب الدين والجهاد!!
كما لا يتورع سيد قطب وجماعته عن قصر معنى الجهاد على التقاتل بين المسلمين وصرف معانى كل آيات القرآن التى تأمر المسلم (بجهاد النفس) فى طاعة الله والابتعاد عن المعاصى والمخالفات والالتزام بمكارم الأخلاق.. والانحراف بمعانى ومقصد هذه الآيات إلى الدعوة إلى قتال المسلمين فى المجتمعات الإسلامية بعد تكفيرها من أجل الوصول إلى الحكم والسلطة.. كما لا يتورع سيد قطب وجماعته أيضاً عن تقطيع سياق آيات القرآن للترويج لفتنة الدعوة للتقاتل بين المسلمين فيقوم سيد قطب فى كتابه (معالم فى الطريق) بتقطيع سياق الآية القرآنية التى يقول فيها المولى عز وجل (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) 36 التوبة.. ويورد الجزء الأول من الآية فقط وهى قوله تعالى (وقاتلوا المشركين كافة).. ويزعم بأن هذا هو حكم بالقتال.. وأنه يجب مقاتلة المشركين لمجرد الشرك حتى ولو أنهم لم يعتدوا على المسلمين.. وهى دعوة تتعارض مع صريح الآيات القرآنية التى تأمر المسلمين بعدم الاعتداء على غيرهم كما يقول تعالى (وقاتلوا فى سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين) 190 البقرة.. وهكذا يتبين أن هؤلاء الخوارج يخالفون كل ما أنزله الله فى القرآن والسنة ولا يتورعون عن تقطيع سياق آيات القرآن ومخالفتها للترويج لفتنة التقاتل بين المسلمين بعد الحكم بتكفيرهم وإثارة الفتن والصراعات المسلحة داخل المجتمعات الإسلامية لتحقيق مآربهم فى الوصول إلى السلطة والتحكم فى مقادير العباد تحت ستار الدين وراية الجهاد المزعومة!!
خلاصة القول:
يستهدف الترويج للشعار المخادع لجماعة الإخوان المسمى ب(الحاكمية لله) أن يقيم هؤلاء الخوارج دولتهم التى يحتكرون فيها التصرف فى السياسة والحكم ويزعمون بأنهم يعبرون عن الإرادة الإلهية وأنهم يسعون للوصول إلى السلطة من أجل تطبيق أحكام الله على الأرض، وأن ذلك هو عين الجهاد فى سبيل الله.. وفى هذا الصدد يقول سيد قطب فى كتابه (السلام العالمى والإسلام) صفحة 170 إنه يدعو جماعته إلى «ضرورة الجهاد لحماية المؤمنين ونشر الدعوة والقضاء على الظلم فى الأرض حتى تسود الحاكمية وتتحقق ربوبية الله فى الأرض».. وهو ما يستدعى فى نظره ضرورة تشكيل ميليشيات عسكرية لتقوم بمهمة الجهاد التى يدعو إليها.. هذا فضلاً عما يعنيه هذا القول من تطاول وسوء أدب على المولى عز وجل لأنه يظهر المولى عز وجل وحاشى لله كما لو كان فى حاجة إلى جماعة الإخوان لكى تعيد له سلطانه المغتصب على زعمهم وتحقق له الربوبية فى الأرض!!.. فى حين أنه حاجة أنه من بديهيات الإيمان أن حكم الله فى الوجود قائم من الأبد وإلى الأزل وليس فى حاجة إلى البشر.. ولذلك اتساقاً مع مفهوم الإخوان للجهاد أنشأوا ما يسمى (بجيش الإخوان) حيث أعد فى مكتب الإرشاد (قسم الوحدات) وهو أخطر أقسام الجماعة لأنه المسئول عن الجانب العسكرى فى نشاط الجماعة.. وحرصوا على ضم أعداد من ضباط الجيش إليه فى الأربعينيات والخمسينيات وكانوا يتولون أمور التسليح والتدريب.. كما كان المرشد السابق مصطفى مشهور من أكثر قادة الإخوان إصراراً على بناء جيش خاص بهم ودعمه.. وكان يقول لمعارضيه (هل تتصورون دولة بلا أمن ولا جيش؟.. نحن أكبر من دولة.. نحن أمة إسلامية ويجب أن يكون لهذه الأمة أمن وجيش).. ثم أردف مشهور قائلاً: (يوم يعود قسم الوحدات سيكون شعارهم «اعدوا»).. وهو بالفعل ما يعكسه شعار الإخوان المتمثل فى سيفين متقاطعين وبينهما كلمة «اعدوا» وكانت تقديرات مصطفى مشهور أن يصل الإخوان إلى الحكم فى عام 2018 وأن لديهم خطة سيصلون إلى الحكم من خلالها.. وأكد ضرورة تفعيل شعارهم الذى يحوى كلمة (اعدوا) قائلاً: (نحن نعمل بها منذ سنوات طويلة).. وقد تجددت دعوة الاستيلاء على الحكم فى السنوات القليلة التى سبقت ثورة 25 يناير حيث وضع خيرت الشاطر فى عام 2005 خطة لتمكين جماعة الإخوان من حكم مصر وذلك تحت اسم (فتح مصر).. وكأن مصر وشعبها دولة من كفار قريش أو الرومان وكأن خيرت الشاطر هو عمرو بن العاص الثانى الذى سيعيد الإسلام للمصريين الذين حكم الإخوان بكفرهم واستحلوا حرماتهم بزعم أنهم لا يحكمون بما أنزل الله.. وحدد الشاطر فى خطته أساليب سيطرة الجماعة على الجيش والشرطة والأحزاب السياسية والقضاء والنقابات المهنية والعمالية ونوادى أعضاء هيئة التدريس بالجامعات والاتحادات الطلابية وبما يمكنهم فى النهاية من السيطرة على تقاليد الحكم فى الدولة من رئاسة وبرلمان وحكومة وجيش وشرطة وقضاء.. وبالفعل وبعد أن استغلوا ثورة 25 يناير.. ومن خلال خطة تضليلهم للشعب المصرى بشعارات الحكم بما أنزل الله وإقامة الدولة الإسلامية فضلاً عن أعمال الغش والتزوير والتدليس التى يجيد الإخوان ممارستها أمكنهم فى غفلة من أعمال الزمن أن يخدعوا المصريين بشعاراتهم وأن يحصلوا على أصواتهم ومما يمكن الجماعة من الوصول إلى حكم مصر فى يوليو 2013.. وحينئذ لم تضيع جماعة الإخوان وقتاً فسارعت إلى الإفراج عن الإرهابيين المعتقلين بل استدعت إرهابيين جدداً من الخارج ودفعت بهم إلى سيناء ليتم تشكيل الجيش الإخوانى هناك بدعم ومساندة دول ومنظمات تابعة لجماعة الإخوان أو تتفق مصالحها معهم.. بل تعاون الإخوان مع النظام الحاكم فى إيران لإنشاء (حرس ثورى إخوانى) و(جهاز مخابرات) خاص بالإخوان.. ولولا ثورة الشعب المصرى فى 30 يونية لخطى الإخوان خطوات واسعة فى هذا المجال.. الأمر الذى كان يمثل تهديداً خطيراً للأمن القومى المصرى لاسيما وبعده الداخلى.. وهو ما شاهدناه وأدركنا مخاطره بعد أن أطاح الشعب بنظام حكم الإخوان فبرزت على السطح ميليشيات عديدة تابعة للإخوان منها (جند مصر) و(أنصار بيت المقدس).. وغيرها من الميليشيات التى نقلت نشاطها الإرهابى إلى داخل محافظات مصر وأوسعت فيها قتلاً وتخريباً وتدميراً وعنفاً وفوضى.. ولم تفرق بين رجال الشرطة والجيش وأبناء الشعب العاديين فى القتل والتدمير وإسالة الدماء، حيث اعتبرت جماعة الإخوان أن ذلك العنف هو الوسيلة الوحيدة أمامها للعودة إلى حكم مصر ولو على حساب أرواح ودماء المصريين وخراب بلادهم ووقوع مصر فريسة للاحتلال الأجنبى الذى لم يتورع الإخوان عن استدعائهم ليعيدهم إلى الحكم.. ولكن الله تعالى كان رحيماً بالمصريين فأنار وكشف أمامهم حقيقة هذه الجماعة الإرهابية وأسقط عنها أقنعة الخداع والتضليل وأدرك المصريون أنهم كانوا ضحية الوقوع فى الشعارات الكاذبة لهذه الجماعة فنفضها عن كاهلهم فى 30 يونية وتخلصوا من نظام حكمهم البغيض بعد عام واحد كان كفيلاً بأن يوقظ عقولهم ويكشف حقيقة شعاراتهم الهدامة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.