صدر حديثاً عن دار أطلس للنشر والتوزيع بالقاهرة المجموعة القصصية «خوفناك كهوست» للكاتب أسامة العمري، وقد استطاع الكاتب من القصة الأولى أن يسبر أغوار العقل بجرعة فلسفية راقية استطاع تمريرها بانسيابية بالغة في نص يحمل الكثير من التساؤلات وهو يعيد إنتاج قصة العالم العربي الشهير الرازي عندما مر ببستان وخلفه 300 تلميذ يطلبون العلم طلاب العلم فخرجت عجوز وسألتهم من هذا الملك؟! فقال: هذا ليس ملكاً، هذا الفخر الرازي الذي يعرف ألف دليل ودليل على وجود الله! فضحكت العجوز وقالت: لو لم يكن عنده ألف شك وشك على وجود الله لما أحتاج إلى ألف دليل ودليل! أنتج الكاتب القصة بحرفية مستدعياً عدة معاني فلسفية، فعصارة الشريعة في كل ملة هي أن تحب الخالق فوق كل مخلوق، وأن غاية العلم أن يؤدي إلى الإيمان لا إلى الشطط. حيث يستعرض الكاتب صراعاً نفسياً يعيشه بطل قصة الحضرة بين ما يعهده من خطى أبيه في حلقات الذكر والتمجيد لله سبحانه وتعالى وبين قناعاته وأفكاره، فصور الكاتب بطل القصة في حالة من الصراع المفتوح بين عقل نهم يرغب بالاستزادة في العلم، ولكنه لم يجد بغيته في محدودية علم أبيه واجتهاداته التي رآها قاصرة أمام نطاق العلم والاجتهاد البشري فيأتى الأب في صورة المتشبث بمعرفته الراضي بها فيرد على ابنه حين اشتد النقاش بينهم «نحنُ أرْبابُ أحْوال، لا أصحابُ أقْوال، لنْ ينالَ المُشاهدَةَ منْ تركَ المُجاهَدَة. ما إنْ أُخاطِبُهُ بالعِلْمِ والمنْطِقِ إلّا ويُقاطِعُنى لا تنشرْ عِلْمَكَ ليصدّقَكَ النّاس، انشُرْ علْمَكَ. ليصدّقُكَ الله». استطاع الكاتب أن يتحلل من اللغة الفلسفية الثقيلة إلى لغة تتناغم بين البساطة والعمق بألفاظ قريبة إلى النفس وجعل النهاية مفتوحة ليشحذ عقل القارئ ويتركه ليصنع الحل كما يشتهي ومع خيارات التأويل فبرع أسامة العمري في تشويق القارئ وتركه ظمآن دون ارتواء وبات على القارئ أن يكمل القصة فكأنما يستدعي قول روسو: أيها الشاب.. عليك دائماً بالإخلاص والصدق والتواضع. إن جهلت شيئاً، اعترف بجهلك، كثرة العلم تؤدي إلى رقة الإيمان. العالم يزدري مشاعره العامة ويود لو يتميز بنزعة خاصة به. الفلسفة المغترة بتفوقها تقود إلى التعصب. تجنب كل مغالاة والزم دائماً سبيل الحق أو ما بدا لك حقاً على الفور. أصدع بإيمانك في جموع الفلاسفة وبين الملتزمين ادعُ إلى التسامح. قد لا يؤازرك أحد، لكن رضاك على نفسك يعفيك من استجداء رضاء الآخرين.