تتميز كل دول العالم بأربعة مستويات: الحرف- الكلمة- الجملة والمعني، في حين تتميز اللغة العربية بمستوي خامس هو الدلالة الصوتية، فلكل حرف عربي دلالة صوتية حسب مخرجه من الحلق. كما أن العربية تضم أصوات كل حروف لغات العالم، وبقاياها في كثير من اللغات يؤكد أنها أصل لغات العالم، وطبقا لقانون انقراض اللغات فاللغة الوحيدة التي ستبقي أبد الدهر هي العربية، حيث تعهد المولي عز وجل بحفظها، مصداقا لقوله تعالي: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الآية 9 سورة الحجر. ولقد جذبت العربية الكثيرين من أصول أعجمية للكتابة بها مثل ابن المقفع، وبشار، والبيروني الذي أن أشار إلي الهجو بالعربية أحب إليه من المدح بالفارسية، والزمخشري الذي أكد أن التدريس بغيرها يذهب بجمال العلم. ليس هذا فحسب، فاللساني الفرنسي «رينان» أبدي إعجابه باللغة العربية قائلا: «أغرب ما وقع في تاريخ البشر وصعب حل سره، انتشار اللغة العربية، فقد كانت لغة غير معروفة بادئ ذي بدء، فبدت فجأة علي غاية الكمال، سلسة آية السلاسة، غنية أي غني، كاملة، ليس لها طفولة ولا شيخوخة، ولا أري مثل ذلك للغة من لغات الأرض». وتقديراً لمكانة اللغة العربية العالمية جاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3190 في 18 ديسمبر 1973 باعتمادها ضمن اللغات المستخدمة في المنظمة العالمية، وجاء في ديباجة القرار.. ان الجمعية العامة للأمم المتحدة إذ تدرك ما للغة العربية من دور مهم في حفظ ونشر حضارة الإنسان وثقافته، وإذ تدرك أيضا أنها لغة تسعة عشر عضوا من أعضاء الأممالمتحدة، وهي لغة عمل مقررة في وكالات متخصصة مثل: «اليونسكو، الأغذية والزراعة، والصحة، والعمل الدولية»، وإذ تدرك ضرورة تحقيق تعاون دولي أوسع نطاقا. وإذ تلاحظ مع التقدير ما قدمته الدول العربية الأعضاء من تأكيدات بأنها ستغطي بصورة جماعية النفقات الناجمة عن تطبيق هذا القرار. تقرر إدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل المقررة في الجمعية العامة ولجانها». ولكن من المؤسف أن العرب لا يزالون يطبقون فلسفة «يا رايحين الغورية هاتوا لحبيبي هدية» أي ننتظر من غيرنا أن يقوم بأداء ما هو مطلوب منا!. فالخطير هنا أن المندوبين العرب في المنظمة العالمية ولجانها يتحدثون إما باللغة الإنجليزية أو الفرنسية أو باللهجات المحلية! وكذلك عدم دفع نفقات ومخصصات الترجمة، مما دعا الأممالمتحدة إلي إعادة النظر في وجود اللغة العربية داخلها! والأكثر خطورة أننا نحتفل باليوم العالمي للغة العربية علي طريقة «اللي يحب النبي يصقف»!، فخلال شهر ديسمبر أقامت العديد من الجهات اللغوية والثقافية في مصر- ومن بينها جامعة أجنبية- ندوات وأمسيات احتفالا بهذا اليوم، وشرفت بحضورها جميعا لكوني منتميًا لجمعية لسان العرب لرعاية اللغة العربية، إلا أنه للأسف الشديد كانت الكلمات تدور حول الموضوع وليس في الموضوع، لم تقدم جهة واحدة أي مشروع لغوي ينفذ علي أرض الواقع، بل جاءت التوصيات- علي الرغم من كثرتها، مكررة. وإنصافاً للحق هناك أطروحات تمثل وقائع مثيرة، منها ما اقترحه د. أحمد درويش من إلغاء كتب اللغة العربية بمراحل التعليم!، وما فجره د. علي مدكور من قنبلة لم ينزعج لها أي من الحضور حينما أعلن أن 4 جامعات إيطالية تعتبر أن «اللهجة المصرية هي اللغة العربية الفصحي المعاصرة» ومن ثم فالدراسات التي يقومون بها في الأقسام اللغوية تقوم علي هذا الأساس. إن الأمر جد خطير. فالدعوة إلي إقناع العرب بالتخلي عن الفصحي، واتخاذ العاميات أداة للتعبير والإبداع والإنجاز العلمي، التي ظهرت الآن هي إحياء إلي ما قاله ويكلوكس الانجليزي وأعوانه من قبل. ما فائدة أن تخصص اليونسكو يوما للغة العربية كي نحتفل به، ونغمض العين عما هو محدق بها، مستهدفا علي المدي البعيد إحداث قطيعة بين قرآننا وتراثنا. مازالت الفرصة سانحة أمامنا كي نحافظ علي الفصحي خاصة في مجالات العلم والمعرفة حتي لا ندفع الثمن غاليا مثلما دفعناه بسبب حرفي «ال» حينما صدر قرار 242 من مجلس الأمن بانسحاب إسرائيل- نوفمبر 67- من أراض عربية. أية أراض؟ وصفق المندوبون العرب للقرار ظناً منهم أنه لصالحنا؟ اللهم ارفع غضبك عنا.