كثيرة هي القواسم المشتركة، والفضائل والقيم، التي تجمع بين "محمد" و"عيسى بن مريم" عليهما السلام؛ لأنهما مثالًا واحدًا حيًّا يجسد الإنسانية بأسمى صورها، وأبهى معانيها، ويصورا الرحمة الإلهية نحو خلقه. لقد نهلت الإنسانية بهما "عليهما السلام" من معين الصبر والتضحية والإباء، فكان النتاج مزيجًا من فيض الميلاد وبذل العطاء، ذلك أن المسيح "روح الله وكلمته"، ومحمدٌ "حبيب الرحمن ومصطفاه"، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين. ما يجمع بين النبيين "سلام الله عليهما" هو التأكيد والدفاع عن القيم الإنسانية، والعمل الصادق على إحقاق الحق، وتحرير الإنسان من الظلم، وتقريبه من ربه وخالقه، وعندما تتزامن مناسبتا ذكرى مولديهما العطرة على سبيل الظن، فتلك فرصة رائعة نحو مزيد من التأمل والتفكير في المساحات النورانية المشتركة بين الإسلام والمسيحية. عندما نتحدث عن القيم الإنسانية في أسمى تجلياتها، فإن الله تعالى أوجدها في نبيّه عيسى، وثبتها وكرسها في رسوله محمدًا، من خلال تضحياتهما المشتركة في سبيل حفظ الدين وتبليغ الرسالة الإلهية. ومما يبهج القلب ويمتع الجسد أن الاحتفال بميلاد السيد المسيح، يصادف - هذا العام - مولد الرسول الأعظم، صلوات ربي وسلامه عليهما، في صورة تجسد الفداء بالفداء، والتضحية بالتضحية، والكرم بالكرم، والشهامة بالشهامة، والوفاء المطلق منهما معا. وفي تلك المناسبة العظيمة، نعتقد بأنه على مسلمي الأمة ومسيحييها إنكار الذات، وتوقيف الأنا، وتجنيب الخصوصيات، لتعزيز القواسم المشتركة، انطلاقًا من كل الأفكار السامية والقيم العليا، وما أكثرها تلك المشتركات التي تقربنا وتجمع بيننا، مما يجب علينا أن نجعل منها وقودًا لحياتنا ومشعلًا لطريقنا، وسراجًا لنهجنا. إن الفضائل المشتركة بين المسيحية والإسلام كثيرة ومتعددة، فمن التعارف والتآلف والمودة والسلام، إلى قيم التسامح والتناصح والإخاء والوئام، ومن الإقبال على فعل الخير وحسن المعاملة، إلى الإحجام عن الأنانية، ومن حب الأوطان وتجويد العمل والعطاء واعتناق العدل والبر والإحسان، إلى نبذ الشدة والغلظة ومقاومة البغي والعدوان مما يؤكد أنهما من نبع واحدة. إننا نزعم أن ذروة تلك الفضائل والقيم التى تتقاسمها المسيحية والإسلام، هي فضيلة الحب وقيمة السلام.. إليهما دعيا، ومن أجلهما جاهدا، ليتمما مكارم الأخلاق. ولعل أبرز القيم التي دعتا إليها شريعتا السماء "المسيحية والإسلام" هي " السماحة والسلام"، اللتان تعدان جوهر الديانتين.. فهي تعني السلام المطلق، والسماحة المطلقة؛ أي: سلام المرء مع ربه ونفسه، وأهله ووطنه، والسماحة مع الناس أجمعين. إننا في ذكرى مولديهما العطرة "عليهما السلام"، نقول: ما أكثر العظماء الذين خلدهم تاريخ الأمم، وصاروا ينبوعًا تستقي الأجيال منه، ولكنه لن يكون هناك مثيل للنبيين "محمد وعيسى" في تأصيل القيم الإنسانية وتأكيد الأخلاقيات العليَّة، بما تحمله من معاني الحق والعدل و السماحة والسلام.