يجب أن نرجع إلى أمثالنا الشعبية عندما نفشل فى حل قضايانا السياسية لنبحث فيها عن المخرج لأى أزمة تواجهنا، عندما نقول فى المثل الشعبى «سكتنا له دخل بحماره» فإننا نعترف بأننا تساهلنا مع هذا الشخص إلي درجة انه دخل المنزل ممتطيا حماره دون استئذان بعد أن كان يقف على الباب وحيدًا حتي نسمح له بالدخول، سفارة بريطانيا بالقاهرة تريد أن تفرض كلمتها فى جاردن سيتى راكبة دماغها، أو حمارها لا فرق، وحى جاردن سيتى كما هو معروف، هو سكن الطبقة الراقية جدًا، طبقة الهوانم والباشوات، وطبقة الكبار، ويكتظ بالمنشآت الهامة المصرية غير السفارات الأجنبية وعلى رأسها سفارات أمريكاوبريطانياوكندا، وهو حى شبه محصن اجتماعيًا وطبقيًا لا يدخله أحد من خارج سكانه إلا بدعوة رسمية بعد عملية تفتيش واسعة يقول فيها حقى برقبتى، سكان جاردن سيتى يعانون من التفتيش والمضايقات بعد ثورة 25 يناير فى ظل الإجراءات الأمنية الجديدة. سفارة الولاياتالمتحدةالأمريكية فرضت حولها طوقًا أمنيًا، وأغلقت شارعا بالكامل، وحصنت نفسها بالبوابات الالكترونية، والثكنة العسكرية وهذه التحصينات الشديدة غير موجودة فى قصر الاتحادية والمنشآت المصرية المهمة، رحلة عذاب يومية يعيشها سكان جاردن سيتى، وقاصدو هذا الحى للضرورة يتعرضون للتفتيش الذاتى والإهانة أحيانًا لزوم راحة البعثة الأمريكية بحجة التهديدات الأمنية، معظم المحلات فى هذا الحى داخله وعلي أطرافه تعرضت للخراب وأغلقت أبوابها بسبب الإجراءات الأمنية التي وقفت حائلاً ضد عملية استقبال الزبائن، وتوقفت عمليات البيع والشراء، السكان ملوا من المعاملة الخشنة رغم الحيثيات الوظيفية والاجتماعية لمعظمهم ولكنهم رضخوا أمام اعتبارات تأمين الضيوف، السكان وأصحاب المحلات لجأوا للقضاء مطالبين برفع الحواجز وفتح الشوارع بعد أن تحولت المنطقة إلى سجن كبير وصدرت بعض الأحكام ولم تنفذ، وبقى الحال على ما هو عليه. وطالما السكوت علامة الرضا فقد دبت الغيرة فى قلب سفارة بريطانيا وحاولت تقليد جارتها سفارة أمريكا بمضاعفة الإجراءات الأمنية حولها، استغلت بريطانيا، القرارات التي اتخذتها بعض دول حلف الأطلنطى برفع التحفظات الأمنية فى محيطها ومنها تفتيش السيارات علي بعد 50 مترا من السفارة، ورغبت بريطانيا فى تطبيق هذا الإجراء، ولو حدث فإنه سيكون قرارًا بغلق كورنيش النيل من التحرير حتى المعادى وحلوان، وتتحول جاردن سيتى إلى سجن حقيقى، ويحرم المواطنون من المرور علي كورنيش النيل لقضاء مصالحهم أو للفسحة، ويمنع مرور السيارات. من الشارع نهائيًا بأمر السفارة البريطانية التى تحاول تقليد السفارة الأمريكية التي سكتنا لها فتمادت فى إجراءات التأمين حتى أصابت المواطنين بالاختناق. إذا أغلق كورنيش النيل كما تسعى سفارة بريطانيا فإن الفنادق الكبرى ستغلق فى هذه المنطقة، وتغلق جميع المصالح والمنشآت الحيوية وتغلق مستشفيات قصر العينى وتتحول المنطقة إلى صحراء ليس فيها حياة، ويضطر سكان جاردن سيتى إلى التعزيل وكل واحد منهم يبحث له عن شقة خلف مصنع الكراسى أفضل له. من حق أى سفارة بريطانيا، كندا، استراليا، أمريكا، وأى سفارة أخرى بدون استثناء أن تغلق فى حالة تعرضها لتهديدات أمنية، ومن الواجب علي مصر توفير أقصى درجات التأمين للبعثات والأجانب وجميع المقيمين على أرضها، وهو ما يحدث بالفعل، باعتباره واجبًا يتوافق مع الاتفاقيات الدولية، ولكن يجب أن يتم هذا التأمين فى اطار متوازن مع راحة المواطنين وحريتهم، والمبالغة فى عملية التأمين مرفوضة لأنها تتعارض مع راحة المواطنين. وقبل أن تغلق السفارات أبوابها وتعلق خدماتها عليها ابلاغ وزارة الخارجية كما هو متعارف عليه فى العرف الدبلوماسى لتقوم بتحليل المعلومات وابلاغ أجهزة الأمن لتوفير التأمين الذى يتناسب مع الخطر، لكن عملية تسريب المعلومات التي خرجت من سفارة بريطانيا بأنها تتعرض لتهديدات من خلال عمليات إرهابية ستحدث فى ديسمبر فإن ذلك ابتزاز باسم الدبلوماسية، وهو مرفوض، إن اشاعة هذه الأنباء رغم ما تعيشه مصر من استقرار أمنى يعكس الجو العام الذى تشيعه جماعة الإخوان ويخدم الإرهاب، ويهدد مناخ الاستثمار فى مصر، ويطفش السياحة ويتعارض مع الأعراف الدبلوماسية.