تمر هذه الأيام الذكري الأولى لوفاة الراحل المفكر «سعيد العشماوي»، قضى الفارس الراحل حياته مدافعاً عن التنوير والحرية باحثا عن الحقيقة أينما كانت، واهباً نفسه للعلم والفكر والابداع، يبدأ يومه بالتنقيب والبحث والقراءة من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساء، لا يقوم من على كتبه الا لدواع انسانية من مأكل أو راحة، صاحب مؤلفات رنانة وصفها الاديب توفيق الحكيم بأنها محكمة وموفقة، أثرى المكتبة العربية والانسانية بأمهات الكتب وصف احدها العلامة وسيم السيسي بأن الشعب المصري لو قرأ كتاب الاسلام السياسي لتغيرت حياته، وهو صاحب هذا المصطلح الذي استعاره الكثيرون من بعده، زرته في منزله بالزمالك قبل وفاته بيومين وشممت رائحة الموت تلف المكان وكان حاضر الذهن مدركاً مخاطر الوحدة التي يعيش فيها، ومن مؤلفاته «الخلافة الاسلامية - الأصول المصرية لليهود - الاسلام السياسي - ديوان الأخلاق» وغيرها آخرها «مصر صفحة السماء» أكثر من 30 كتاباً تتسم بالعمق والثراء غير الأبحاث والمقالات. وفي كتابه ديوان الأخلاق يصل العشماوي - رحمه الله - الى حقيقة مدهشة أن كل أدبيات مصر القديمة وعلى مدى العصور لم يدع المصري أن الخطأ أو القصور منسوب للغير - كالشيطان - أو أنه قدر ومكتوب لم يكن منه فكاك. وأن العقل هو الهادي في الظلمات وإذا بزغ نور العقل ولي زمن المعجزات، يبحر في التاريخ المصري القديم ويلقي الضوء على حكم بتاح حوتب والتي كتبت سنة 2400 ق. م، وهى أقدم نصوص في الأدبيات الانسانية تعبر عن السلوك المستقيم وهى تصلح لكل العصور وتؤكد أسبقية الأخلاق على الأديان ومن هذه الحكم: 1- لا تكن متكبراً بسبب معرفتك. 2- شاور الجاهل والعاقل لأن نهاية العلم لا يمكن الوصول إليها. 3- ثروة المرء العظيمة هى عقله وليس هناك عالم بلغ حد الكمال. 4- إذا أردت أن يكون خلقك محموداً وأن تحرر نفسك من كل قبح فاحذر الشراهة. 5- إذا كنت حاكماً فكن شغوفاً حينما تسمع كلام المتظلم. ثم يصل الى بداية الدولة الحديثة سنة 1300 ق.م، ويعرض لنا رسائل أمينوبي إلى ابنه وفيها: أ- إن المكيال الذي يعطيه الله لك خير من خمسة آلاف تكسبها عن طريق البغي. ب - أرغفة لديك مع قلب فرح خير لك من الثروة مع التعاسة. ج - لا تعبث بالموازين ولا تبخث في الكيل. د - العدالة هبة عظيمة من الله يهبها من يشاء. ه - خير لك أن تنال حب الناس خير لك من أن تحوز الثروة المكنوذة في الخزائن. بل وذهب الى أن الكثير من فكر العبرانيين نقل حرفياً من الفكر المصري القديم مع بعض التعديلات شوهت النص الأصلي وبلبلت المعنى الحقيقي، وهو ما أثار حفيظة بعض اليهود عليه - إلا كبار المثقفين منهم فكانوا يمتدحون أفكاره. أما ديوان الأخلاق هذا فكان يستند إلى «نظام ماعت» والذي يعني الحق والعدالة والاستقامة والنظام، الذي ما إن سقط وذاعت فكرة الشفاعة أن سقط بالتبعية المبدأ الأخلاقي وحلت بالبشرية كارثة عظيمة دفعت بالدعاة في الأسرة السادسة الى اطلاق تحذيراتهم من مغبة ذلك وها هو إيبور يحذر: - من كان لصا صار رب ثروة. - المتحلي بالفضائل يسير وهو محزون - العدالة موجودة باسمها فقط والسرور مات ولم نعد نتذوقه. - أين الحاكم المثالي والملك العادل. رحم الله العشماوي فكان يري أن نتعامل مع التراث على أنه سبيل للاندفاع للمستقبل لا العيش في الماضي، وهو الذي وصف الاخوان بأنهم عديمو الفكر والفقه، يقول جوتة: وعلى شاهد قبرك سيقرأ الناس أنك بحق كنت انساناً. ويقول شوقي: أبوا الخروج إليك من أوهامهم/ والناس في أوهامهم سجناء. مستشار اقتصادي