مع صباح 13 نوفمبر 1918 خط زعماء مصر كلمة البداية بحروف ناصعة لعهد جديد من عناد شعبٍ حر.. ففي ذلك اليوم الذي انطلقت مصر تنفض عن نفسها آثار حرب عالمية طاحنة، وخرج زعماء مصر للمطالبة بالاستقلال عن بريطانيا والتخلص من براثن الاحتلال الذي أحكم قبضته علي البلاد لأكثر من 74 عاماً. والمشهد بدأ كما «روته» كتب التاريخ بدأها بذهاب كل من سعد زغلول وعلى شعراوى وعبد العزيز فهمى إلى المندوب السامى البريطانى، يطلبون منه السماح لهم بالسفر إلى باريس لحضور مؤتمر الصلح عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وعرض مطالب مصر علي المشاركين في المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس الأمريكي «ودروو ويلسون» لإقرار مصير الشعوب المحتلة ونيل استقلالها، ورآها الوفد المصري فرصة لعرض القضية المصرية، وطلب مقابلة المندوب السامى لطلب الإذن ومن ثم السفر لحضور المؤتمر. وبطبيعة الحال كان رد راعى الاحتلال في مصر الرفض، برر المندوب السامى البريطانى «السير ونجت» موقفه بأنه قال لسعد ورفاقه إنكم لا تمثلون إلا أنفسكم ولا تمثلون الشعب المصرى ورفض الاستجابة لمطلبهم، فما كان من الشعب المصرى بكل فئاته وطبقاته إلا أن قام بجمع توكيلات لسعد زغلول ورفاقه للسفر إلى باريس لعرض قضية استقلال مصر وأن يسعوا فى سبيل ذلك بكل الطرق. وعلي أثر تلك المقابلة قام السير ونجت رئيس الحكومة بمخاطبة «حسين باشا رشدي» بشأن الوفد و قال له: من هؤلاء كي يتكلموا باسم الشعب المصري، ومن هذه العبارة قام الوفد بعمل صيغة اكتتاب شعبي ليكون هذا الاكتتاب بمثابة الرد الفاصل علي حجج الاستعمار الواهية و كانت صيغة (الاكتتاب) مكتوبة كالآتي: «نحن الموقعين علي هذا انبنا عنا حضرات سعد زغلول باشا وعلي شعراوي باشا وأحمد لطفى السيد بك ومحمد علي بك وعبداللطيف المكباتي بك ومحمد محمود باشا ولهم أن يضموا اليهم من يختارون في ان يسعوا بالطرق السلمية المشروعة حينما وجدوا السعي سبيلا في استقلال مصر تطبيقا لمبادئ الحرية والعدل التي تنشر رايتها دولة بريطانيا العظمي وحلفاؤها ويؤيدون بموجبها تحرير الشعوب». وبعد ذلك بدأت القوي الوطنية تسعي لتوحيد جهودها حيث سعي الحزب الوطني لتأليف وفدًا برئاسة عمر طوسون لتوحيد الجهود مع سعد زغلول لكن قامت السلطة العسكرية بالتصدي لتلك التوكيلات حيث سعت لتعطيل وصول التوكيلات يوم 23 نوفمبر للناس الذين اقبلوا بكل حماس علي التوقيع علي هذا الاكتتاب فاصدر مستشار وزارة الداخلية الانجليزي أمرا بحظر تداول هذه التوكيلات والتوقيع عليها مما دفع الناس بالتوقيع عليها سرًا. ومع ذكرى هذا اليوم لكل عام.. ظلت روح النضال تتجدد في نفوس الشباب.. فذكرى وراء الأخرى تخرج المسيرات وتعلو المطالب.. ففى عام 1935 اندلعت ثورة الشباب وجرى تشكيل أول جبهة وطنية من كافة الأحزاب باستثناء الحزب الوطنى وقتها وتم توقيع معاهدة 1936 التى تم بمقتضاها حصول مصر على الاستقلال الرسمى وقبولها عضوا بعصبة الأمم.. وفى 1946 اندلعت مظاهرات الشباب للمطالبة بالاستقلال الكامل وحقوق الشعب.. وفى مثل هذا اليوم أيضا أو بعده بقليل اندلعت انتفاضة المصريين ضد الاحتلال عام 1951. أما عن 19 نوفمبر 2011 فقد تجددت الروح الحماسية الرافضة للخضوع، التى تعد الموجة الثانية لثورة 25 يناير، والتى حدث فيها حرب شوارع واشتباكات دموية ما بين المتظاهرين وقوات الأمن المختلفة.. وانتهت بخسائر علي الطرفين في موجتها الأولي والثانية. واليوم ومع ذكرى عيد الجهاد لمنتصف نوفمبر، وبعد كل الانجازات التى حققها المصريون هذا العام بقيادة رئيس منتخب بإرادة شعبية، تستعد الدولة لمواجهة تظاهرات جديدة.. رايتها الإسلام وباطنها المصالح وبين هذا وذاك تراق الدماء بأياد آثمة.
"رشدى" رئيس الحكومة الذى استقال تعاطفاً مع الثورة سعد زغلول من منصة القضاء إلى زعامة الأمة رجال الوفد الأوائل قادو مسيرة الوطن للتحرير من الاستعباد يوم"مطرود"من احتفالات الدولة!