مع تصاعد حدة العنف في ليبيا، تشعر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بالقلق الشديد بشأن سلامة اللاجئين وطالبي اللجوء فيها.. وقد تم تسجيل نحو 37000 شخص لدى المفوضية في طرابلسوبنغازي، ويعيش كثيرون في مناطق طالتها أضرار كبيرة جراء القتال، وهم غير قادرين على الفرار إلى مناطق أكثر أمناً بسبب صراع الميليشيات المستمر. وتتابع المفوضية العمل على الأرض مع شركائها من المنظمات غير الحكومية لتوفير المساعدة والدفاع عن اللاجئين وطالبي اللجوء، غير أن الوضع يشهد تدهوراً سريعاً وبات الكثيرون يعتبرون مغادرة ليبيا الحلّ الوحيد المتاح أمامهم. وفي خضم الفوضى المتزايدة، تتزايد أعداد المهربين ويقوم آلاف الأشخاص اليائسين برحلات بحرية خطيرة إلى أوروبا. ويُقدّر عدد الواصلين إلى إيطاليا بالزوارق منذ بداية العام 2014 وحتى الآن ب 88000 – منهم 11000 شخص وصلوا في الأسبوعين الماضيين - ومن بينهم حوالي 77000 شخص يعتقد أنهم غادروا من ليبيا.. وتفوق هذه الأعداد ضعف أعداد حالات العبور المعروفة التي شهدها العام الماضي حيث وصل حوالي 43000 شخص إلى إيطاليا، نصفهم تقريباً من ليبيا. ويبدو أن القتال الأخير في طرابلس نقل نقاط المغادرة بعيداً عن العاصمة، فقد ازداد عدد السفن المغادرة من نقاط واقعة شرقاً كالخمس وبنغازي.. وعلمت المفوضية عن مجموعة مؤلفة من 500 سوري غادروا في الأسبوع الماضي مباشرةً من بنغازي على متن ثلاثة زوارق، وهي نقطة مغادرة جديدة وأكثر خطراً بما أن المسافة التي تفصلها عن إيطاليا أطول. وقد لقي أكثر من 1000 شخص حتفهم في البحر المتوسط في هذا العام، وكان آخرهم من غرقوا الأسبوع الماضي قبالة سواحل الخمس، التي تقع على بعد 100 كلم تقريباً شرقي طرابلس.. والضحايا البالغ عددهم 128 ضحية، يحملون جنسيات إفريقية، وبينهم الكثير من النساء والأطفال.. وتوفر المفوضية، من خلال شريكها «الهيئة الطبية الدولية» الرعاية الصحية ولوازم الإغاثة للناجين من الحادث وعددهم 22 ناجياً.. وفي هذه الأثناء، تشعر المفوضية بالقلق حيال عدم تمكن جميع الباحثين عن الأمان من عبور الحدود البرية لليبيا، وتحثّ السلطات الليبية على تخفيف القيود المفروضة على تأشيرات المغادرة للسماح بمغادرة الأشخاص. ويشكو معظم الدبلوماسيين والعاملين الأجانب من أنهم لم يتلقوا حتى الآن مساعدة من حكوماتهم وأصحاب العمل لمغادرة البلاد.. أما بالنسبة لعشرات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين وطالبي اللجوء في ليبيا، فإن الإمكانية الوحيدة للهرب تقع في أيدي المهربين. وحتى قبل اندلاع الجولة الأخيرة من المواجهات بين الميليشيات المتناحرة، أدى عدم وجود حكومة مركزية قوية في ليبيا، وكثرة الثغرات في حدودها، وقربها من جنوبإيطاليا، إلى جعلها مركزاً لتجارة تهريب البشر. فقد أضحت ليبيا نقطة الانطلاق التلقائية لمحاولات عبور البحر الأبيض المتوسط بالنسبة لطالبي اللجوء الفارين من الصراع والاضطهاد في سوريا وإريتريا والصومال وغيرها من المناطق، ويأتي هذا في ظل تنامي إغلاق الطرق البرية الأكثر أمناً المؤدية إلى أوروبا بسبب قيام الدول الأوربية بتشديد الرقابة على حدودها. وتشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، إلى أن حوالي 77000 من المهاجرين وطالبي اللجوء قد عبروا من ليبيا إلى إيطاليا حتى الآن في عام 2014، وهذا العدد يفوق إجمالي عدد الذين هاجروا عبر الطريق ذاته في عام 2013، ومن المرجح أن يدفع الصراع الحالي المزيد من الأشخاص للمخاطرة بالعبور على متن السفن المتهالكة والمكتظة. وقد ازداد عدد القوارب التي تغادر ليبيا إلى أوروبا من خمسة قوارب يومياً قبيل الصراع الحالي، ليصل في الوقت الحالي إلى 15 يومياً، وذلك بحسب ما قالته ميرون استفانوس، وهي صحافية إرتيرية وناشطة في السويد تتحدث بشكل دوري مع طالبي اللجوء الإريتريين الذين يواجهون صعوبات في ليبيا، وفي أماكن أخرى، من خلال برنامجها الإذاعي الذي تقدمه بشكل أسبوعي. وأفادت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بأن 128 شخصاً لقوا مصرعهم في الأسبوع قبل الماضي، العديد منهم من النساء والأطفال، عندما انقلب القارب الذي يستقلونه قرب مدينة الخمس، وبذلك يرتفع عدد الذين لقوا حتفهم وهم يعبرون البحر الأبيض المتوسط هذا العام إلى ما يزيد علي 1000 شخص. وعلى الرغم من أن هناك قرابة 37000 من طالبي اللجوء واللاجئين مسجلين لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في ليبيا، إلا أن الكثيرين غير مسجلين ولا يمتلكون وثائق، ومن ثم يفتقرون إلى الحماية سواء من المفوضية أو من سفاراتهم.. كما أنهم عرضة للقبض عليهم من قبل السلطات الليبية، ونقلهم إلى أحد مراكز احتجاز المهاجرين التي يصل عددها إلى 19 مركزاً.. مع ذلك، فإن معظم الوكالات الدولية والمنظمات غير الحكومية التي كانت تقدم في السابق بعض الدعم لهذه الفئة من السكان قد سحبت موظفيها الآن من ليبيا. سوء الأوضاع في مراكز الاحتجاز ونقلت الهيئة الطبية الدولية «imc» موظفيها الدوليين إلى تونس، ولكن الموظفين المحليين يواصلون توفير الرعاية الصحية الأساسية وتقديم الأدوية الضرورية وبعض الأغذية والمستلزمات غير الغذائية للمهاجرين وطالبي اللجوء في المناطق الحضرية وفي مراكز احتجاز المهاجرين في مصراتة وغريان والخمس ومناطق من طرابلس. وعن الأوضاع في مراكز الاحتجاز، قالت ميلكا داميانوفيتش، التي تتولى إدارة المشروع الممول من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين لشبكة الأنباء الإنسانية «إيرين» عبر الهاتف من تونس: إن الأوضاع المتردية أصلاً في مراكز الاحتجاز التي أضحت أكثر سوءاً بسبب الاكتظاظ المفرط في الأسابيع الأخيرة: «تعاني هذه المرافق من سوء الإدارة وهي في حالة سيئة.. وقد أصبح من الصعب الوصول إلى بعض المراكز في ظل القتال الدائر، ما قد يشكل مخاطر صحية». وقالت استفانوس: إن المهاجرين وطالبي اللجوء الذين لا يقدرون على دفع أموال للمهربين لركوب القوارب يصبحون عُرضة للعنف والاختطاف والاحتجاز.. وقال أحد اللاجئين لاستفانوس: إن تكلفة إطلاق سراحهم من الاحتجاز هو 1200 دولار، مشيراً إلى أن بعضهم يفضلون البقاء في مراكز الاحتجاز لأنهم «في السجن سوف يكونون على الأقل آمنين ولن يخشوا الجوعي.