لا تذهب قريبا فإني لا اتحدث عن أندية رياضة تتخذ من الهلال أو المريخ اسما، وإنما أشير إلى صفحة جديدة في سجل التاريخ، كتبها الهنود، الذين لايزال بعضنا يسخر منهم بأشكال عديدة! منذ أيام قليلة نجحت الهند في وضع مسبارها بمدار المريخ لتدخل التاريخ من أوسع أبوابه وتصبح الدولة الآسيوية الأولى التي تلتحق بنادي مستكشفي الكوكب الأحمر. النجاح الذي أحرزته الهند ليس فقط في دخول هذا النادي الفضائي الذي لا يزيد عدد أعضائه علي أربع دول على مستوى العالم ، كما يتجاوز ايضا مجرد تفوقها على منافستها القوية الصين التي فشلت من قبل في تحقيق هذا الهدف، وإنما هناك جوانب أخرى لهذا لنجاح ، من أبرزها أنها هذه هى المرة الأولى التي تنجح فيها تجربة إطلاق صاروخ للمريخ من أول مرة، حيث فشلت المحاولات الأولى لنيل هذا الشرف لدى الدول التي سبقت الهند. كما أن رحلة هذا المسبار هي الأقل تكلفة في العالم بين مهام دخول مدارات الكواكب، فلم تتجاوز 74 مليون دولار.أي أنها أقل من ميزانية إنتاج فيلم «جرافتى» للنجمين جورج كلوني وساندرا بولاك، حيث تكلف الفيلم الذي تدور أحداثه في الفضاء وتم إنتاجه العام الماضي 100 مليون دولار. وفرق بين فيلم عن الكواكب وحدث دخول الفضاء نفسه! أو الاكتفاء بالفرجة على الفضائيات كما هو حالنا. هذا الانجاز أذهل العلماء في العالم بل انه أبهر وكالة الفضاء والطيران الأمريكية «ناسا» التي تخلت عن تعاليها لتكتب في تغريدة على «تويتر» نحن «نهنئ منظمة أبحاث الفضاء الهندية على وصولها إلى المريخ». وردت الهند عبر تغريدة تدعو فيها الوكالة الأمريكية إلى التعاون معها. وأثارت المحادثة الافتراضية ابتهاجاً بين المستخدمين مواقع التواصل الاجتماعي الهنود، وسط بيانات حول إمكانية التعاون بين «ناسا» ومنظمة أبحاث الفضاء الهندية، فقد شعر الهنود انهم من بين الكبار الذين يتبادلون الحديث في الأمور الكونية. لم يكن هذا النجاح على حساب الحرية السياسية، ولا كرامة المواطن، ولم يطالب أحد بكتم الأصوات ليبقى فقط صوت المعركة؛ معركة القنبلة النووية بالأمس التي خاضها الهنود بنجاح ، ثم معركة الفضاء اليوم، فقد تعمقت التجربة الديمقراطية في بلاد الفيلة والتوابل على نحو ملفت للنظر، حيث نجد فيها رؤساء دولة سابقين يمشون في الأسواق وليسوا قابعين في السجون او ميتين تحت التراب كما هو الحال في معظم بلادنا العربية، بل ان تجربتها مستقرة بشكل مذهل مقارنة بشقيقتها التي انفصلت عنها «باكستان»حيث انتكست فيها الديمقراطية أكثر من مرة بسبب الانقلابات العسكرية. المفارقة أنه مع كل هذه الإنجازات وما سبقها في الهند لا يزال الكثيرون منا نحن العرب يتعاملون باستعلاء مع الهنود، والنكتة التي تؤكد غياب وعينا عن العالم لا تزال يتردد صداها بين العامة،فالمصري إذا اراد ان يؤكد لمحدثه انه ليس غبيا، يقول له « ليه هو انا هندي». هذه النكتة ليست هي المؤشر الوحيد على حالة الاستكبار التي نمارسها تجاه الهنود، فالأمر ليس سلوكا مصريا وإنما هو عربي بامتياز حيث ينظر الكثيرون من العرب بدونيةالى زملائهم الهنود العاملين معهم في دول الخليج. حدثت مشادة كلامية بين هندي يعمل بإحدى هذه الدول، وزميله العربي ، فأشار الثاني إلى الاول باحتقار قائلا كيف تجرؤ انت الهندي على الحديث معي بهذه الندية، ليتفاجأ بالرد التالي: «نعم انا هندي وافتخر بذلك، فبلادي صنعت قنبلة ذرية، ولديها أكبر متخصصين في البرمجيات، وأكبر صناعات في شرائح الحاسب الآلي وتنتج سيارات وصواريخ ومنتجات كثيرة أخرى، ولكن قلي : ماذا تفعل انت العربي سوى الثرثرة في المحمول بصوت عال» !.. لو تكررت هذه المشادة اليوم لأضاف إليها الهندي: نحن وصلنا للمريخ، بينما انتم تختلفون على رؤية الهلال!