الموقف التركي من قضية الحرب على الإرهاب بات يطرح تساؤلات عدة عن حقيقة الدور الذي تلعبه حكومة أردوغان، والانتقائية والغموض الذي تتعامل به مع هذا الملف الحساس والشائك استناداً إلى جذورها الإخوانية وعلاقاتها مع إفرازات هذه الجماعة وتشعباتها الإرهابية المنتشرة على ساحة الصراع الإقليمية والدولية . يحمل الموقف التركي في ثناياه نوعاً من الانفصام والتناقض، أقل ما يمكن وصفه بأنه التعبير الأمثل عن حالة النفاق والازدواجية التي أظهرتها أنقرة منذ بداية ما أطلق عليه "ثورات الربيع العربي"، فلا هي مع الشعوب والثورات ولا مع الحكومات، كما أنها مع حركة "حماس" وليست ضد "إسرائيل"، وهي مع الإرهاب وضده في آن، بقدر ما يمكن أن توظف كل هذه التفاعلات في خدمة مصالحها ومصالح تحالفاتها، بعيداً عن أي رؤية استراتيجية للصراع الدائر في المنطقة . يتجلى النفاق التركي في أبرز معانيه من خلال التعامل مع تنظيم "داعش" الإرهابي، وتضارب تصريحات المسؤولين الأتراك بشأن الانضمام إلى التحالف الدولي في محاربته، إذ إن محاربة الإرهاب لا تحتاج إلى تعهدات أو وعود، ولا حتى اشتراطات . فلو كانت النية صادقة في هذا المجال لقبلوا الانضمام إلى هذا التحالف منذ اليوم الأول للإعلان عن تشكيله . ولعل فضيحة الإفراج عن الرهائن الأتراك في العراق وموقف أنقرة من اجتياح عصابات "داعش" للمناطق الكردية في شمال سوريا وإغلاق حدودها أمام اللاجئين الأكراد، تنسف كل ادعاءات هؤلاء المسؤولين . ففي البداية كانت الذريعة أن عائق الانضمام هو وجود 49 رهينة محتجزين لدى "داعش" في العراق، ليتبين في النهاية أن الافراج عن هؤلاء تم من خلال عملية تبادل قام خلالها فصيل إخواني موال لأنقرة باطلاق سراح 50 إرهابياً داعشياً، وبعد ذلك لم نسمع من أنقرة سوى وعود عن إمكانية تغيير موقفها . أما في الثانية فقد كان الموقف التركي أكثر وضوحاً بتوفير الدعم اللوجستي للتنظيم الإرهابي واقامة مستشفيات ميدانية لعلاج جرحاه . وبغض النظر عما تدعيه أنقرة من ترحيل ألف مقاتل أجنبي عن أراضيها كانوا في طريقهم للالتحاق بعصابات الإرهاب، فإنها، كما بات يعرف الجميع، قد سهلت دخول آلاف غيرهم إلى سوريا بذريعة مقاتلة النظام السوري . ويبدو ان أنقرة التي أرادت في البداية توظيف التنظيم الإرهابي في عملية اسقاط النظام السوري، تجد الآن نفسها محرجة مع بدء عمليات التحالف الدولي لاجتثاث هذا التنظيم . الأمر الأكثر غرابة، وربما خطورة يظهر في عودة الحديث عن إقامة منطقة عازلة على حدود سورياوالعراق، وإصرار حكومة أردوغان على بحث هذه القضية مع الأممالمتحدة والمسؤولين الأمريكيين، ما يشي بأن أنقرة باتت تفكر في المستقبل والدور الذي يمكن أن تلعبه لاحقاً، بغض النظر عن سيادة سورياوالعراق . فهزيمة الإرهاب في المنطقة ربما أصبحت وشيكة، ما ينزع منها الكثير من الأوراق التي كانت تستخدمها، وقد يكون الأهم من ذلك كله، هو محاولة منع انفجار القنبلة البشرية، والتي تزيد على عشرين مليون كردي في تركيا، وهو انفجار أصبح إمكانية واقعية بالتأكيد . نقلا عن صحيفة الخليج