هو أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فهو ابن عم رسول الله -صل الله عليه وسلم- بل وأخوه في الرضاعة فقد أرضعتهما حليمة السعدية حينا من الدهر. وكان قاطعا لوشائج الرحم فقد حارب الإسلام عامة وأخاه بصفة خاصة عشرين سنة يحارب بنفسه ويحرض المشركين علي ذلك، وقد سبقه إلي الإسلام أشقاؤه الثلاثة وفل,ربيعة,عبدالله وقصة أبي سفيان غريبة بل عجيبة إذ خرج علي عرف الإسلام والحمية الفطرية فمن الناس من تعصب له لا لدين ولكن للحمية العربية وصلة النسب كعمه أبي طالب وهي قصة إنسان أعيته حيل الباطل ودواعيه فوسعته الطريق الآمنة الرحبة طريق الحق والتوحيد طريق الإيمان والنور (ومن لم يجعل الله له نورا فماله من نور) وفي يوم من أيامه أراد الحق به خيرا فأزال عن قلبه حجاب الباطل وحجب الهوي فانشرح صدر ابنه جعفر إلي الإسلام نادي ابنه وقال لأهله أنا مسافران وإلي أين إلي رسول الله -صل الله عليه وسلم- لنسلم معه لرب العالمين، وسارا يقطعان معا الفيافي والقفار إلي الواحة الآمنة واحة الإيمان ولو أن وحشة السفر والغربة قد احتوتهما فماتا ميتة عادية أو غيلة فقد وقع أجرهما علي رب العالمين، وعند الأبواء أبصرا مقدمة جيش كثيف فعرف أن الرسول قاصد مكة لفتحها وكان التفكير حول سؤال يدور بخاطره ماذا يصنع؟ أن الرسول -صل الله عليه وسلم- قد أهدر دمه من قبل بما كسبت يداه ولو رآه أحد من الجيش لبادر بقتله بلا تردد فالكل يعلم بأنه مهدر الدم، وقد هداه الهادي إلي حيلة يصل بها إلي النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- قبل أن يراق دمه ليكون له في الإسلام شأن يذكر، تنكر وأخذ بيد ابنه حتي ألقي بنفسه أمام الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- مزيلا القناع فأعرض الرسول عنه فأتاه أبو سفيان من الجهة الأخري فأعرض عنه ولم يجد أبو سفيان بدا من أن يصيح -نشهد أن لا إله إلا الله ونشهد ان محمد رسول الله-، فاقترب من النبي -صلوات الله وسلامه عليه- قائلا لا تثريب رسول الله وأجابه الرسول لا تثريب يا أبا سفيان، ولقد رأي أبو سفيان من دلائل صدق الرسول -صل الله عليه وسلم- قبل ذلك بكثير إلا أن الإيمان وغيره عند الله بمقدار معلوم لا تقديم ولا تأخير. ففي غزوة بدر وكان في صفوف المشركين يري شيئا عجيبا يقصه علي بعض القرشيين بعد عودته إلي مكة في أعقاب الغزوة يسأله أبو لهب حينما أبصره عائدا من بدر هلم إلي يا ابن أخي فعندك لعمري الخبر حدثنا كيف كان أمر الناس، فرد أبو سفيان قائلا والله ما هو إلا أن لقينا القوم حتي منحناهم أكتافنا يقتلوننا كيف شاؤا ويأسروننا كيف شاؤا وأيم الله ما لمت قريشا فلقد رأينا رجالا بيضا علي خيل بلق بين السماء والأرض ما يشبهها شئ ولا يقف أمامها شئ وإذا خطر ببالنا سؤال لم يسلم أبو سفيان يومئذ؟ كان الجواب وكل شئ عنده بمقدار، وقد أتي اليوم الذي يسلم فيه أبو سفيان طائعا مختارا ويقبل الله تعالي عابدا قانتا مجاهدا في سبيل الحق والدين ولم يتخلف أبو سفيان عن النبي -صل الله عليه وسلم- في غزوة بعد الفتح الأعظم فقد أراد أن يمسح بإسلامه وجهاده ما ألحقه أيام كفره بالمسلمين من هموم ثقال وذلك أن الجميع يعلم أن الإسلام يجب ما قبله وكذا التوب النصوح تجب ما قبلها من الذنوب يقول الحق عز وجل "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدي"، (إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما)، ومن مواقفه الفذة أن ثبت يوم حنين وقد فر الكثيرون أخذ بمقود فرس النبي -صل الله عليه وسلم- بيسراه وضارب بسيفه بيمناه والرسول- صل الله عليه وسلم- يقول أنا النبي لا يكذب أنا بن عبد المطلب، ولما عادت الفلول الفارة إلي صوابها والتفوا حول نبيهم حمل لواء الجهاد من جديد، أبصر الرسول -صل الله عليه وسلم- أبا سفيان علي حالته تلك من بداية المعركة حتي أوشكت أن تنقضي فقال من هذا؟ أخي أبوسفيان بن الحارث، ما أن سمع أبو سفيان هذه العبارة حتي اشتد فرحه وسروره بهذه المنزلة التي حباه الرسول بها فأقبل علي قدمي الرسول -صل الله عليه وسلم- يقبلهما وقد بللتهما دموعه، وبعد وفاة النبي -صل الله عليه وسلم- تعلقت روح أبي سفيان بالموت ليلحق بالصحب الأخيار فرآه الناس وهو يحفر لحدا في البقيع ولما ابدوا دهشتهم قال لهم إني أعد قبري وبعد ثلاثة أيام استسلم لسكرات الموت ولما وجد أهله يبكون قال لهم معزيا مغتبطا لا تبكوا علي فإني لم أتلوث بخطيئة منذ أسلمت، ثم أسلم الروح إلي خالقها ليرفعها إلي درجات التائبين المؤمنين الصادقين.