أيام قليلة، وربما ساعات، ويتم نقل الباعة الجائلين.. أو معظمهم من شوارع وميادين القاهرة حسب تصريحات المسئولين.. إلى الموقع الذى اختارته المحافظة فى منطقة وجراج عشش الترجمان.. وهذه هى تصريحات الحكومة على لسان الدكتور جلال سعيد محافظ العاصمة.. أيضاً تصريحات كبار المسئولين..ولكن هل تتحقق كل هذه المحاولات.. أم ينتصر الباعة هذه المرة أيضاً كما انتصروا مرات عديدة سابقة، ليس فى القاهرة وحدها.. ولكن فى كل مدن مصر. إذ كادت السلطات المحلية، مدعمة أحياناً بالسلطة المركزية، ترفع الراية البيضاء معلنة الاستسلام أمام جبروت الباعة المدعمين بالبلطجية، وأيضاً بنقابتهم، تخيلوا.. نقابة تحمى الخارجين على القانون.. ومحاولات الحكومة تعثرت دائماً وهى تحاول إجلاء الباعة.. ،كأنها معركة طاحنة مثل إجلاء الاحتلال الإنجليزى، الذى جثم على أنفاسنا 74 عاماً.. فهل يا ترى تنجح محاولاتنا لإجلاء الباعة.. أم ياترى أمامنا أن نصبر 74 عاماً، حتى تنجح محالاتنا مرات بالمفاوضات.. ومرات بالصدام المسلح، فى إجلاء الإنجليز!! إذ فى كل مرة تقوم السلطات بطرد الباعة من «معسكراتهم المسلحة»، لكن ما إن تتم هذه الخطوة، حتى تعود قوات الباعة، وبالكاد بمجرد أن تغادر قوات السلطة الموقع، الى احتلال نفس مواقعهم القديمة بل ويزيدون من المساحة التى يحتلونها هذه المرة، فقد كانت البداية تجمعهم على الأرصفة ثم نزلوا متراً أو مترين فى نهر الشوارع ولما هزموا الحكومة.. احتلوا ثلثى عرض كل شارع.. وتفضلوا علينا بترك الثلث الثالث للسيارات وللمشاة معاً.. واللى مش عاجبه.. يشرب من البحر!! وقدمت السلطات حلولاً عديدة فى العاصمة منها حديقة الأزبكية التاريخية ولولا حملات الرافضين لهذه الخطوة وكنت أنا منهم لتحولت الأزبكية إلى سوق كانتو آخر.. أو إلى سوق الإمام الشافعى الشهير. واقترحت الحكومة المحلية سوقاً مجمعة للباعة فى 15 مايو.. ورفضها الكل: الباعة والمشترون. إذ كيف يصل إليها الناس، ثم اقترح البعض تحويل أرض متحف المركبات الملكية فى بولاق أبوالعلا، ورفضنا ثم اقترحت الحكومة أرض مصنع الثلج وهى أرض ملك الدولة.ولكن ما أكثر الكلام «ومفيش عمل» الى أن تم طرح فكرة أرض وجراج عشش الترجمان.. هنا لنا كلام كثير.. جداً. كانت أرض عشش الترجمان مهجورة من شارع الجلاء مروراً بشارع الصحافة الى أن بنى فيها العظيمان مصطفى وعلى أمين مبنى دار أخبار اليوم، فى أول الخمسينيات.. ولكن ظل أكثر هذه المنطقة مهجوراً ومجرد عشش وورش صغيرة..وظل الأمر كذلك حتى جاء الدكتور عبدالعظيم وزير محافظاً للقاهرة وقرر تجميع مواقف كل الأتوبيسات العامة التى تربط بين العاصمة وما حولها،وذلك بإنشاء ميناء برى متطور على غرار «ميناء القاهرة الجوى». ونجح المحافظ فى تجميع كل هذه الشركات فى هذا المكان الذى جعلوه عصرياً.. بدلاً من العشش، التى ظلت عششاً لمئات السنين.. بإنشاء موقع تجارى به محلات عصرية، وكافتيريات وخدمات، وتم إنشاء هذا الجراج لتشجيع الناس «على النظافة» وعلى الأسواق ومحطات النقل العصرية، وافتتحه الرئيس حسنى مبارك، وأشاد به الكل الذى كان على شكل مطار صغير. وفجأة وجدنا من يفكر فى تحويل كل ذلك إلى «موقف لتجميع الباعة الجائلين.. لتجميع أكثر من 1800 بائع احتلوا شوارع وسط العاصمة بالقوة وخروجاً على كل القوانين.. والطريف أن يجئ من المسئولين من يقول إن هذا ما هو إلا إجراء «مؤقت»!! وأضحك.. لأننا تعودنا أن يتحول كل ما هو مؤقت فى حياتنا إلى واقع دائم.. ومستقر. أى سيتحول جراج عشش الترجمان الذى تكلف مئات الملايين من الجنيهات الى ساحة للباعة الجائلين، المؤقتين كما تقول المحافظة، الدائمين كما سيقول الواقع.. وهنا نقضى على مهمة الجراج الأصلية.. أى ميناء القاهرة البرى ليحتلها طوفان الباعة الذى يزيد عددهم يوماً بل ساعة بعد ساعة أو بعد يوم.. لنجد أنفسنا أمام «جمهورية الباعة الجائلين» كما يطلق عليهم الدكتور عبدالعظيم وزير محافظ القاهرة الذى أنشأ هذا الميناء البرى. ويضيف المحافظ السابق نحن أمام طوفان مستمر.. فما إن يتم «تسكين» عدد منهم، حتى نجد أعداداً أكبر منهم، وكأن البلد أصبح بلد بائعون متجولون.. ويضحك وهو يقول: لا شىء فى مصر اسمه «مؤقت» فالمؤقت سرعان ما يتم تثبيته،وهنا يذكرنى الدكتور وزير بأنه كان يفكر فى انشاء سوق لهؤلاء فى 15 مايو مع توفير خطوط أوتوبيس نظيفة ورخيصة من وسط العاصمة الى هناك.. تماماً كما كان يفكر فى نقل كل معارض وأسواق السيارات الى مدينة بدر.. حقاً نحن نعالج الخطأ.. بخطأ أكبر منه.. وتلك عادة مصرية قديمة وقالوا إيه.. نقابة للباعة الجائلين.. فماذا عن نقابة للمتسولين؟!