لا أحد يستطيع إنكار أن الولاياتالمتحدة هي منشئة الإرهاب، والدافع إلى التطرف من أجل تنفيذ أغراضها، فهى التى نفذت الهجمات الإرهابية على برجى نيويورك لتكون لها ذريعة لغزو العالم الإسلامى، وهي التي تقف وراء إنشاء المواقع الإسلامية المتطرفة على الإنترنت لاكتشاف المتطرفين واعتقالهم بحجة تشجيعهم وتحريضهم على الإرهاب، وهي وسيلة تعتمد على فكرة (الاعتقال الاستباقي) أو ما يمكن التعبير عنه بمقولة (الاعتقال على النية).. وهي نفس فكرة غزو واحتلال العراق بحرب سميت (الحرب الوقائية)، وهذا يفسر ويدعم ما كشفه تقرير أصدرته منظمة «هيومن رايتس ووتش» مؤخراً من أن مكتب التحقيقات الفيدرالي «FBI»، قام بعد أحداث 11 سبتمبر بدفع الأموال وتشجيع الأمريكيين المسلمين على القيام بسلسلة من الهجمات السرية على أماكن متفرقة من العالم، فثوابت السياسات الأمريكية المعادية للعرب في عموم المنطقة لم تتغير ولكنها تتخذ أشكالاً مختلفة لكونها ثوابت تعتمد على نظريات الفكر الإسرائيلي الصهيوني. وفى كتاب بعنوان «لعبة الشيطان» للكاتب الأمريكى روبرت دريفوس يظهر كيف أطلقت الولاياتالمتحدة العنان للأصولية الإسلامية، ودعمت الجماعات الإسلامية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا جهراً وسراً، مما تسبب فى ميلاد «الإرهاب»، وأن أمريكا تلاعبت بالإسلام كعقيدة كما تلاعبت بالجماعات الإسلامية التى دعمتها ومولتها.. واعترف دريفوس فى كتابه بأن بلاده هى المسئول الأول عن انتشار ما اسماه «الإرهاب الإسلامى»، وأن تلك التنظيمات انقلبت فيما بعد على واشنطن مثل «الوحوش التى تنقلب على راعيها». وأن إسرائيل هى التى دربت حركة المقاومة الإسلامية حماس فى الأراضى الفلسطينية المحتلة فى بدايات الحركة، كما شاركت الولاياتالمتحدة فى دعم الثورة الإسلامية بإيران وحركات الجهاد فى أفغانستان. أما تنظيم القاعدة فإن إدارة الرئيس السابق جورج بوش قد بالغت فى حجم ومدى التهديد الذى يمثله التنظيم، فهو ليس بالتنظيم شامل القوة كما أنه لا يمتلك أسلحة الدمار الشامل أو عدداً كبيراً من الخلايا أو الأموال أو العملاء، بالرغم مما أعلنه المدعى العام الأمريكى بعد أحداث 11 سبتمبر بأن القاعدة لديها 5 آلاف ناشط فى أمريكا، وبالطبع بإمكان الولاياتالمتحدة هزيمة القاعدة، ولكنها لا تريد ذلك، لكونها الدجاجة التى تبيض إرهاباً يغذى الحلم الأمريكى الاستيطانى، ولكن من حين إلى آخر تقوم الولاياتالمتحدة بتهدئة وتخفيض درجة حرارة الجماعات الإسلامية، بعدة طرق على رأسها التلويح بحل قضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بأسلوب يضمن إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين، ووقف إقامة المستوطنات الإسرائيلية، وذلك يحقق تهدئة للغضب العام للمسلمين، وبالتالى تتراجع حجة الجماعات الإسلامية. أو أن تكف أمريكا عن محاولات فرض رؤيتها على الشرق الأوسط من خلال سحب قواتها من أفغانستانوالعراق، وتفكيك قواعدها العسكرية فى الخليج «العربى»، وتتوقف إلى حين عن توجيه تهديدات بشن الحرب على إيران أو السودان، ومع هذا تستمر فى دعم ثورات الفوضى الخلاقة الأمريكية وتعميم الإرهاب الدموي وصراع الفئات والتجمعات العرقية والدينيه التى تزحف في كل الاتجاهات، وليبيا نموذجاً صارخاً في دلالاته لهذا المخطط الرهيب، مع تفكيك الجيوش العربية وإجبارها على تغيير هياكلها الإدارية ونظرياتها القتالية وإغراقها في حرب مستديمة ضد الإرهاب والإرهابيين، وهو ما يعتبر الركن الأساسي في استراتيجية السيطرة الأمريكية والإسرائيلية. والولاياتالمتحدةالأمريكية ومنذ عدة عقود وقبل وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي بدأت في التأسيس لمنظومة العدو الافتراضي الجديد بديلاً عنه، معتمدة على ترسيخ فكرة الإسلام السياسي كعدو رئيسي لها بديلاً عن الشيوعية ومنذ ذلك صنعت العديد من التنظيمات الإسلامية للقيام بمهمة العدو الافتراضي، وهناك اعترافات للمستشار السابق للأمن القومي الأمريكي زبجينو بريجنسكي في كتابه «لعبة الأمم» قال فيها: إنه على أساس هذه الاستراتيجية تم ولادة وتشكيل أكثر من 50 منظمة إسلامية سياسية وجهادية من رحم سياسة الولاياتالمتحدةالأمريكية على الصعيد الدولي وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط وأن العداء للأنظمة ورفع شعار تكفير الحاكم والخروج على ولي الأمر وضرب بعض المصالح الأمريكية سيكون بمثابة الشعار اللازم والمطلوب، لإحكام السيطرة الاستراتيجية على المنطقة. وقد كشفت الوثاق الأمريكية المسربة والمعروفة بفضائح (ويكيلكس) عن قيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بتجنيد ما يزيد على 270 ألف مجند تم تدريبهم على كافة الأعمال القتالية الشرسة في مختلف القارات وعبر شركات خاصة، ليتم استدعاؤهم للمشاركة في الأعمال القتالية لتقويض هذا النظام أو ذاك بدءاً من أوكرانيا ومروراً بسوريا وليبيا ومصر وشبه جزيرة سيناء.. فاستراتيجية صناعة الإرهاب ومحاربته استراتيجية أمريكية خطيرة ومثيرة، هادفة بالأساس إلى تقويض بعض الأنظمة وتدمير وتفكيك بعض الجيوش المستهدفة وقد وضعت على رأس قائمة الاستهداف كيانات وجيوش الدول العربية المهددة للأمن الإسرائيلي أو تلك التي شاركت بشكل أو بآخر في المجهود الحربي العربي ضد إسرائيل، وعليه فقد تم استهداف وتدمير كيان جيش الشعب العراقي والجيش السوري، والمستعصى الآن هو الجيش المصري.. وكل ما سبق يفسر هذا العداء الاستباقى من أمريكا لثورة الثلاثين من يونية ولقيادات الجيش المصري الداعمة لهذه التحولات، لأن مصر تغيرت وخرجت بثبات عن طور التبعية الأمريكية، في حين ظلت إدارة البيت الأبيض الأمريكي تنظر لها من خلال مفاهيمها القديمة والبالية والمبنية على سياسة الهيمنة والسيطرة وفرض القيود والنفوذ.