مبدعو دراما رمضان لم يتجهوا فقط للأعمال الأدبية والمسرحية مثل «الملك لير» و«سجن النساء» ولكن تعدوها إلي فلسفة الصوفية في رسائل الإمام محيي الدين ابن عربي والكتب السياسية بكتاب قواعد السلطة وهو كتاب للكاتب الأمريكي روبرت جرين. رغم أن هناك اختلافاً كبيراً بين ما قدمته فتحية العسال في مسرحية «سجن النساء» والمسلسل الذي كتبت له مريم ناعوم المعالجة الدرامية والسيناريو إلي جانب البصمة الخاصة لكاملة أبوذكري، فإن كل شخصية في المسرحية كانت تصلح لأن تكون بطلة مسلسل، فالمسرحية فيها أكثر من خط درامي، يركز علي معني السجن الداخلي في حياة الإنسان الذي هو أكبر وأقوي من السجن الحقيقي، وإذا كانت المسرحية قد قدمت علي خشبة المسرح، بسوسن بدر وصفاء الطوخي وماجدة نور الدين وسلوي خطاب، إلا أن الأخيرة هي الوحيدة التي شاركت في العمل، وأعتقد أن أجمل ما في العمل هو إظهار روح التجربة التي عاشتها فتحية العسال كتجربة شخصية عاصرتها أثناء فترة اعتقالها بالسجن ليتحمل المجتمع الفاسد مسئولية انحرافهم أو الجرائم التي ارتكبوها، ليصل بتلك الحالات الإنسانية إلي هذه الحالة المريرة.. وتأثير الفقر والجهد والفساد علي سلوك وحياة الأفراد وكيف تسبب في تغيير سلوكهم ويدفعهم إلي الانحراف، ليبين للجمهور مدي الضرر الذي يلحقه المجتمع بقسوته علي بعض النماذج من النساء، ثم اللقاءات التي أجرتها مريم ناعوم مع نماذج إنسانية حقيقية عاشت تجربة السجن. أما العمل الثاني «دهشة» فهو تمصير رائع من السيناريست كمال عبدالرحيم لرائعة شكسبير «الملك لير» فشخصية «الباسل» التي قدمها يحيي الفخراني هي الملك لير.. الذي كانت له ثلاث بنات. وكان الملك لير وقتئذ عجوزاً تجاوز الأعوام الثمانين.. وشعر بأن الوقت قد حان ليتخفف من أعباء حكم مملكته لذلك قرر أن يقسم المملكة بين بناته الثلاث علي أن يتحدد نصيب كل منهن بحسب ما تقوله من كلمات عن حبها لأبيها.. وهكذا استدعي الملك لير بناته الثلاث وطلب من كل واحدة منهن أن تعبر عن مدي حبها له.. ولأن البنت الكبري كانت علي قدر كبير من المكر والدهاء، والقدرة علي تنميق الكلمات فقد قالت إنها تحب أباها بما تعجز الكلمات عن وصفه، وأن أباها أعز من عينيها وحريتها وحياتها كلها، وأعجب الملك لير بكلام ابنته الكبري فوهبها هي وزوجها ثلث مملكته، وكانت البنت الوسطي لا تقل عن أختها مكراً ودهاء، وقدرة علي تزويق الكلام، فقالت إن كل متع الدنيا لا تقارن بالسعادة التي تحسها بسبب حبها لأبيها.. وأعجب الملك لير بكلام ابنته الوسطي فوهبها وزوجها الثلث الثاني من مملكته.. وكانت البنت الصغري تدرك مدي الزيف في كلمات كل من أختيها وتعرف أن كل واحدة منها قالت كلماتها المنمقة والمزوقة رغبة في الحصول علي أكبر جزء من أموال أبيها.. ولذلك فقد آثرت هي أن يكون حبها لأبيها صامتاً وصادقاً في نفس الوقت، وقالت إنها تحب أباها طبقاً للأصول الواجبة باعتبارها ابنته.. والاختلاف كان في مسلسل «دهشة» كان في إصرار الابنة الصغري علي الزواج ممن تحب حتي ولو فقدت ثروتها.. ولأن الملك لير كان عجوزاً هرماً فقد أفقده السن قدرته علي التمييز السليم بين الكلام الصادق الذي يخرج من القلب والكلام الزائف الذي قد ينطق به اللسان، لذلك فقد اعتقد أن ابنته الصغري تتكبر عليه فغضب وقرر أن يحرمها من الحصول علي أي جزء من مملكته بل وأعطي الثلث الباقي من المملكة مناصفة بين الأختين.. بينما في المسلسل اعتقد «الباسل» أن الصغري تعصي أوامره، وبدأ الملك لير إقامته لمدة شهر في قصر ابنته الكبري علي أن يقيم في الشهر التالي في قصر ابنته الوسطي. ولكن وقبل أن ينقضي الشهر الأول الذي قضاه الملك لير في قصر ابنته الكبري بدأ يكتشف الفرق الهائل بين الواقع المرير والوعود الزائفة التي قطعتها الابنة علي نفسها، وضاقت الابنة الجحود بأبيها وأخيراً جاءت اللحظة التي فهم فيها الملك لير أسباب ودوافع المعاملة السيئة التي كانت تعامله بها ابنته. أما مسلسل «تفاحة آدم» فقد أشار الضابط شريف «زكي فطين عبدالوهاب» إلي أن سر العايب خالد الصاوي ترجع إلي قراءة وفهم كتاب «قواعد السلطة» وهو كتاب للكاتب الأمريكي روبرت جرين، وفيه ثماني وأربعين خانة، وهي في علم السياسة والقوة تتكون من ثمانية وأربعين قانوناً نوعياً، وهو يزعم أنه جمعها من التجربة البشرية خلال ثلاثة آلاف من السنين وبمئات الأمثلة والقصص، ومن المخزون الثقافي من كل الشعوب، وقد قام في كتابه بعرض القانون ثم اختصر شرحه في أسطر قليلة ليذكر نموذجاً إنسانياً في معني الالتزام بالقانون وبعد ذلك يقوم بتفكيك آلية عمل القانون وفي النهاية يذكر أمرين خرق القانون وعقوبته أو مفتاح الوصول إلي القوة.. ومن قرأ الكتاب يفهم كيف استطاع المؤلف خلق شخصياته من خلال تلك القوانين. أما مسلسل «السبع وصايا» بطلته سوسن بدر كانت تقرأ رسائل الإمام محيي الدين بن عربي وأغنية التتر عن حدوتة الإنسان ورحلته من الملكوت الأعلي للحياة الأدني إذ يقول: فلله قوم في الفراديس مذ أبت.. قلوبهم أن تسكن الجو والسما ففي العجل السر الذي صدت له.. رعود اللظي في السفل من ظاهر العجي تلك الحدوتة استجوبت رواية موسيقية ملائمة، اختار لها هشام نزيه في مقدمة مسلسل «السبع وصايا» خلفية من ذكر الذاكرين صوتاً للملكوت، وراوياً من إنشاد المغني.. المسلسل به ملامح من فاوست وعلاقة الإنسان بشيطانه.