أكد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف ضرورة التواضع للفقراء والبسطاء، ومعاملتهم بلطف حتى إذا كانت ملابسهم قديمة و مظهرهم بسيطا . وأكد " الطيب " أن التأفف من الفقراء يقف عقبةً ضد الإيمان بالله تعالى، وضد الخيرات للإنسانية كلها، فقوم نوح - عليه السلام - لمَّا كان يدعوهم: «فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ" {الشعراء 110-111} ففي الآيتين أن نوحاً - عليه السلام - أمر قومه بطاعة الله وتقواه، فأجابوه: أتريدنا نحن أن نجلس مع هؤلاء الناس؟ فأتباعك من أقل القوم، ولا يصح لنا أن نجلس معهم ولا نؤمن بما يؤمنون، فهذا التَّأفُّف من هؤلاء الناس كان سببًا في أنهم فضَّلوا الكُفر على الإيمان، وفي مجتمعاتنا يوجد بعض الناس الأثرياء، أو من "مُحْدَثِي النعمة" لا يرى نفسه أو لا يشعر بنفسه إلَّا إذا احتكر الآخر، فهذا الإنسان عنده عقبة شديدة تحول دونه ودون الخير العام. وأضاف شيخ الأزهر أن كُفَّار قُريش كانوا يتعاملون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفس المعاملة، حيث كانوا يتأففون من أن يجلس مع الفقراء من صحابته - صلى الله عليه وسلم؛ وطالبوه أن يَطرُدَهم، بل كانوا يقولون له: لو طردت هؤلاء الأَعْبُد "العبيد"، وأرحتنا من روائح جبابهم، لجلسنا إليك وحادثناك، أي: فمن الممكن أي نجلس مع بعضنا البعض ونتفاهم في مسألة الإيمان هذه، وهمَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يفعل ذلك، ولكنه لم يفعل، فنزلت الآية الكريمة: «وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» {الأنعام 52}، أي: لا تطرد هؤلاء النَّاس لفقرهم ورائحتهم ولأوضاعهم هذه، وتتبع هؤلاء القوم، فإنك لو فعلت تكون من الظالمين. ثم يأتي قول الله تعالى: «وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولواْ أَهَؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ»{الأنعام 53}؛ ليقول للنبي - صلى الله عليه وسلم: نحن الذين جعلنا هؤلاء الأعبُد، وهؤلاء الذين يلبسون الثياب الرثة، والذين تفوح منهم رائحة العرق - فتنةً لهؤلاء الوجهاء، الذين قالوا: ألم يجد الله غير هؤلاء الناس ليَمنَّ عليهم، ونحن لا، فهذا يدل على أن التأفُّف من الفقراء والبسطاء، هو عقبة منعت كثيرين من الدخول في الإيمان، ومن أن تسعد في الدنيا والآخرة، بل بالعكس فقد دخلوا بابًا من الشقاء لا ينتهي لا في الدنيا ولا في الآخرة. ونبَّه فضيلة شيخ الأزهر إلى أنَّ هذا الحديث لا يعني إهمال النظافة؛ فالإسلام ليس كذلك، والنَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ"، بطَر الحق: دفعه وإنكاره ترفعاً وتجبراً، وغَمْط الناس: احتقارهم، وحب الإنسان للثياب الحسنة والهيئة الحسنة ليس من الكبر ولا من العُجب المنهيِّ عنه، بل هو أمرٌ دعا إليه الإسلام، ورغَّب فيه، ولكن ليس بمقدور كل فرد أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، إما لأنَّ الله تعالى ضيَّق عليه في رزقه، أو أنَّ عملَه الذي أُسند إليه يتوجَّب أن يكون رجلًا رثَّ الهيئة، ولذلك لا ينبغي النظر إليه باحتقار لرثاثة هيئته أو اشمئزاز من رائحته، فالكل سيصير إلى التراب، والتراب والدود لا يُفرِّقان بين رجل كان يلبس الثياب الفاخرة ويدهن شعره بأفخر أنواع الكريمات، وبين رجل كان أشعثَ أغبرَ رثَّ الهيئة. وأوضح فضيلته: أن الإسلام لا يُقَيِّمُ الناسَ على أساس شكلهم ومظهرهم وإمكاناتهم المادية، لأن الإمكانات المادية والشكل والمظهر، هذه أرزاقٌ من الله تعالى، لا يد للإنسان فيها، فما ذنب طفل وُلِدَ، وله أبٌ يعمل بحرفةٍ ما، في أن يُنظَر إليه نظرة دونية؟ ولذلك كان من عظمة الإسلام أن أمر أتباعه بالتواضع للناس جميعًا، ونهى عن التعامل معهم على أساس أن هذا غني فيجب احترامه، وهذا فقير فيجب إهماله وعدم الاعتناء به .