يخطئ من يعتقد أن الاقتصاد المحلي غير الجاذب، وأن الصدمات التي تعرض لها الاستثمار منذ ثورة 25 يناير وتداعياتها قد نالت منه وعملت علي تطفيش المستثمرين، فالواقع يؤكد قوة الاقتصاد وقدرته علي امتصاص الصدمات التي واجهته، ومر بها طوال السنوات الثلاث الماضية. عقب ثورة 30 يونية زادت شهية المستثمرين بكل فئاتهم وجنسياتهم علي السوق لتعود الاستحواذات بقوة في البورصة، مما يؤكد صلابة وقوة الاقتصاد التي تعد البورصة مؤشراً ومرآة له، خاصة أن الفترة القادمة ستشهد العديد من الاستحواذات في ظل الإصلاحات الاقتصادية التي تجريها الحكومة. المراقب للأحداث يتبين أن الأشهر القليلة الماضية شهدت حركة واسعة من المستثمرين الأجانب والعرب علي شراء حصص في الشركات المقيدة بالسوق المحلي، عقب إنجاز الانتخابات الرئاسية التي تتمثل في الاستحقاق الثاني من خارطة المستقبل لثورة 30 يونية. الصفقات الكبري التي شهدها السوق وصلت إلي 7 صفقات وصلت قيمتها لنحو 5 مليارات جنيه لعل أبرزها تحالف مجموعة بلتون ورجل الأعمال نجيب ساويرس للاستحواذ علي حصة 20٪ في المجموعة المالية هيرميس التي لم تكتمل لعدم وصولها إلي النسبة المطلوبة لعرض الشراء ومن قبلها مجموعة «أبراج» وعرضها شراء إجباري للاستحواذ علي عدد 27 مليون سهم تمثل نسبة 100٪ من أسهم مستشفي القاهرة التخصصي الشركة المقيدة، وذلك عن طريق أحد صناديقها الاستثمارية شركة «كريد هيلثكير إل تي دي» وبسعر نقدي يبلغ 75 جنيهاً للسهم الواحد، بقيمة إجمالية للصفقة 202.5 مليون جنيه. لم تكن صفقة تحالف ساويرس وأبراج هما الصفقتان الوحيدتان بالسوق بل عرض شركة «هكسلاي هولدنج ليمتد» للشراء الإجباري الخاص بشراء عدد 11.9 مليون سهم تمثل نسبة 100٪ من أسهم رأسمال شركة القاهرة للاستثمار والتنمية العقارية بسعر نقدي 20.5 جنيه للسهم الواحد، وكذلك صفقة فايرفاكس علي أسهم البنك التجاري الدولي بقيمة 2.124 مليار جنيه بحجم 58.45 مليون سهم، وبلغ سعر التنفيذ 36.34 جنيه، وكذلك استحواذ «ريبلوود» الأمريكية علي 10٪ من «سوديك» بصفقة تقترب قيمتها من 220 مليون جنيه، ومؤخراً تقدمت شركة أبراج انفستمنت مانجمينت ليمتد - شركة شقيقة لأبراج كابيتال الإماراتية - تطلب منهم فيه إجراء فحص نافي للجهالة علي شركة بسكو مصر بغرض الاستحواذ علي كامل أسهم الشركة بحد أدني قدره 51٪. سألت محسن عادل، خبير أسواق المال، حول مثل هذه الصفقات وانعكاساتها علي السوق، أجابني قائلاً: إن مثل هذه الصفقات إيجابية علي الاقتصاد المصري والبورصة بصورة خاصة، مما يسهم في استقطاب العديد من المؤسسات العالمية والعربية للاستحواذ علي شركات مقيدة داخل السوق سواء بشكل كامل أو من خلال الاستحواذ علي نسب بسيطة أو نسب عالية من الدخول في إدارة الشركة. «عمليات الاستحواذ التي تم الإعلان عنها خلال الفترة الماضية منذ 30 يونية 2013 حتي الآن تدور حول سبع صفقات منها ما تم إنجازه بالفعل مثل دخول الصندوق العالمي ريبلوود في كل من شركتي بالم هيلز والسادس من أكتوبر «سوديك» من خلال حصص صغيرة كتنويع في محفظته الاستثمارية، وهو ما يعكس قوة وقدرة شركات القطاع العقاري علي تحقيق العائد المناسب والمنافس لمثيلتها في الأسواق الناشئة»، بحسب عادل. ليس هذا فحسب بل إن هناك صفقات تم الإعلان عنها - حسب صلاح حيدر محلل أسواق المال - لم يتم إغلاقها بعد مثل استحواذ أبراج كابيتال علي كلا من مستشفي القاهرة التخصصي وشركة القاهرة للاستثمار والتنمية وهو ما يعكس مدي جاذبية قطاع الرعاية الصحية في السوق المصري، خاصة بعد استحواذها علي كل من معملي البرج والمختبر في السوق المصرية وكذلك استحواذ أبراج كابيتال علي شركة الشرق الأوسط لصناعة الزجاج وتلك الاستحواذات الكاملة علي الشركات بنسبة 100٪ ما هي إلا انعكاسات أيضاً علي مدي ربحية تلك الشركات وقدرتها علي تحقيق تدفقات مالية بشكل سريع تحقق من خلاله الشركات المستحوذة علي أرباح رأسمالية في فترات زمنية جيدة، وتأتي صفقة المجموعة المالية هيرميس كأكبر صفقات تلك الفترة التي قد تصل قيمتها إلي 1.8 مليار جنيه هي الصفقة التي لا تكتمل. وتابع أن جاذبية الشركات لعمليات الاستحواذ قد ارتفعت خاصة مع استقرار الأوضاع السياسية مع انتهاء الانتخابات الرئاسية ومع قوة المراكز المالية للشركات أيضاً التي تستطيع الشركات المستحوذة تحقيق عوائد جيدة من خلال استثمارها فيها. «إن عمليات الاستحواذ في البورصة المصرية الفترة الماضية شهدت نشاطاً كبيراً، خاصة مع تدني الأسعار للسوق المصرية مقارنة بأسعار الأسواق الناشئة»، هو ما قاله محمود جبريل خبير أسواق المال، إذ إنه متوقع أن تتجه إلي الزيادة في الفترة القادمة مع استقرار الأوضاع الاقتصادية سواء من شركات عالمية وعربية داخل السوق المصرية، أو شركات محلية تتجه لاستحواذ علي شركة عقارية «رؤية العقارية» والإعلان عن نيتها الاستحواذ علي شركة صناعية وهناك أيضاً شركات أعلنت نيتها الاندماج مثل الشرقية الوطنية للأمن الغذائي والمصرية للدواجن والتي ستكون أول عملية اندماج في السوق المصرية منذ اندماج البنك المصري الأمريكي وبنك كاليون تحت عباءة بنك كريدي أجريكول في 2006، كما أن حالة النشاط يجب أن تنعكس إيجابياً علي الاقتصاد المصري بعدد كبير من المزايا - كما يحددها جبريل - تتمثل في ضخ مزيد من الاستثمار الأجنبي سواء المباشر أو غير المباشر، وهو الأمر المطلوب لدعم الاحتياطيات النقدية الأجنبية. وتابع أن عودة نشاط الاستحواذات بالسوق في التوقيت الحالي يعد بمثابة شهادة علي جاذبيته في ظل المؤشرات علي زيادة الاستثمارات والانتعاش الاقتصادي المرتقب خلال المرحلة القادمة مع الانتهاء من الاستحقاق الثاني من خارطة الطريق بتنصيب الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيساً. هناك حالة من التفاؤل - وفقاً لقول جبريل - بمزيد من الاستثمارات الجديدة سواء كانت عربية أو أجنبية مع الاستقرار الأمني والسياسي مع استكمال خارطة الطريق، الأمر الذي يولد حالة تطمين لدي المستثمرين بالسوق المصري، كما أن الحكومة تستهدف خلال المرحلة المقبلة الاعتماد علي الاستثمارات الخاصة بنسبة كبيرة في دفع عجلة الاقتصاد المصري تلبية لمتطلبات المصريين بعد أكثر من ثلاث سنوات من الاضطرابات، وأن أسعار الأسهم بالسوق المصرية، مازالت أقل من قيمتها الحقيقية بعد أن مرت علي البورصة المصرية العديد من الأحداث القوية والمؤثرة خلال السنوات الأخيرة التي أدت في كثير من الأحيان إلي انهيارات في أسعار الأسهم مما جعلها فرصاً يجب اقتناصها في الوقت الراهن، كما أن أبرز القطاعات التي من المتوقع تدفق المزيد من رؤوس الأموال به هو قطاع النقل، خاصة مع البدء في تنفيذ مشروع تنمية قناة السويس الذي سيضع مصر علي خارطة الاقتصاد العالمي وأيضاً قطاع العقارات الذي يعد من أهم وأبرز قطاعات السوق المصرية نشاطاً وقوة.