تلعب الدراما التلفزيونية دوراً هاماً فى احتواء الفرد داخل المجال الاجتماعى والثقافي باعتبارها الناقل الأساسي للواقع بمختلف مكوناته وأبعاده، حيث تشكل بالنسبة للملايين الوسيلة الأساسية في إعادة صياغة البناء الثقافي للمجتمع، وإعادة إنتاج للنظام الاجتماعي القائم، عن طريق النقد الموضوعى للواقع وكشف ومعالجة سلبياته ، بهدف تغيير أو تعديل السلوك وتنمية وتكوين الذوق الجمالي والفني والحضاري ، فمضمون المحتوى الذى تقدمه الدراما التلفزيونية يؤثر بلا شك فى فعاليتها في التوجيه والتأثير عند الجماهير، لأنها تعكس دافع وهدف محدد فى توجيه رسالة معينة إلى المشاهد ، سواء كان المسلسل يعالج موضوعاً تاريخياً أو اجتماعياً أو سياسياً، و يرتبط تأثيرها بمدى مصداقيتها فى نقل الواقع، وبالتالي تلعب الدراما التلفزيونية دوراً مزدوجاً بنقل الوقع من ناحية والتأثير فيه من ناحية أخرى. ولعل من أهم ما يعكس اهتمام الدراما لمصرية بالواقع السياسى والاجتماعي الحالى حجم الأعمال التى تناقش وتجسد وتنقل صورة واقعية عن ايجابيات وسلبيات الواقع المصرى الراهن ، فمن أهم المسلسلات التى تتناول الواقع الاجتماعي " سجن النسا" و " السبع وصايا "، بينما أبرزت مسلسلات أخرى الميراث التارخى المصرى إبان الحقبة الناصرية مثل مسلسل " صديق العمر" ، بينما اهتمت الدراما السياسية بإبراز الواقع السياسى عقب 30 يونيو فى مصر مثل " تفاحة ادم "، "الاكسلانس"، " حلاوة روح " ، " شارع عبد العزيز" ،و خلت الدراما المصرية الرمضانية هذا العام بشكل واضح من الاهتمام بالمسلسلات الدينية التى تعرض للتاريخ الاسلامى. ويعد مسلسل " صديق العمر " من أهم أعمال الدراما التاريخية المصرية الرمضانية هذا العام ، الذى يحاول أن يربط بين الواقع المصرى المعاصر وتحدياته والسياق التاريخي لعملية التطور السياسى المصرى خلال الحقبة الناصرية ، فالقاسم المشترك بين الواقع الحالى والحقبة الناصرية أن مصر دائماً ما كانت ولا تزال محط أنظار القوى الكبرى التى لا تزال تسيطر وتتحكم فى النظام الدولى ، وما أشبه الليلة بالبارحة ، فقد كانت تحديات الوحدة والقومية العربية صعبة بسبب مؤامرات أعداء الداخل والخارج فى الوطن العربى .وقد تميز هذا المسلسل بالموضوعية فى عرض تلك الفترة ومراعاة البعد القومى العربى والبعد عن إثارة اى موضوعات تؤثر على العلاقة بين الشعبين السورى والمصرى . وقد تفاعلت الدراما السياسية مع الواقع السياسى عقب 30 يونيو ، وتعرضت للفكر الاخونى ومآربه ومراميه مثل مسلسل " تفاحة ادم " ، الذى يركز بصورة واضحة على هذا الفكر الطائفى ، ويقدم هذا المسلسل رسالة إعلامية للراى العام ومحاولة تنقيته من الأفكار والشوائب المتطرفة والمفاهيم الخاطئة ، حيث يعرض المسلسل لمحاولات الإخوان اختراق وزارة الداخلية ويشير إلى بعض المصطلحات المرتبطة بجماعة الإخوان مثل " جهاد النكاح " ، بينما عرضت بعض المسلسلات صورة لجماعة الإخوان من خلال الإسقاط الفنى والتلميح ، مثل مسلسل " الاكسلانس" الذى يبرز دور رجال الأعمال الاخوان ومحاولاتهم فرض نفوذهم فى مجتمع الأعمال المصري. ويجد العديد من المحللين والناقدين للدراما السياسية أن الدراما السياسية هذا لعام لا تحمل عمقاً سياسياً له مبرر واضح ، حيث تناولت بعض المسلسلات مثل مسلسل " تفاحة ادم " للشخصيات الاخوانية بطريقة سطحية تخلو من الاحترافية فى مزج ومحاكاة وتمثيل الشخصية السياسية ، فظهور الشخصيات السياسية بصورة عامة كان بهدف الإقحام من اجل التسويق والتشويق، وهذا ينطبق أيضا على الدراما الاجتماعية التى لم تخل من المشاهد الساخنة والألفاظ الخادشة للحياء والإباحية التى تجعلها محل انتقاد ، ربما لأنها مدفوعة بدرجة اكبر بدافع الربح اكبر من اهتمامها بإبراز الجانب الاجتماعي وطرح معالجة لسلبياته ، لتبدو أنها فقط كاشفة عن عورات ومساوىء المجتمع دون أن تهتم بتقديم وطرح حلول لمواجهة هذه السلبيات ، وإنما تكرسه للمتاجرة به مما يضر بالذوق العام والميراث الثقافى ومنظومة القيم والأمن المجتمعى . وعلى أية حال، غدت الدراما التلفزيونية المصرية ذات حضور فعال وتحظى بمتابعة الجمهور، ولكن ينقصها جودة المضمون والعرض ومراعاة الذوق العام ، فيجب أن تكون الأعمال الدرامية متحررة ومستقلة عن دوافع التجارة والرغبة فى تحقيق الأرباح , حيث تتحول الصورة إلى واقع بدلاً من أن تعكس الواقع، لأنه لم تتحرر من تلك القيود التى تؤثر على الابتكار و الإبداع, وما أحوج الدراما التلفزيونية إلي التحرر من هيمنة داوفع التجارة والرغبة فى تحقيق الأرباح على حساب جوهر ومضمون وقيمة وعمق العمل ،عندما تصل أجور النجوم إلي أرقام فلكية فى ظل ظروف اقتصادية صعبة قسمت ظهر المشاهد والمواطن العادى الذى هو محور هذه الأعمال ومقصدها، وينتظر أن تعبر عن آماله ومطالبه ومعاناته بمصداقية وموضوعية تامة، وليس كشف عوراته وغض الطرف عن ظروفه المحيطة به ومعاونته فى التغلب على ذلك بطرح رؤية لمعالجة المشكلة محل العمل، لإن تزايد سعار المتاجرة بآلام المواطن فى الدراما الاجتماعية قد يجعل منها انتهاكا لكرامته وحقوقه الإنسانية، وتجعل من المواطن نفسه " فاراً لتجارب " أو لأعمال درامية المقصد منها تحقيق الربح وليس تعديل السلوك وتنمية وتكوين الذوق الجمالي والفني والحضاري.