الأمم المتحضرة فقط، هي التي تحافظ على ما لديها من إرث تاريخي وإنساني، مهما كان مختلفًا في أيديولوجيته عن ما تعتقده في حاضرها، ولذلك نعتقد أن منع تداعي الإرث الحضاري لدى الأمم والحفاظ عليه، ضرورة إنسانية حتمية. إن العقود الثلاثة الأخيرة شهدت صعودًا متناميًا ل"التيار الإسلامي المتشدد"، في أنحاء متفرقة من العالم، جلب معه العديد من الانتقادات والعداء، بسبب بعض التصرفات الهمجية، التي لا تمت للإنسانية بصلة، حيث التشويه المتعمد لصورة الإسلام بشكل يضر أكثر مما ينفع. ما لا حظناه أخيرًا من أعمال يرتكبها بعض الحمقى الذين ينتسبون للإسلام من محاولات تتكرر بين فترة وأخرى، لهدم الآثار والتراث الإنساني، شيء يدعو للأسى والحزن ومشهد تعتصر له القلوب، فمن أعطى هؤلاء الحق في "هدم" شواهد تاريخية على حقب وأزمنة خلت لبعض الأمم والشعوب؟! قبل أيام، قام تنظيم "داعش" الإرهابي، بسلسلة عمليات لنبش القبور وهدم مقامات ومراقد في العراق، كان آخرها هدم قبر نبي الله يونس عليه السلام، في مشهد يمثل اعتداء صارخًا على قدسية الأنبياء وحرمة الأضرحة والمقامات. ما حدث أمر لا يقره مذهب أو دين، وهو عمل لا علاقة له بالإسلام من قريب أو بعيد، بل تخطى كل حدود الطبائع الإنسانية السوية التى تحترم حرمة الأموات وتعلي من شأن مقدساتها وتراثها. الشواهد كثيرة على فعال هؤلاء الجهلاء، الذين أقدموا في أواخر 2012 ب"تمبكتو" التاريخية في مالي والتي تعد مدينة ال 333 وليًا، بهدم كافة الأضرحة هناك، وفي ليبيا قبل فترة تم هدم أضرحة ونبش قبور من يوصفون بأنهم "أولياء مسلمين" وتفجير مساجد تحمل أسماءهم من قبل متشددين سلفيين. الموضوع لا يعدو كونه قضية مبدأ وثقافة وحضارة، وتلك التفجيرات تُظهر عدم التسامح وضيق الأفق وعدم المسؤلية، وتذكرنا بتفجير ضريح الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء العراقية عام 2006 من قبل إرهابيي القاعدة، والذي أدى إلى اشتعال الفتنة بين السنة والشيعة. تلك الأفعال المرفوضة تذكرنا بما ذهب إليه بعض الإسلاميين في مصر، والذين نادوا بتدمير الآثار الفرعونية، وقامت مجموعة منهم بقتل 62 سائحًا ألمانيًا في ما عُرف بمذبحة الأقصر في العام 1997. حركة طالبان الأفغانية، قبل عدة سنوات، كان لها السبق بمحاولاتها تفجير التمثال الأكبر ل"بوذا"، مما أثار حفيظة العالم كله، في خطوة أساءت كثيرًا إلى الإسلام والمسلمين أكثر مما أساءوا هم لأنفسهم. هؤلاء المتطرفون، بأفعالهم "الغبية" وحَّدوا الجميع ضدهم، لأنهم جهلوا روح الدين الإسلامي ولم يقرأوا سيرة الرسول الأعظم محمد بن عبدالله خاتم الأنبياء والمرسلين.. فلم يتوانوا عن ارتكاب اعتداءات وحشية غير إنسانية بحق البشر، بل تعدوا بأفعالهم الخسيسة على الحجر أيضًا.