هللت مصر، وطبلت، وزمرت ابتهاجاً.. والسبب أن قناة السويس حققت أعلى إيراد سنوى فى تاريخها منذ تم افتتاحها للملاحة البحرية يوم «17 نوفمبر 1869»، فقد أعلن الفريق مهاب مميش رئيس هيئة القناة أن عائدات مرور السفن حققت فى العام المالى 2013 2014 أعلى إيراد لها.. وبلغ ذلك 5 مليارات و310 ملايين دولار.. أى 37 مليار جنيه وحصوة فى عين اللى ما يصلى على النبى وذلك بزيادة قدرها 5.5٪ بالدولار عن العام السابق ونحو 14.1٪ بالجنيه. يا سلام يا قناة السويس.. بل يا سلام يا إسماعيل، يا خديو مصر الأشهر، على ما فعلت يدك. فهل فى هذا الرقم ما يرد الاعتبار للخديو الذى ظلمناه كثيراً.. ولطخنا سمعته.. وجاء مسلسل سراى عابدين ليكمل جريمة تشويه تاريخ هذا الحاكم العظيم لمصر.. فالمسلسل يلقى بالقاذورات على تاريخ هذا الرجل، الذى يجعل كل حياته «الحريم.. والمؤامرات» وأنه شخشيخة فى يد أمه خوشيار هانم، أرملة بطل مصر العسكرى: إبراهيم باشا. ولكن «طظ» فى المسلسل الملىء بالأخطاء والخطايا أبرزها حتى الآن أن سراى عابدين لم يكن قد تم إنشاؤه بعد فى هذه الأحداث التى تدور حتى الآن حول عام 1866.. طظ فى المسلسل الذى يشوه تاريخ مصر التى يصورها المسلسل وكأنها «ماخور» للحريم والخدم.. ومؤامرات أمراء وأميرات القصر.. وتعالوا نحكِ حكاية هذه القناة التى تعنى الجلوكوز الذى يمد جسد الاقتصاد المصرى بما يساعد على الحياة.. ثم النهوض وقولوا لنا: هل فى مصر الآن شريان واحد يقدم لها مثل هذه الأرقام.. إنما نعمل إيه للجهلة الذين ساسوا أمورنا.. بل شوهوها بشكل رهيب. قناة السويس يا سادة يا كرام التى بدأت بمنح سعيد باشا امتيازها إلى ديلسيبس فى 30 نوفمبر 1854 وبدأ الحفر بها يوم 25 أبريل 1859 ثم افتتحت للملاحة يوم 17 نوفمبر 1869 تكلفت حسب احصاءات الشركة 18 مليون جنيه، وإن قال البيان الذى قدمته الحكومة لمجلس شورى النواب إن مجموع ما دفعته الحكومة فى هذه القناة بلغ 16 مليوناً 75 ألفاً و119 جنيهاً وإن قال مستر ليون قنصل أمريكا فى مصر أمام إسماعيل أن المبلغ هو 17 مليوناً و423 ألفاًو187 جنيهاً إنجليزياً..وتفاصيل هذا المبلغ كانت كالتالى بالجنيه المصرى. 3.426.000 قيمة أسهم مصر فى القناة.. و3.360.000 جنيه تعويضات للشركة حكم بها إمبراطور فرنسا عن سحب امتيازها فى ترعة الإسماعيلية و400 ألف جنيه ثمن أراضى تفتيش الوادى التى استردتها الحكومة من الشركة و1.200.00 تعويضاً آخر للشركة عن الترعة الحلوة ،1.400.000 نفقات حفلات الافتتاح.. مع فوائد سمسرة ونفقات التحكيم وهذه بلغت أكثر من 5 ملايين. ولكن الخسارة الأكبر كانت عندما باعت مصر حصتها فى اسم القناة وكان عددها 176 ألفاً و602 سهم يساوى نصف أسهم الشركة تقريباً التى كان مجموعها 400 ألف سهم..وقد اشتراها الوالى سعيد بمبلغ ثلاثة ملايين و426 ألف جنيه.. واضطرت مصر الى بيع حصتها للحكومة البريطانية يوم 25 نوفمبر 1875 بمبلغ «4» ملايين جنيه إنجليزى ليساهم المبلغ فى سداد قروض إسماعيل.. وحتى نعرف حجم هذه الخسائر نقول إن هذه الأسهم ربحت منها الخزانة البريطانية عام 1929 فقط 38 مليوناًو 600 ألف جنيه..ولأن مصر كانت قد تنازلت عن 15٪ من أرباح القناة تكون خسائر مصر فى عام 1929 فقط هى 106 ملايين جنيه. المهم وبسبب خسائر مصر فى القناة ومحاولة من الشركة مد امتياز القناة رفضت الجمعية العمومية المصرية «البرلمان» يوم 7 أبريل 1910 تجديد هذا الامتياز.. الذى كان يفترض عودتها.. بكل أرباحها إلى مصر يوم 16 نوفمبر 1968. ولكن جمال عبدالناصر قرر تأميم شركة القناة.. وعودتها بكل مكوناتها الى أمها مصر،وكان ذلك يوم 16 يوليو 1956.. فتقوم الدنيا وتتحالف فرنسا وإنجلترا وإسرائيل وتشن عدواناً علينا هو العدوان الثلاثى فى أكتوبر 1956. الآن وبعد عدة عمليات لتعميق وتطوير وازدواجية بعض مسافات القناة ها هى قناة السويس، تصبح المورد السائل الأكبر للخزانة المصرية من الدولارات.. وتربح 37 مليار جنيه مصرى، فى عام واحد. ألا يستحق ذلك أن نقرأ الآن الفاتحة على روح الخديو إسماعيل الذى تحمل أعباء حفر هذه القناة؟.. أقول بكل صراحة إن أفضل ما يقال الآن، هو نفس ما قاله المؤرخ الإنجليزى بير كرابيتيس عام 1933، وكان وقتها قاضياً بالمحاكم المختلطة.. وترجمه إلى العربية فؤاد صروف رئيس تحرير مجلة المقتطف وانتهى من ترجمته فى فبرابر 1937. وتولت طباعته مطابع الصحفى الكبير أحمد الصاوى محمد. وهنا نؤكد أن إسماعيل تحمل كثيراًمن أجل إلغاء سخرة تقديم مصر لفلاحيها لحفر القناة.. ونجح فى ذلك.. ولكنه عجز عن مواجهة ابتزاز البنوك الأجنبية ومؤامرات أصحاب الأسهم والسندات الأخرى. ويبقى أن مصر الآن تعرف قيمة وقدر.. وعظمة الخديو إسماعيل. يا الله.. نقرأ الفاتحة على روحه وجسده الراقد فى مسجد الرفاعى بالقاهرة.