قول مأثور له دلالات كبيرة: أعطني سنارة وعلمني الصيد خير من أن تمنحني سمكة. وقفت دولة الإمارات العربية المتحدة وقفة الرجال مع مصر في محنتها، وهذا أمر ليس بجديد على أبناء الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حكيم العرب، ولكن ما هي الدروس المستفادة التي يمكن أن تتعلمها مصر من الإمارات كي تنهض من كبوتها؟. حالياً فإن مصر تحصل على "السمكة" من الإمارات في صورة مساعدات واستثمارات للمساعدة على حل المشكلات الاقتصادية المتراكمة،.. ولكن إذا طبقنا نظرية السنارة والسمكة، فإن مصر تواجه مشكلة تبدو مستعصية على الحل، وهي حوادث الطرق السريعة، والعشرات الذين يسقطون يومياً مصابين أو قتلى دون أن تكون هناك بادرة واحدة لوقف الدماء التي تسيل على الأرض. لماذا لا نتعلم من الدروس الإماراتية في القيادة؟، لا أعني القيادة السياسية، ولكن ما أقصده هو قيادة السيارات. في مصر إذا كنت صاحب "واسطة" فإنك تحصل على الرخصة دون اختبار، وربما لا تكون تعلم قيادة السيارة من الأساس، ولكن في الإمارات فإنك تحصل على دروس شاقة وتخوض اختبارات صعبة ومكلفة مادياً من أجل غرض واحد فقط، أن تحصل على رخصة قيادة. كاتب هذه السطور حصل على رخصة قيادته المصرية في حضور اللواء إسماعيل الشاعر مدير أمن القاهرة الأسبق، بوحدة مرور القاهرة الجديدة، وكان الاختبار عبارة عن الدخول بالسيارة وسط "الأقماع"، اختبار لم يتجاوز الدقيقتين، ثم حصلت على الرخصة. في الإمارات الوضع مختلف تماماً، كي تحصل على الرخصة تتقدم إلى مدرسة متخصصة، وتحصل على 8 دروس نظرية، و28 درساً عملياً تقريباً، كل درس منه يستغرق نصف الساعة، إضافة إلى الاختبارات النظرية واختبار "الباركينج"، واختبار مدرسة القيادة، قبل أن تخوض اختبار هيئة الطرق والمواصلات، وفي كل مرة يمكن أن ترسب وتعيد الكرّة، وإذا كنت متمكناً فيمكن أن تحصل على الرخصة من المحاولة الأولى أو الثانية، وأما إن لم تكن كذلك فربما تخوض الاختبار 4 مرات، وتصل التكلفة وقتها إلى ما يعادل 10 آلاف جنيه مصري. الشاهد من هذه التجربة أنه لا يمكن أن يحصل على رخصة القيادة "كل من هب ودب"، فهذه الرخصة مسئولية كبيرة ترتبط بها أرواح أبرياء، ولذلك فإن التساهل والتراخي في منح تلك الرخصة يساهم في ارتفاع معدلات الحوادث المرورية. الحل هو الاستفادة من التجربة الإماراتية، وإنشاء مدارس متخصصة في تعليم قيادة السيارات، والتشديد في إجراءات الحصول على الرخصة، ومحاربة "الواسطة"، فربما يكون المستفيد من "الواسطة" اليوم ضحية غداً، وربما يكون متهماً يواجه السجن لأنه تسبب في حادث أسفر عن سقوط قتلى. هناك أيضا عنصر آخر له علاقة بالسلامة المرورية، وهو الطرق وتخطيطها وهو أمر لا ينفصل أبداً عن قواعد القيادة الآمنة.. وللحديث بقية إن شاء الله...