صناعة الديكتاتور تبدأ من كراهة وكراهية التغيير والتحديث على كافة الصعد وقد لا تنتهى بإزاحة الديكتاتور ذاته، وفيما بعد، وكما حدث أثناء وأعقاب خلع الرئيس الأسبق محمد حسنى السيد مبارك. صناعة الديكتاتور تبدأ بزفة «كدابين الزفة» من كل حدب وصوب، وفى كل مناسبة، وغير مناسبة بمعنى اختلاق المناسبات اختلاقا لاستعراض كيف يكون الولاء لمن هو أهل له بالنسبة لهؤلاء النفر بطبيعة الحال، وذلك لإعلان البيعة والتأييد وبغض النظر هنا عما إذا كان هؤلاء النفر من السياسيين الحقيقيين، أو حتى من المهتمين بالشأن العام، ولكن الذى يطغى هنا، أو المعيار الحاكم لما يظنه هؤلاء هو فقط المصلحة الخاصة، وليس أية شيء آخر سواها. وعلى الرغم من كراهتي لاستخدام لفظ فلول، وذلك لأنني من أنصار إدماج واندماج كافة أفراد المجتمع وصهرهم جميعا فى بوتقة الوطن الواحد الذى يجب أن يتسع لنا جميعا، وذلك لإقالة البلاد من عثرتها والسير قدما فى تحقيق نهضتها بسواعد كل أبنائها، إلا أنه مع ذلك ينبغى التفرقة هنا بين ثلاثة أنواع من الفلول، أولهم من تلوثت أيديهم بدماء المصريين الأبرار، أو أثروا سلبا فى صحتهم، أو فى غذائهم، وثانيهم من تلوثت أيديهم بسرقة «عرق» وكد وجهد المصريين المجتهدين و«الشقيانين» فى حقولهم أو مصانعهم، أو حتى فى استثماراتهم الصغيرة، وثالثهم من لا يريد أن يتعظ ويتعلم أبدا من دروس وعبر التاريخ، فتراه مؤيدا دائما لكل من يظن ان بيده الغلبة، وهو ما يقابله فى العامية القول بأنه.. «ماشى مع الرايجة»..! ولذا فإننا وجدنا الآن فى كل شارع وحارة ونجع نفس الأشخاص الذين كانوا «يطبلون ويزمرون» للرئيس الأسبق مبارك يفعلون الشىء ذاته مع المرشح الرئاسى المشير السيسى. وهؤلاء لعمرى يسيئون لأى مرشح من حيث يظنون أنهم يخدمونه، أو يخدمون عليه. لذا فإننى أحذر الرئيس من أمثال هؤلاء النفر حيث يعدون خصما من رصيد أى مرشح وليس إضافة إلى رصيده فى الشارع المصرى العام، كما لا ينبغى لأحد الالتفات إليهم أو حتى الاستماع إليهم. ويحضرني هنا طرفة حقيقية حكاها لنا مرشح سابق لوزارة الإعلام فى عهد السادات لكنه رفض المنصب حيث قال: «إن السادات فى بداية عهده فى رئاسة مصر كان رجلا بسيطا جدا، ويعشق البساطة.. بساطة أهل الريف.. وفى ذات مرة وبينما كان يشرب من القلة، فإذا بأحد المنافقين يمنعه من ذلك راجيا إياه انتظار الطبيب المختص بتحليل المياه للتأكد من سلامتها، وذلك خوفا على صحته.. وبعد حين من الزمان، وبينما السادات كان جالسا على أريكته وفى يده غليونه الشهير، فإذا به يصيح برئيس الخدم قائلا له: «فين الدكتور إللى بيحلل الميه.. أنا عطشان».. وهكذا صار المنافقون ينفخون فى السادات حتى ضاقت نفسه هو ذاته به، وعلى الرغم من انه كان دائب البحث عنها.