هل من السنة صيام شهر شعبان كله أم أكثره؟ تجيب دار الإفتاء على هذا السؤال بأنه يستحب إكثار الصيام فى شهر شعبان، فقد ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان كله. وروى أحمد وأبو داود والنسائى وابن ماجة، عن أم سلمة رضى الله عنها أنها قالت: "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرين متتابعين إلا أنه كان يصل شعبان برمضان"، ولفظ أبى داود: "إن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًّا إلا شعبان، يصله برمضان". فظاهر هذا الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصوم شهر شعبان كله. لكن ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان إلا قليلاً، فقد روى مسلم عن أبى سلمة قال: سألت عائشة رضى الله عنها عن صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان يصوم حتى نقول قد صام، ويفطر حتى نقول قد أفطر، ولم أره صائمًا من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان إلا قليلاً". فاختلف العلماء فى التوفيق بين هذين الحديثين، فذهب بعضهم إلى أن هذا كان باختلاف الأوقات، ففى بعض السنين صام النبى صلى الله عليه وسلم شعبان كاملاً، وفى بعضها صامه النبى صلى الله عليه وسلم إلا قليلاً، وهو اختيار الشيخ ابن باز رحمه الله. وذهب آخرون إلى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يكمل صيام شهر إلا رمضان، وحمَّلوا حديث أم سلمة على أن المراد أنه صام شعبان إلا قليلاً، قالوا: وهذا جائز فى اللغة إذا صام الرجل أكثر الشهر أن يقال: صام الشهر كله. قال الحافظ: إن حديث عائشة يبين أن المراد بقوله فى حديث أم سلمة "أنه كان لا يصوم من السنة شهرًا تامًا إلا شعبان يصله برمضان"، أى: كان يصوم معظمه. ونقل الترمذى عن ابن المبارك أنه قال: جائز فى كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقال "صام الشهر كله". وقال الطيبى: يُحمل على أنه كان يصوم شعبان كله تارة ويصوم معظمه أخرى لئلا يتوهم أنه واجب كله كرمضان. ثم قال الحافظ : والأول هو الصواب، يعنى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم شعبان كاملاً، واستدل له بما رواه مسلم عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: "ولا أعلم نبى الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله فى ليلة، ولا صلى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهرًا كاملاً غير رمضان". وبما رواه البخارى ومسلم عن ابن عباس رضى الله عنهما قال: ما صام النبى صلى الله عليه وسلم شهرًا كاملاً قط غير رمضان. وقال السندى فى شرحه لحديث أم سلمة: "يصل شعبان برمضان" أى: فيصومهما جميعًا، ظاهره أنه يصوم شعبان كله، لكن قد جاء ما يدل على خلافه، فلذلك حمل على أنه كان يصوم غالبه، فكأنه يصوم كله وأنه يصله برمضان - والله أعلم.