تشكيلة الجمعية العمومية لجمعية أهلية أو لحزب سياسى فاعليتها تتوقف على جدية المشاركين وعلى طبيعة البنود المنظمة لعملية المشاركة فى تلك الجهود فكلما كانت أكثر انفتاحاً على الشارع وأكثر قبولاً للمشاركة فى صفوفها للجميع كانت قدرتها التمثيلية أكثر مصداقية وتعبيراً حياً عن الأهداف التى تجسدها. التدرج فى التعبير التمثيلى للهيئات الحزبية المتواجدة فى المحافظات والمراكز الممثلة لها صعوداً الى هيئات وسيطة وصولاً الى مركز صناعة القرار إما أن تتم عبر آليات ديمقراطية فى التعبير التمثيلى عن القواعد وإما أن تتم بشكل أوتوقراطى يجعل صناعة القرار مركزاً لدى صفوة متحكمة فى صناعة التشكيلات وصناعة القرار المعبر عن الاتجاه السائد لتلك الصفوة... ذلك النوع الأخير كان نموذجاً للأحزاب الفاشية وقد دلت صفحته «عدا الجماعات الدينية التى تمارس السياسة مثل جماعة الإخوان الإرهابية» ولم تزل آثاره باقية فى اصطناع إشكال تبدو ديمقراطية ولكنها تحجب التمثيل المعبر عن مختلف الأطياف أو تتخذ إجراءات تجعل قدرة الحزب على الانفتاح على الناس والمجتمع أقل مما ينعكس على جدوى وجدية تمثيل الحزب لمصالح قطاعات أوسع وأطياف أكثر للمجتمع. ستة عقود من الشمولية الصلبة والدولة البوليسية ذات القبضة الحديدية قضت على العمل الجماعى وفكرته وأشكاله وروحه تماماً فى مصر... رحلت أفكار مشوهة، بدائل صناعية فاشلة لم تلب احتياج المجتمع لقيام ووجود العمل الجماعى والذى يبقى دائماً التعبير الوحيد الصحيح الدال على حيوية المجتمع وقدرته على التأثير والنمو وقيام علاقات صحيحة بين أفراده تصحح أخطاء التنفيذ والتجربة نفسها بنفسها.. فى أعقاب حركة 23 يوليو وخلال سنوات الخمسينيات وعقد الستينيات تم ترويج فكرة العادل المستبد المعبر والمستجيب والملبى لمصالح الجميع...!! لتحل محل قدرة المجتمع وآلياته المختلفة من أحزاب وقوى مجتمع مدنى مختلفة جمعيات اجتماعية وثقافية ودينية ومحلية مختلفة معبرة عن أطياف كثيرة وأيضاً نقابات مهنية وعمالية صاعدة وتحمل تاريخاً من الكفاح الجماعى لنشأتها ووجودها وتعبيرها عن مطالبها وإهدافها.. كل هذا تم نحره عبر سنوات ناصر الذى روج إعلامه فكرة العدال المستبد فى مناخات قمعية بوليسية شديدة القتامة حسمت الأمر لصالح القضاء على العمل الجماعى بصورة باتة. فى فترة السادات انشغل الوطن باستعادة الكرامة الوطنية والأرض المحتلة وفى أعقاب حرب أكتوبر أطلق السادات فصائل تيار الدينى السياسى لمواجهة خصومه السياسيين فى الجامعة وفتح الباب لتمدد قوى الفاشية الدينية بصفقته المعروفة وتم إغراق الوطن فى الصدمات المتتالية من الانفتاح الى زيارة القدس الى عودة الأحزاب الى الارتداد على الحزبية واعتقال كافة الرموز ثم كانت النهاية المضجعة فى اغتيال تيار الدين السياسى للسادات وفتح أبواب الإرهاب والعنف مجدداً فلم يلتقط المجتمع أنفاسه أبداً ليستطيع أن ينظر الى الأمام ويستعيد قدرته على العمل الجمعى والتعبير عن إرادته عبر القنوات الطبيعية للمجتمع السياسى والمجتمع المدنى. وجاءت فترة مبارك الطويلة الحافلة بالفشل السياسى الممل وانسداد شرايين المجتمع بجلطات الركود والاتفاقات الخلفية مع الإخوان من برلمان «87» الى برلمان 2000 ثم الى الصفقة الكبرى طبقاً للتوجهات الأمريكية لكونداليزارايس على طريق الفوضى المنظمة ليحتل الإخوان «88» مقعداً فى برلمان 2005...وجاءت موجات الإرهاب فى التسعينيات واستمرار حصار الحريات العامة قمعاً وقانوناً ليبقى النظام الأب الراعى لمصلحة المجتمع طبقاً لبقائه ونقائه واستمراره لمصلحة نخبته وجماعته الحاكمة... فى نفس الوقت الذى لم يسدد فيه فواتير احتياجات المجتمع وترك الشارع نهباً لجماعات تيار الدين السياسى فكان ربيعاً حقيقياً لهم...وليبقى العمل الجماعى هدفاً مضروباً من النظام وطلقائه الفاشيين.. هذا التراث المجيد فى مناهضة العمل الأهلى والحزبى وقتل روح الجماعية كهدف استراتيجى لم يخلف من ورائه الا روح عدم الاكتراث ونفوراً حاداً من العمل الجماعى وميلاً عاماً للخلاص الفردى الشخصى والانتهازية الصغيرة... وفقداناً كاملاً للثقة فى الحزبية والعمل الحزبى وجديته ومصداقية أهدافه... ولا نغفل الدعاية المسمومة للجهاز الإعلامى الحكومى فى تشويه وتسفيه العمل الجماعى والحزبى ولعقود طويلة فكانت سياسة تسميم المنابع والآبار وليدفع الوطن وتقدمه وحيويته الثمن باهظاً...