قال المستشار عدلى منصور رئيس الجمهورية خلال كلمتة باحتفالية عيد تحرير سيناء إن مسيرة استعادة سيناء بالحرب ثم بالتفاوض تمثل ملحمة وطنية رائعة مصدر فخر للأمة المصريةالتى ضربت مثالاً فى الإصرار على الثأر للكرامة الوطنية والتمسك بالحفاظ على التراب الوطنى، وستظل هذه الملحمة علامة مضيئة فى تاريخ شعبنا العظيم منبعًا تنهل منه الأجيال القادمة معانى العزة والكرامة وصيانة أرض الوطن عملاً ملموسًا وليس قولاً أجوف. وفيما يلى نص الكلمة: شعب مصر العظيم .. الإخوة والأخوات.. أتحدث إليكم اليوم فى الذكرى الثانية والثلاثين لتحرير جزء عزيز من أرض مصر الغالية، سيناء الحبيبة، معبر الأنبياء، على طورها وفى واديها المقدس كلم الله عز وجل نبيه موسى عليه السلام، وتلقى الألواح، وتشرفت أرضها باستقبال العائلة المقدسة بحثًا عن الأمان فى أرض الكنانة، وبطورها أقسم رب العالمين جل وعلا فقال {وَالتِّينِ وَالزَّيتُون وَطُور سِينِين}؛ فظل اسمها مذكورًا فى القرآن الكريم .. يُتلى ويُتعبّد به إلى نهاية الدهر. سيناء، بوابة مصر الشرقية، التى حاول عَبْرها الكثيرون الاعتداء على أرضنا، فما كان نصيبهم منها سوى إلحاق الهزيمة بهم، ورد كيدهم خائبين، وكما قال عنها الراحل العظيم "جمال حمدان"، سيناء قدس أقداس مصر، الأولى بين صحارى العرب، وربما صحارى العالم، فى كثافة الحركة الحربية عبر أراضيها، بوابة الغزاة إلى أرض مصر منذ زمن الهكسوس، وحتى فتح مصر على يد القائد المسلم عمرو بن العاص. سيناء، مناجم الفيروز، وكنوز العقيق، غصون شجر الزيتون التى تغطى وجه الصحراء، تميمة وادى النيل، مكانتها المتميزة فى قلوب المصريين كافة، مكانة صاغتها الجغرافيا، وسجلها التاريخ، وعززتها بيئتها الثرية بكل مقومات الجمال .. طبيعتها الخلابة، وجبالها الشامخة .. شواطئها الساحرة، وكنوز الثروة تحت بحارها، نِعَمٌ تنادى المصريين، وفى ندائها عتاب، حتمًا سيلبى المصريون نداءك .. يا بقعة من أطهر بقاع الأرض، وعهد علينا دومًا ألا تُدَنَس أرضك المباركة. الإخوة والأخوات،.. لقد جاء شهر يونيو عام 1967ليشهد احتلال أجزاء غالية من الأراضى العربية، ومنها سيناء، أرض القمر والفيروز، هذا الجزء الاستراتيجى من الأراضى المصرية، همزة الوصل التى تضيف إلى مصر الأفريقية انتماء آسيويًا، يعزز من وشائج صلاتها بدول الوطن العربى فى قارة آسيا، وكما حملت هذه النكسة للشعب المصرى آلامًا، فقد زادت فى نفوس المصريين الإصرار والعزيمة لاستعادة الأرض، فبدأت حرب الاستنزاف، التى شهدت عمليات عسكرية واستخباراتية باسلة استنزفت قوى العدو، ومهدت الطريق لنصر أكتوبر العظيم. إن مسيرة استعادة سيناء بالحرب ثم بالتفاوض، تمثل ملحمة وطنية رائعة، مصدر فخر للأمة المصرية التى ضربت مثالاً فى الإصرار على الثأر للكرامة الوطنية، والتمسك بالحفاظ على التراب الوطنى .. ستظل هذه الملحمة علامة مضيئة فى تاريخ شعبنا العظيم، منبعًا تنهل منه الأجيال القادمة معانى العزة والكرامة، وصيانة أرض الوطن، عملاً ملموسًا، وليس قولاً أجوف، إن أحد أهم مظاهر عظمة هذه الملحمة، يتجلى فى بلورة معانى الوحدة الوطنية، فعلى أرض سيناء الطاهرة، اختلطت دماء مسلمى ومسيحيى مصر لتحرر كل شبر من هذه الأرض، لقد ضربت معركة استرداد سيناء، ومن بعدها استعادة طابا، مثلاً لتكامل القدرات المصرية، العسكرية والدبلوماسية والقانونية، فلا حق دون أن تصونه قوة، ولا قوة دون أن يوجهها عقل راجح، قادر على تحديد وتوظيف أدوات الدولة وعناصر قوتها للحفاظ على أمنها القومى، واستعادة حقوقها المسلوبة، كاملة غير منقوصة، دونما تفريط فى حبة رمل واحدة من أرض وطننا الحبيب. شعب مصر العظيم.. كما أخلصت مصر فى الحرب، فقد تبنت خيار السلام، سلام المنتصرين الذى أتت إليه على قدمين ثابتتين، وجنحت للسلم، مصداقًا لقوله تعالى: {وَإنْ جَنَحُوا لِلسِّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّل عَلَى اللهِ إنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيم} (الأنفال:61)، وأخلصت للسلام، التزامًا ووفاء بما تعاهدت عليه، وستظل مصر بإذن الله ملتزمة بالسلام، طالما التزم به الطرف الآخر، إلا أن هذا الالتزام المكلل بالعزة والكرامة، سلام مبنى على القوة، سلام له درع قوية تحميه، قواتنا المسلحة الباسلة، وأؤكد لكم بهذه المناسبة أن مصر لم ولن تتهاون يومًا فى حق لها، كما أنها لن تتهاون فى حق عربى أو تفرط فى أرض عربية .. وستظل القضية الفلسطينية فى مقدمة أولويات سياستنا الخارجية، وصولاً إلى تحقيق السلام العادل والشامل، وأعاود التأكيد لمروجى أفكار تبادل الأراضى أن سيناء أرضٌ مصرية، لا مساس بشبر واحد من أراضيها، ولا مستقبل لاستيطان مغتصب للأرض الفلسطينية، ولا للمساس بالقدس الشريف، ملتقى الأديان السماوية، ومعبر رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فى رحلة الإسراء. الأبناء والإخوة المواطنون.. لقد كان احتلال هذه البقعة الغالية من أرض مصر، مبررًا منطقيًا لعجز الدولة المصرية عن تنميتها اقتصاديًا وبشريًا، ولكن أين نقف اليوم، بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على تحريرها؟ عادت سيناء إلى الوطن، لتظل ضمن أقل المناطق المصرية حظًا فى التنمية البشرية والعمرانية والتقدم الاقتصادى، فهل استرددناها لتظل أرضًا خاوية دون عمارة؟ كم سنحت من فرص استثمارية وتنموية كان يمكن استغلالها لتنمية سيناء التى تمثل 6٪ من مساحة مصر، ولا يقطنها سوى عدد ضئيل من السكان يتجاوز بقليل نصف المليون نسمة، لقد آن الأوان لكى نوفى لمن جادوا بأرواحهم ودمائهم جزءًا مما قدموه من أجل الوطن، وأن نبرهن على أن ما بذلوه لم يذهب سدى، وإنما سيمكث فى أرض سيناء المباركة، حضارةً ونموًا وعمرانًا. وإذا كنا نتحدث بعد ثورتين شعبيتين عن مشروعات قومية تتطلب بذل جهود الدولة المصرية وتكاتف أبنائها، فليس أقل من أن يكون لسيناء منها نصيب، إن مصر بحاجة ملحة إلى مشروع قومى شامل لتنمية سيناء، مشروع وطنى بسواعد شبابها وأبنائها، مشروع متكامل، لا يترك ميزة حبا الله سبحانه وتعالى بها هذه الأرض الطيبة إلا حافظ عليها ونماها، ووظفها فى مكانها الصحيح، للاستفادة من خيراتها.. بدءًا من سواحلها الممتدة على البحرين المتوسط والأحمر، بكل ما تحويه من كنوز، ومرورًا بأرضها الزاخرة بالثروات والمعادن، ووصولاً إلى ربطها بمشروع تنمية محور قناة السويس الذى لن يقتصر على أعمال الشحن والتفريغ، وإنما سيمتد ليشمل الاعتماد على القيمة المضافة وإعادة التصدير وخلق ظهير من المناطق الصناعية والمراكز التدريبية والمجتمعات العمرانية، بما يوفر فرص عمل لشباب سيناء ومدن القناة، لنمد يد العمران والتحضر إلى سيناء لتساهم بشكل فعال فى تنمية الوطن كجزء عزيز منه ولا يتجزأ عنه. الإخوة المواطنون.. وكعهدها أرضًا للتحديات، تعيش سيناء هذه الأيام تحديات جديدة، امتدت إليها يد الإرهاب البغيض لتدمر وتقتل، رجالاً من أبناء هذا الوطن ضحوا بأرواحهم، شهداء أبرار، دفاعًا عن حدودنا الشرقية، روت دماؤهم الزكية أرض سيناء المباركة .. إن حقبة البناء والتنمية المقبلة تحتاج إلى تخليص سيناء نهائيًا من براثن الإرهاب الذى لا يضمر لهذا الوطن سوى الشر والسوء، يستهدف تقطيع أوصال الوطن وتفتيت وحدة أبنائه، ولكن الدولة المصرية التى بذلت الغالى والنفيس لاستعادة أرض، تعاهد الله أنها، وبالتعاون مع أبناء سيناء الشرفاء، ستجتث هذا الإرهاب من أرض سيناء دون رجعة، محققة النصر على من لا دين ولا وطن لهم، وعلى من يوفرون لهم التمويل والمأوى .. وأقول لأبنائى من رجال القوات المسلحة والشرطة، الذين يحققون نجاحات كبيرة كل يوم فى حربهم ضد الإرهاب فى سيناء، مقدمين أرواحهم رخيصة فداءً للوطن؛ إن ثقة الشعب كاملة فى حفاظكم على العهد والأمانة الغالية، فتلك الأرض الطيبة التى قدم لها المصريون التضحيات على مر الزمان، ستصبح فى القريب العاجل إن شاء الله تعالى آمنة مستقرة .. إن نصر الله آت قريب لا ريب فيه، طالما خلصت النوايا وصدق العمل. بنى وطنى.. إننا نعيش فى منطقة صعبة تموج بالأزمات والتحديات والمخاطر، لا نملك الانعزال عن قضاياها، أو تجاهل انعكاساتها على الأمن القومى للوطن، نعى ارتباط أمن مصر القومى بأمن واستقرار الشرق الأوسط، وبأمن الخليج العربى والبحر الأحمر ومنطقة المتوسط، والأوضاع فى الدول الأفريقية، لاسيما السودان ودول حوض النيل، لن تسمح مصر بتهديد أمنها القومى، ولن تسمح لأية قوى تسعى لبسط نفوذها أو مخططاتها على العالم العربى بأن تحقق مآربها. إن مصر ما بعد ثورة 25 يناير المجيدة، وما حملته من آمال وتطلعات، وثورة 30 يونيو، التى جاءت لتعيد إحياء آمالنا وتطلعاتنا، مُصوِّبة مسيرة الوطن، هى مصر جديدة، تتطلع إلى مستقبل مشرق لها ولأبنائها، وتدرك ما يواجهها من تحديات، وعلى قدر إدراكها يأتى استعدادها لمواجهة هذه التحديات، بإرادة صلبة وعزم لا يلين، وتصميم على المضى قدمًا بمسيرة هذا الوطن، مستعينين بالله تعالى على ما سيواجهنا من مصاعب، ليهدينا سواء السبيل، وليعيننا على التغلب على دعاوى الإحباط والتشكيك، وأؤكد أنه لا بديل عن العمل الجاد، تحقيقًا لتطلعاتنا نحو حياة كريمة، وعدالة اجتماعية محققة، وكرامة إنسانية مصانة. أقول لكم ونحن نحتفل بذكرى تحرير سيناء، إن ثقتى فى قواتنا المسلحة دون حدود، جيش وطنى موحد، صخرة الوطن، التى انكسر عليها كل من سولت له نفسه تدنيس تراب مصر الطاهر .. تحية لرجال قواتنا المسلحة البواسل، وتحية لكل من ساهم فى معركة تحرير سيناء حربًا وسلامًا، وتحية لكل من بذل دمًا زكيًا أو قطرة عرق طاهرة، أو اقترح أو نفذ فكرة بارعة، ساهمت فى تحطيم أساطير كانت يروج لها .. تحية لأرواح شهدائنا، وأمجاد وبطولات أبنائنا، سيظل هذا اليوم، بإذن الله، يوم عيد لكل المصريين، تخليدًا لذكرى النصر، والسلام القائم على الحق والعدل، وبرهانًا على قوة العسكرية المصرية، وبراعة الدبلوماسية المصرية، فى الحفاظ على تراب هذا الوطن وصون كرامته، ومنبع عز ومصدر فخر لأجياله القادمة. حفظ الله مصر عزيزة أبية، وصان أرضها حرة كريمة، ووفق شعبها إلى سبل التقدم والرخاء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..